زلة «الزند».. وزلات «النظام»

باختصار، وبلا مواربة، وقبل الدخول فى تفاصيل ما جرى للمستشار أحمد الزند: هذا ليس مقالاً محايداً ولا تسجيلاً لموقف أو إبراء لذمة. هذا انحيازى. اختيارى. هذا موقفى: إذا لم يُعجبك أو نحنحتَ أو استدركتَ بـ«لكن»، فاضرب رأسك فى «أتخن» جدار، إن كان قد بقى من مؤامرة «25 يناير» جدران!. هذه مسئوليتى إزاء حلم ثلاثين مليون مصرى خرجوا فى 30 يونيو 2013.. أراه الآن يتبدد، وتتساقط رموزه، ويُهان شرفاؤه، ويُزاحون بفعل فاعل.

كنت كتبت على صفحتى فى «فيس بوك» قبل يومين من واقعة الزند: «قولاً واحداً.. ثورة 30 يونيو تأكل شرفاءها، أو تتركهم يؤكلون». الآن، وبعد إقالة الزند بهذه الطريقة المهينة، لن أجد حرجاً فى القول: يخطئ النظام الحالى إذا تصور أنه يمثل «25 يناير» مهما خطب ودّ مرتزقتها أو حاول أن ينصفهم. ويخطئ أكثر إذا تصور أن الفجوة بين «25 يناير» و«30 يونيو» يمكن أن تسدها ديباجة دستور أو اعتراف رئاسى عابر أو محاولات احتواء أو بضع مناصب وعطايا. يؤسفنى أن أقول للسيد الرئيس والذين معه: جبهة خصومكم تتسع. وأخشى أن أقول إن استهتاركم أو غروركم أو حساباتكم الخاطئة أو كلها معاً ستؤدى إلى كارثة. ستخسرون معسكر «30 يونيو»: إن لم يكن بـ«العك السياسى».. فبالعبث بلقمة العيش. ويؤسفنى أن أقول إن القسوة فى نقدكم أصبحت والحال هكذا واجباً وطنياً، لأننا لسنا مخيَّرين فيكم: بقاؤنا «شعباً ودولة» فى بقائكم، وعزُّنا فى صلاح أحوالكم، وتلك مأساتنا ومأساتى شخصياً.. «أدعى عليكم واكره اللى يقول آمين».

أنا مع الزند قبل وأثناء وبعد الوزارة. مع تصريحاته المعادية لمؤامرة «25 يناير»: «ليتها ما كانت ولا قامت لأنها لم تدخل رأسى أصلاً، ولم أقتنع بها كثورة». مع تصريحاته المعادية لعصابة الإخوان: «لن تستمر كثيراً وسوف تُداس بالأقدام».. «سننفذ حكم الإعدام فى الرئيس المعزول محمد مرسى وغيره من قياداتهم». مع موقفه المعادى لـ«هشام جنينة»: «يستغل اسم رئيس الجمهورية، وهو إخوانى وسنكشفه». مع موقفه من أحمد ماهر وأحمد دومة ومحمد عادل: «يستحقون الحبس، وتمنيت ألا يتم تخفيف الحكم على الفتيات المحتجَزات لتظاهرهن فى الإسكندرية». مع قسَمه الذى تمنيت أن يتحقق: «أقسم بالله العظيم، أنا شخصياً لن تنطفئ نار قلبى إلا إذا كان مقابل كل شهيد عشرة آلاف من الإخوان ومَن معهم».

أنا مع «الزند»: فـ«عدو» الإخوان.. «صديقى»، وتاج رأسى ورؤوس كل الوطنيين الشرفاء فى هذا البلد. مع إنجازاته التى لا تخطئها عين فى وزارة العدل: إنساناً قبل أن يكون مسئولاً. مع جسارته التى لا وراءها هوى ولا أمامها منفعة.. بل محبة الله و«رسوله»، والإخلاص للوطن. مع «حدَّته» المفرطة: رأياً وموقفاً وسلوكاً، و«حدِّيته» الواضحة، حيث الحقُّ أحقُّ أن يُتَّبع، ولو كان سيفاً على رقبته. مع بساطته الآسرة وقلبه المفتوح للجميع كـ«مندرة» فى بيت على ترعة، يشعُّ دفئاً وكرماً. مع «كاريزما» صارخة، حبّبت فيه البسطاء والعامة أينما حلّ: مهنئاً أو معزياً أو وسيطاً فى نزاع، وجلبت عليه ضغائن المتحلقين حول موائد عصابة الإخوان والمتعاطفين معها.

خسر «العدل» فى مصر (فكرة ووزارة) أسداً حقيقياً: أسد فى بلد، لا صوت يعلو فيه الآن على ثُغاء النعاج والخراف، وكل الكلام «فساء ثعالب». خسرت حكومة شريف إسماعيل. وكل حكومات «30 يونيو» المرتعشة، المنبطحة، الفاشلة، لا تساوى صيحة واحدة من الزند فى وجه عصابة الإخوان وحلفائهم.. حين كانت مؤسسات الدولة محاصَرة ومستهدَفة، وكانت قوائم الاغتيال تلاحق الجميع، وأولهم طُغمة الإعلاميين الذين يهللون الآن لإقالته. خسرت «دولة 30 يونيو» رأس حربة شرساً فى معركة (تبين أنها صفرية) ضد الإرهاب. خسر الجميع، و«الزند» هو الرابح الوحيد، فلا شرف ولا راحة بال ولا ثقة فى دولة تنافق خصومها وتذبح رجالاتها، لأنها ستخسر الاثنين حتماً. دولة تستجيب لميليشيات عصابة الإخوان الإلكترونية وإرهاب مواقع التواصل، وتُقيل وزيراً سيادياً بمكالمة تليفونية!.

زلة لسان الزند الأخيرة.. قاسية، وقد اعتذر واستغفر، وبحساب النوايا لا يمكن وصفها بأنها زندقة أو ازدراء. لكن زلات النظام أشد قسوة وأكثر من أن تُحصى، وآخرها تلك الإقالة المهينة، البائسة، وإلا: كم وزيراً سبق أن تورط فى تصريحات (بعضها أضرّ باقتصاد البلد، وبعضها أضرّ بهيبة الدولة نفسها) وكانت تستوجب محاكمة صاحبها وليس فقط عزله من منصبه؟!. ألا يعرف صانعو القرار أن «الزند» منذ توليه المنصب وهو «مستهدَف»؟. ألا يعرفون أنه قاض جليل، تخرّج فى الأزهر ودرس الشريعة قبل أن يكون وزيراً، وأحرص على أمور الدين ومقدساته من كل الذين انتفضوا ضده؟. ألم يشفع لـ«الزند» أنه مناضل شرس ضد عصابة الإخوان، وأنه بالنسبة لهؤلاء الكفَرة الإرهابيين يُعد فى مكانة الرئيس السيسى نفسه: عدوهم اللدود؟.

أنا مع «الزند»، وضد هذه «الحفلة». ضد حملة تربُّص وتحريض يقودها ويُشعل نارها نحانيح ومرتزقة 25 يناير. ضد اجتزاء الواقعة ودسِّها فى سياق «تسخين» يستهدف الإطاحة بالرئيس السيسى نفسه. ويؤسفنى يا سيادة الرئيس أن أقول لكم من كل قلبى: مبروك عليكم فوز الإخوان. مبروك عليكم «25 يناير».