الاتحاد الأوروبى.. والخسائر المجانية

خالد عكاشة

خالد عكاشة

كاتب صحفي

بداية، هذا المقال ليس لعشاق نظرية التآمر الدائم، طالما كنا بصدد مشهد بطله الآخر، أياً كان هذا الآخر والبطل المقابل له، هو نحن، وهو أيضاً لن يمارس هجوماً مفتوحاً على البرلمان الأوروبى واتحاده ودوله، على اعتبار أنه يوجد تربُّص وتحرُّش بالدولة المصرية، طوال الوقت، فكلا الأمرين السابقين ليس لدىّ قناعة مطلقة بهما، ولا يقين مفتوح على مصراعيه، يمكننى بنوع من الخفة وإراحة الأعصاب أن أحيل إليهما كل الأفعال والمواقف السياسية التى قد تصدر من الاتحاد أو غيره، وقد قصدت من ذكر ما سبق أن أضمن توفيراً لوقت القارئ الغالى ألا يستهلكه معى، وهو مختلف مع أساس الحديث القادم الذى لن يشبع نهمه فى هذا الاتجاه، فقناعاتى الشخصية ترتكز على أن الاتحاد الأوروبى هو آخر مثل أى آخر، يستوجب على التعامل والتعاطى معه ومع مواقفه، بالجدية اللازمة، وبالرغبة، واستهداف أن أنجح كدولة مصرية فى هذا التعاطى المهم.

وقد طرحت على نفسى قبل تناول هذا الحديث سؤالين مهمين، أجدهما ضروريين قبل الخوض فى أى طرح، وأظنهما لازمين أيضاً، أن تجيب عليهما الأجهزة المعنية بالأمر، الأول: هل أنا أريد صياغة علاقة وثيقة بدول الاتحاد الأوروبى أحقق منها الكثير من الفوائد، أم أننى جاهز باللعنات والذهاب للجحيم كى أطلقها بحق من لم يكن حديثه يوافق هواى؟ السؤال الثانى: هل من المتوقع أن يكون الاتحاد أو بعض دوله المؤثرة أو أى آخر، يصيغ أو يرتب بعضاً من مواقف الضغط والتضييق علىّ كدولة مصرية؟ فى السؤال الأول أجبت بأننى أستهدف علاقة جيدة، لأنها أول ما تصب ستصب فى صالح وزنى السياسى العالمى. وفى السؤال الثانى أجبت أن فرضية الهجوم علىّ واردة بالطبع، لكنها بالطبع ليست أبدية وغير حتمية بالمرة، ودليلى على هذا أن ما تمت ممارسته ضد مصر بعد ثورة 30 يونيو كان أكثر شراسة وتعقيداً، وقامت أجهزة وعلاقات الدولة المصرية بمواجهتها مواجهة احترافية مهنية، وأعطت له قدر أهميته واستطاعت أن تنجح فى كسر ما تمت صياغته، وهذا هو لب الموضوع مباشرة، أن الأمر يحتاج إلى مواجهة بأسلحة مشروعة وقادرة على صناعة النصر.

اعتبرت مصر قرار البرلمان الأوروبى الأخير الذى انتقد أوضاع حقوق الإنسان فى البلاد «غير منصف ولا يتفق مع حقيقة الأوضاع فى مصر، ويعتمد على أحاديث وادعاءات لا تستند إلى أى دلائل». الرد الرسمى لـ«الخارجية المصرية» مقبول شكلاً، لكنه لا يستند إلى وقائع تنفى ما جاء ذكره مطولاً فى بيان البرلمان، وقد قصدت أن أقتصر على ذكر النص الذى خرج من الاتحاد بخصوص حادث الطالب الإيطالى كنموذج، فهو لم يطلق اتهاماً للسلطات المصرية بالتورُّط فى قتله كما فعل آخرون، إنما اتهم صراحة التباطؤ غير المبرر فى إجراءات التحقيق والتحرى، وأدان عملية إخفاء التفصيلات، وهى طريقة تعاطى مصرية مع قضايا مشابهة لا ينتهجها أحد الآن فى جميع دول العالم. باختصار، الإدانة كانت لإدارة العمل على القضية من قبل جميع الأجهزة، وهذا القصور تابعناه جميعاً، ولم يكن بالمستوى اللائق، ولا بأهمية وتداعيات القضية المتوقعة، ولم يكن الأمر يستلزم سوى مجموعة من البيانات الصحفية الوافية حول خطوات العمل ونتائجه من الجهات الرسمية المصرية، لننزع السلاح من يد من يريد أن يُشهّر بنا، ولنتجنّب خسائر مجانية لا لزوم لها بالمطلق.

لهذا الحادث ولغيره مما ورد ببيان البرلمان الأوروبى روشتات عمل من قبَل متخصصين بالأجهزة الرسمية المصرية، وهناك إمكانية للاستعانة ببعض الشخصيات الوطنية من المجلس القومى لحقوق الإنسان، وغيرهم ممن لديهم خبرة التعامل مع مثل تلك الملفات، العمل الجاد على هذا المستوى كان قادراً على الخروج ببعض من التوصيات يمكن تنفيذ أغلبها، وإصدار قرارات متعددة تفكك ما تحت يد البرلمان الأوروبى من وقائع يستند إليها فى انحيازاته وبياناته، والأهم أن تكون باللغة التى يفهمها الاتحاد وأعضاؤه، من دون تكبُّر منا على القيام بمثل هذا الجهد، أو استهانة فى غير موضعها تحمّلنا خسائر مجانية لها نصيب من السمعة الدولية، الأمر جد خطير والانكفاء الداخلى ليس مطلوباً بالمرة، فالتشهير الدولى المجانى جاهز فى كل المحافل، والمؤسف أن يكون مدفوع الثمن من أموالنا وتعثّرنا ورصيدنا.