عن تقسيم سوريا.. الفكرة المضللة

حسن أبوطالب

حسن أبوطالب

كاتب صحفي

حين أشار وزير الخارجية جون كيرى فى جلسة استماع بالكونجرس، قبيل البدء بوقف إطلاق النار فى سوريا، إلى أن فشل الهدنة المتفق عليها مع روسيا قد يدفع بلاده إلى تطبيق الخطة ب، دون الإفصاح عن مضمون هذه الخطة، تحدث كثيرون عن أنها خطة لتقسيم سوريا، ثم جاءت تصريحات نائب وزير الخارجية الروسى عن أن بلاده تؤيد نظاماً فيدرالياً فى سوريا إذا اتفق عليه فى المباحثات بين أطراف الصراع، لتضفى ما يشبه اليقين بأن القوتين العظميين اللتين قررتا الإمساك بملف التسوية فى سوريا قد تفاهمتا على تقسيم سوريا إلى عدة دويلات كحل يوقف القتال وينهى الصراع ويعيد المهاجرين السوريين من البلدان لا سيما الأوروبية التى اضطرت لاستقبالهم وبدأت تعانى من وجودهم وارتفعت لديها مطالب بعدم استقبال المزيد منهم لأن بعضهم يعد مصدراً محتملاً للإرهاب.

ومع الأخذ فى الاعتبار الفارق الكبير بين التقسيم وبين بناء نظام فيدرالى فى دولة موحدة جغرافيا، كما هو موجود فى تجارب عالمية ناجحة كثيرة، فإن الانطلاق من يقين ما بأن هناك خطة لتقسيم سوريا قابلة للنجاح على الأرض وسيقبلها السوريون أنفسهم وكذلك جيرانهم الأقوياء يمثل فى حد ذاته خطأ تحليلياً كبيراً، ومع ذلك يمكن للمرء أن يتفهم لماذا يتصور بعض العرب أن مثل هذه الحلول الخطيرة يمكن أن تمر بكل سهولة وكأنها حل سحرى، نظراً لأنها تأتى من أكبر قوتين فى العالم، وهما المسيطرتان بشكل كبير على حركة أطراف الصراع المحلية والإقليمية بما لا يُخل بالتفاهمات بينهما، وهى غير معروف تفاصيلها إلا لهما فقط، وعلى أى حال فإن فكرة تقسيم سوريا ودول أخرى فى المنطقة ليست جديدة فى حد ذاتها، وفى العقد الماضى طُرحت كثيراً ونُشرت عدة خرائط مختلفة من عدة مراكز بحثية مدنية وعسكرية فى الولايات المتحدة وأوروبا تقسم العراق والسعودية وسوريا، باعتبار أن الدول القطرية الوطنية القائمة فى هذه البلدان قد نتجت عن اتفاقات استعمارية تاريخية لم تراع الصراعات والفروقات بين المكونات الإثنية والدينية لكل دولة، فضلاً أن هذه الدول طوال القرن الماضى قد فشلت فى سد الحاجات الأساسية لمكونات شعوبها العرقية والطائفية، وأن الأفضل هو أن تستقل كل فئة على أساس دينى طائفى أو عرقى بمنطقة جغرافية تاريخية لها.

ومن اليسير دحض مثل هذه المبررات التى يثيرها أنصار التقسيم من ذوى النزعة الاستعمارية تاريخياً، الذين يتصورون أنهم مسلحون بالأفكار التاريخية الصحيحة التى لا تقبل الجدل، لا سيما أن بعض هذه البلدان التى وردت فى بعض هذه الدراسات باعتبارها قابلة للتقسيم هى بلدان موحدة عرقياً حتى وإن تعددت الانتماءات الدينية فيها. كذلك فإن دعوات التقسيم تجاهلت حقيقة أن هناك العديد من المناطق كما فى سوريا والعراق تتداخل فيها الانتماءات العرقية والدينية بشكل يجعل فكرة النقاء العرقى أو الدينى لمنطقة بعينها هو ضرب من المستحيل، وبالتالى سيترتب عليه، إن حدث هذا التقسيم القسرى، صراعات جديدة ستمتد عشرات السنين زمنياً وإلى البلدان المجاورة فى الآن ذاته، وبذلك تصبح دعوة التقسيم أو محاولة فرضها عنوة هى وصفة أبدية للصراع والفوضى والدم والقتال والخراب، خاصة أن بعض المناطق كالدروز مثلاً فى جنوب شرق سوريا التى يفترض أنصار التقسيم أنها مؤهلة لكى تكون دولة هى بلا موارد وبلا طرق مواصلات للخارج، وستكون مجرد جيب جغرافى سكانى منزوع القدرات، ومن الصعوبة بمكان أن يقبل تجمع عرقى معين أو دينى معين سواء كان عدده كبيراً أو محدوداً بأن يكون واقعاً تحت الضغط والقهر من الجيران إلى ما لا نهاية. والأمر نفسه لأكراد سوريا فى الشمال وفى الاتجاه إلى الشمالى الغربى.

إن تقسيم سوريا سواء كفكرة أو كمحاولة للتطبيق يعد كارثة بكل المقاييس على السوريين وعلى جوارهم الإقليمى وعلى المشرق العربى ككل، وقد رأينا كيف تحركت كل من إيران وتركيا على الرغم من الخلافات الكبيرة بينهما بشأن الصراع فى سوريا وملفات إقليمية أخرى لكى يرسلا رسالة، عبر زيارة ذات دلالة من رئيس الوزراء التركى إلى طهران ولقائه مع الرئيس حسن روحانى الأحد الماضى، بأن تقسيم سوريا مرفوض نظراً لما ينطوى عليه هذا الأمر من مخاطر على بلديهما، مع الوعد بأن يعملا على تهدئة الصراع السورى ودفع الحلول السلمية له، بعبارة أخرى أن خطة التقسيم حتى وإن وجدت فى عقول البعض من الاستراتيجيين الغربيين، فهى غير مُرحب بها من قوى إقليمية ذات حضور مؤثر فى المشهد السورى، ولن يسمحا بتمريرها، وبالطبع فإن العرب معنيون بهذا الأمر أكثر من غيرهم، وعليهم أن يرسلوا مثل هذه الرسالة الرافضة لأى أفكار تقسيمية لسوريا أو لغيرها، وإصرارهم على حل سلمى تفاوضى يعكس تطلعات الشعب السورى فى حياة آمنة ومستقرة ونظام حكم رشيد بكل معنى الكلمة، ومن المفيد أن يعبر وزراء الخارجية العرب الذين سيجتمعون فى الجامعة العربية لبحث الموقف من السياسة الإيرانية، عن تأييدهم الجازم لبقاء سوريا الدولة موحدة ورفضهم لأى فكرة تشير إلى عكس ذلك، فمن يقبل تقسيم سوريا اليوم ولو على سبيل المناورة فلن يأمن المصير ذاته فى مقبل الأيام.

وقد يتحسب البعض من هكذا موقف عربى، باعتبار أنه قد يكون متوافقاً مع ما جاء فى المباحثات التركية الإيرانية الأخيرة، وهو تحسب فى غير محله، لأن الأصل هنا هو المصالح العربية العليا التى لا تقبل تقسيم أى دولة عربية، ولا يهم هنا من يتوافق من القوى غير العربية مع هذه المصالح العربية العليا أو يناور بشأنها، والمهم أن يكون هناك موقف عربى واضح من مستقبل سوريا كدولة موحدة، وبعد ذلك لنا أن نجتهد بشأن كيف تخرج سوريا من محنتها وهل نقبل بوجود الأسد لفترة وجيزة أو ندعو إلى خروجه الفورى، لأن الأسد حتى وإن بقى على قمة السلطة بعض الوقت، وهناك ترتيبات واتفاقات يجرى التفاوض بشأنها بين أطراف الصراع وبرعاية دولية، فستؤدى فى النهاية إلى إعادة بناء النظام السياسى على عكس ما بناه الأسد ونظامه، ووقتها لن يكون له مكان فى سوريا الجديدة، وفى كل الأحوال هو أمر يقرره السوريون وعلى العرب أن يدعموا وأن يساندوا ما يراه السوريون فى مصلحتهم ومصلحة بلدهم، أما وضع الشروط المسبقة وكأننا نتفاوض نيابة عن السوريين أنفسهم فلن يجدى ولن يفيد أحداً.