ماذا تريد «حماس» من سيناء؟

خالد عكاشة

خالد عكاشة

كاتب صحفي

وهل لحركة حماس الفلسطينية بالأساس، أهداف تتعلق بأرض سيناء؟ الإجابة بنعم يقينية، ومنها الأهداف المعلنة وهناك أخرى خفية. وهل تمتلك حماس إرادة الفعل نحو تحقيق تلك الأهداف بمعنى التخطيط والمضى قدماً نحو الوصول إلى تلك الغايات؟ الإجابة بنعم أخرى تاريخية وفعلية بالصوت والصورة وبآثار الأقدام على رمال سيناء الشمالية. وأين موضع القضية الفلسطينية والأرض المحتلة من تلك المعادلات المختلطة؟ الإجابة هنا فلسطينية خالصة وموجودة على ألسنة العامة، وهى باختصار: وهل دخلت القضية الفلسطينية النفق المظلم إلا بظهور حركة حماس، ليبقى السؤال الجدلى الأخير: وماذا عن الاشتباكات المسلحة التى خاضتها «حماس» ضد إسرائيل وفعل المقاومة والكثير من الشهداء، وهو ما استتبعه اعتداءات وانتهاكات إسرائيلية فادحة بحق قطاع غزة وساكنيه؟ الإجابة هنا فى أقصى درجات الاختزال غير المخل تتمحور حول وجوبية أن تقوم «حماس» بذلك، بداية، حتى تصنع لنفسها رقماً فاعلاً، وإلا انهار مشروعها من أساسه، فقد كان هناك مشروع فتحاوى موازٍ لديه طرح مغاير، وكانت هناك دوماً إسرائيل التى لن تلتفت أو تتعامل مع من لا يمتلك القدرة على إحداث الإزعاج.

ما إن وصلت «حماس» إلى صناعة تلك المعادلة مع إسرائيل حتى انصرفت إلى أجندتها الخاصة، وتمثّلت خطوتها الأهم فى السيطرة الكاملة على قطاع غزة، وفى سبيل تحقيقها خاضت «حماس» الحرب الأهلية الأولى فى تاريخ المقاومة الفلسطينية، وقتلت من الفلسطينيين، وألقت بهم من أسطح عمارات القطاع، فى تكريس لدم فادح، لكن الغاية كانت من الأهمية التى تدفع لتجاوز المحرمات، وبإتمام احتلال القطاع من قبل «حماس» أخذ مشروعها صياغات جديدة وطرأ عليه الكثير من الانكشافات، فعندما نفّذت حركة حماس بتخطيط وإشراف قوات القسام المسلحة اجتياحاً للحدود المصرية فى عام 2008، دخلت فيه إلى مدن رفح والشيخ زويد والعريش، بما يقارب الـ20 ألف فلسطينى، تحت ادعاء حصار غزة، مثّل ذلك سقف طموحات «حماس»، وكشف أهم الإجابات عن الأسئلة الواردة بصدر المقال، فقبل الانقضاض على الأسواق والتسرُّب إلى شوارع المدن كان الأهم لديها نزع العلم المصرى عن بعض المبانى الرسمية ورفع علم حماس، حينها عالجت مصر الرسمية الموقف بالرصانة الواجبة وأعادت الأمور إلى نصابها.

تؤمن «حماس» يقينياً قبل غيرها بأن فعل المقاومة وتحرير الأرض المحتلة صار عدمياً تماماً، هذا اليقين مترسّخ لديها، كونها هى التى أطلقت الكثير من الرصاصات القاتلة لهذا المسار برمته، ولم يذكر لنا التاريخ نجاحاً واحداً لحركة تحرُّر وطنى انقسمت على نفسها أرضاً وشعباً، ودور «حماس» المؤسس فى صناعة الانقسام لا يحتاج إلى إعادة تفنيد، إذن ما الذى تقوم به حماس اليوم أو ما يمكن رصد فعله على الأرض؟ هى باختصار تدير فعل الاحتلال الإسرائيلى وتتعايش مع مساراته، وجاهزة لنقض أى خطوات فى الاتجاه الآخر، وهل لهذا علاقة بسيناء والأوضاع فيها، علاقته الاستراتيجية بوضوح أن حل المأزق الفلسطينى وفق المفهوم العدمى لـ«حماس» يمكن أن يكون مصرياً فى سيناء، فكل الشواهد أمامها وحولها تؤكد أن إسرائيل لن تعطى للشعب الفلسطينى شيئاً.

شمال سيناء بمكونات أرضها وسكانها قطعة نموذجية للدأب على تنفيذ هذا الطرح، والإرهاب فى سيناء نشأ فى غزة ويستنشق الهواء عبر إمكانيات القطاع، فـ«حماس» تُدرك أنها كى تصنع لنفسها ثمناً قبل الأجهزة المصرية وأيضاً أمام الإسرائيليين، فلا بد أن تكون لديها كلمة الفصل فى صناعة الإرهاب المسلح بسيناء، والمستهدفين إزعاج مصر، يجب أن يكون هناك بضاعة لترويجها واستحضار التكليفات لتنفيذها، تقوم بذلك مع قطر فترة وتنبطح أمام تركيا وتعرض بضاعتها فترات أخرى، ومؤخراً تستقرئ تناقضات الإقليم ومعادلاته لتطير سريعاً إلى إيران لتخلع هناك ملابسها قطعة قطعة، وتتعهّد فى طهران بتنفيذ كل المطلوب، وأوله إتقان صناعة الإزعاج للمحور العربى، والانتقال طوعاً للعب دور الكارت السنى فى يد الملالى الذى يُخفف من حدة الاستقطاب المذهبى شكلياً، وليس بأفضل من «حماس» للعب أدوار كهذه أتقنت ممارستها على أكثر من فراش سابقاً، وسيناء وأمن مصر القومى حاضر بقوة فى مثل هكذا ترتيبات وأثمان، وإظهاراً لنفاسة ما يمتلك بالحرام والتآمر الذى لن ينفك يترك سيناء، إلا باعتماد معادلات جديدة تماماً للمواجهة من جانب مصر ضد الإرهاب، وبحق «حماس» تنفذ إلى أرض سيناء وفى مدنها الشمالية.