«نوارة».. فيلم المضحوك عليهم والضالين

محمد فتحى

محمد فتحى

كاتب صحفي

(1) منة الله

شىء ما لا أعرفه حدث لمنة شلبى لم تعد بعده كما كانت. لعل الأمر بدأ قبل أربعة أعوام أو أكثر، لعله بدأ مع الثورة، لعله لم يرتبط أبداً بالسياسة، لكنه حدث، لتصبح بعده «منة» أكثر نضجاً، أكثر ألقاً، أكثر تركيزاً على موهبتها. يقول لى أحدهم إنه قابل «منة» فى المركز الثقافى البريطانى تتلقى كورسات اللغة الإنجليزية، يقول آخر إن «منة» صارت أكثر اهتماماً بدماغها، لا أعرف يقيناً ما حدث، لا أعرف هل تألمت بسببه أم لا، لكننى متأكد من حدوثه، وسعيد بالنتيجة.

لدينا ممثلة موهوبة استغلت منة الله لها، لتحاول تجديد جلدها وتقديم نفسها بشكل مختلف هى منة شلبى، ومثلها قليلون.. جداً.

(2) نوارة..

هذا الفيلم حقيقى جداً، بدءاً من (الجراكن) التى تذهب نوارة لتملأها لأن (الحى) ضحك عليهم ولم يدخل المواسير مكتفياً بالطوب السداسى بديلاً عن (سفلتة) الحوارى، مروراً بـ(رمية) الغلابة فى (مراحيض) مستشفيات الحكومة انتظاراً لـ(سرير) فاضى وسطوة الممرضات وفسادهن وتمسحهن فى (الدين) ولو بالاسم، وصولاً لطبقة (الأغنياء) وسكان (الكمباوند) من ذوى النفوذ والوزراء السابقين الذين أزعجتهم الثورة وهددت بقاءهم، فسافر بعضهم وقبض على آخرين.

توابع الثورة، لا الثورة نفسها، كانت الخط الرئيسى المسيطر على الأحداث. عمود فقرى لقصة حزينة امتلأت بالأمل الذى مات فى النهاية. دهشة وعدم تصديق لإزاحة مبارك، ثم الكذبة الكبرى التى تمسك بها الغلابة فى الثورة حين أقنعهم الإعلام واحتالت عليهم (شبه الدولة) آنذاك بأن (أموال) النظام السابق ستعود، وستوزع عليهم، ليصبح نصيب الفرد 200 ألف جنيه!!

(3) هالة خليل

لو لم تقدم المخرجة هالة خليل غير (أحلى الأوقات) لكفى لها ولنا. كان الفيلم (حالة) خاصة وبديعة فى السينما المصرية، أعقبته لعنة (الفيلم الحلو) التى صاحبت «هالة» فيما بعد، فالكل فى ذهنه أحلى الأوقات، وهى (تحب) بطلاتها، ولذلك لم ينجح (قص ولزق) تجارياً رغم (حدوتة) الهجرة والبحث عن أحلام أخرى التى غلفت الفيلم، ثم ها هو فيلمها الثالث تغلفه السياسة. استفزنى هذا التغليف، و(الأفورة) فى تكرار عبارات البرامج ونشرات الأخبار، لكن ربما كان الأمر مقصوداً لأن الوضع الاستثنائى آنذاك كان مليئاً بـ(الأفورة). لست ناقداً فنياً لكن عينى رأت (كادرات) حلوة، (قطع) موفقاً ومبدعاً فى كثير من المشاهد، (ناس) حقيقيين، إدارة جيدة للممثلين أخرجت منهم أفضل ما فيهم وإن شعرت أن الخط الدرامى لدور عم عبدالله لأحمد راتب مبتور، هو والبنت التى اختصرت حياتها فى الكلب وحمام السباحة. البشر فى فيلم (نوارة) لحم ودم بلا افتعال أو تمثيل، شوارع من التى تربينا فيها وما زالت تربينا وتعلمنا أننا لا نعلم مهما ظننا أننا نعلم. لكن اللعنة مستمرة رغم أن الموضوعين مختلفان تماماً. ربما هى حالة النوستالجيا التى ستجعلك تقول: «أحلى الأوقات» كان أجمل، وربما (قتامة) القصة وزيادة جرعة السياسة. عموماً «هالة» موهوبة وما زلنا فى انتظار الكثير منها.

(4) الممثلون

أمير صلاح الدين (حقيقى). موهبة لافتة يجب عليه فى المقبل أن يخرج من دور (ابن البلد) و(الأحياء الشعبية) لأن لديه المزيد. رجاء حسين (القديرة) التى تشعر فى وجع ضهرها برائحة (المرهم) الذى تدهنه لها حفيدتها فى أنفك. شيرين رضا لم تضف الكثير للدور لكن الدور أضاف إليها ظهوراً مهماً فى فيلم مهم. محمود حميدة كعادته (بيمثل وهو سايب إيده).. سهل ممتنع، كنت أنتظر من القصة أن تكون أكثر استغلالاً لقدرات هذا الرجل الذى يمثل وهو يستمتع بما يفعله ولا يؤدى دوره والسلام. عباس أبوالحسن (مناسب) جداً لدور القاسى غليظ القلب الذى لا يتورع عن قتل كلب وهو يصرخ: «إحنا أسياد البلد».. هو واحد من فريق (الضالين) الذين يريدون كل شىء ولا يتركون لغيرهم من المضحوك عليهم أى شىء، بل على العكس، يدفعونهم من سلالم الحلم حتى هاوية الواقع.

(5)

تقول نوارة لـ(ستها الصغيرة) محاولة التملص من تقديم الطعام لكلبها: «ما انتى عارفة اللى بيعمله فيا لما بيشوفنى».. ترد (الست الصغيرة): ده غلبان، فتعاجلها نوارة: «ما هما الغلابة كده بييجو على بعض».. فيما بعد ستدرك نوارة أن الوحيد الذى اعتنى بها فى هذا (البلد) هو (الكلب)، لذلك كان مشهد (دفنه) من أصدق المشاهد فى الفيلم. كانت نوارة تدفن الوفاء، تدفن أحلامها، وكانت المخرجة تدفن الثورة، أو ما تبقى منها (آنذاك).