رسالة الشهيد إلى المستشار عدلى منصور!!

محمود مسلم

محمود مسلم

كاتب صحفي

رغم أن الشهداء هم الأغلى فى هذا الوطن، إلا أن التفكير فيهم أصبح موسمياً فى الأعياد الوطنية، بينما يعتصر الحزن أهلهم وذويهم يومياً، فتخرج جثة الشهيد محمولة على الأعناق يتقدمها وزير أو محافظ أو مسئول كبير وتحيط بها مئات، وأحياناً آلاف، من البشر يهتفون «لا إله إلا الله.. الإخوان أعداء الله»، وملايين آخرون يزفونهم بالدموع والتقدير لما بذلوه من جهد للتضحية من أجل مصر، ثم يهدأ كل ذلك ويتحولون جميعاً إلى كلمة يتاجر بها سياسى فى الانتخابات أو أحد من النخبة على الشاشات، أو يستخدمها مسئول ليدافع بها عن تجاوزات جهازه، بينما الحقيقة أنهم أطهر وأغلى من ذلك بكثير، فلولاهم ما بقى الوطن، سواء رجال الجيش والشرطة، الذين يقدمون أرواحهم فداءً لمصر عن عقيدة راسخة تربّوا عليها رغم سوء أحوالهم المالية مقارنة بالذين يحصدون الملايين بالكلام فقط لا غير، أو هؤلاء الأبرياء الذين وقعوا ضحية الإرهاب أو الأخطاء.

فى كل مرة أحضر مناسبة لتكريم الشهداء ألاحظ أن أحداً لا يسيطر على دموعه، وتنشر بعدها الصحف وتتابع الفضائيات البطولات المختلفة للشهداء وإصرار أهاليهم وشجاعتهم، والجوانب الإنسانية المختلفة، وينام المصريون حزناً وكمداً، ثم ينتهى الأمر إلى لا شىء، حتى تأتى مناسبة أخرى أو يقع حادث آخر يُزَف فيه شهداء جدد إلى الجنة، ويطرح السؤال نفسه: ماذا قدم المجتمع إلى هؤلاء؟.. لا شىء.. مَن الذى اختار الآخر، الموت أم الشهيد؟!.. إلى متى ستظل مصر تنزف دماً؟..

إذا كان الله يكرم الشهداء فى الجنة، فمن الذى يسعدهم فى الدنيا من خلال تخليدهم والاهتمام بأسرهم الذين تحملوا ما لا يطيقه أحد، وعند كل شهيد قصة أم مكلومة.. وزوجة تائهة.. وأولاد لا يعلم مصيرهم إلا الله.. نعم «فرحانين» لكنهم ينتظرون الكثير من المجتمع الذى مات شهداؤهم من أجله، والحقيقة أن الكل غائب.. يطالب الرئيس السيسى فى خطاباته دائماً بضرورة وضع آلية لمتابعة أحوال أسر الشهداء.. والحكومة ودن من طين وأخرى من عجين.. والمجتمع يكتفى بالبكاء الموسمى.

نعم.. الجيش والشرطة يقدمون ما هو مطلوب وأكثر، لكن الأمر يحتاج إلى الاستدامة، لذا يجب البدء فوراً بإنشاء مؤسسة أهلية لرعاية أسر الشهداء من الجيش والشرطة والقضاء والمواطنين، مهمتها الأولى رعاية الأسر وبحث سبل التكريم المستمر للشهداء.. ومتابعة وضع الأبناء فى المدارس والجامعات، وتوفير وظائف لهم بعد تخرجهم.. والرعاية الصحية الشاملة للآباء والأمهات والزوجات والأبناء.. وأن تلعب دوراً اجتماعياً ونفسياً على مدى التاريخ معهم، ويمكن أن يكون التمويل الأساسى من صندوق «تحيا مصر»، ويساهم المصريون والمؤسسات الخاصة من مدارس وجامعات ومستشفيات وشركات فى الدعم العينى والمادى، حتى تجد الأسر من يحنو عليها ويرفق بها، لأن ما قدموه أكبر بكثير مما يتخيل أحد.. وليعلم الجميع أن أى معاش لا يوازى احتياجات المعيشة.. ولا يمكن أن تتسول الأسر حق دماء أبنائها.. بل على المجتمع واجب إلزامى، وأعتقد أن كثيرين سيقدمون الغالى من أجل رد جزء من الجميل، فإذا كان ما قدمه الشهداء واجب الوطنية، فإن المجتمع عليه واجب الإنسانية والوطنية والشهامة!!

فكرت فيمن يتولى رئاسة هذه المؤسسة، لم أجد أفضل من الرئيس السابق الإنسان المستشار عدلى منصور، فالرجل يحظى بثقة الجميع.. وأول من سالت دموعه حزناً على الشهداء، ويملك من العدل والحكمة والحنان ما يستطيع به أن يكون أباً لطفل حُرم مبكراً من أبيه، ولزوجة ترمَّلت من أجل الوطن.. وأن يكون راعياً لقيم المجتمع وموثقاً لذاكرته ومجسداً لإخلاص ووفاء ووطنية المصريين سواء الأحياء فى السماء أو الأحياء فى الأرض.