البيئة الحزبية هل يمكن أن يعوَّل عليها؟
فى يونيو 1977 صدر قانون تنظيم الأحزاب، الذى يقضى بالتحول إلى النظام التعددى مع عدم إلغاء الاتحاد الاشتراكى، الذى أعطيت له الكثير من الصلاحيات، ومنها حق الموافقة على تأسيس الأحزاب الجديدة عبر المادة السابعة من قانون الأحزاب فيما قبل تعديل 1981. ثم أتبع الرئيس السادات هذه الخطوات بتأسيس حزب جديد أطلق عليه الحزب الوطنى الديمقراطى، ودعا من خلاله أعضاء حزب مصر الاشتراكى إلى الانضمام إليه وتولَّى رئاسته.
وفى ظل نظام الحزب الوطنى الديمقراطى المنحل لم تكن هناك تعددية حزبية حقيقية؛ حيث كان هناك حزب مهيمن يحتكر السلطة دون فرص للتداول مطلقاً، وذلك إلى جانب مجموعة من الأحزاب الصغيرة التى لا يسمح لها بالنمو إلى الدرجة التى تنافسه على الحكم، وقد اتسمت بشكل عام جميع الأحزاب بضعف الدور الذى لعبته فى المعادلة السياسية الداخلية. فلم تكن لهذه الأحزاب قدرة على التفاعل مع القواعد الجماهيرية، بسبب عاملين أساسيين؛ أحدهما مناخ التضييق السياسى والأمنى، وثانيهما إبرام النخب الحزبية المعارضة صفقات سياسية مع السلطة، حيث تضمن بهذه الصفقات التمثيل الرمزى فى البرلمان، ولكن لا تساهم فى عملية التأثير على مجمل السياسات العامة، كما لم تلجأ الأحزاب أبداً إلى أساليب الاتجاه نحو بلورة برامج حد أدنى يتم التوافق الوطنى حولها وتشكل بديلاً حقيقياً يلتف حوله الناس ويشكل ضغطاً على الحزب الحاكم. وقد أطلق كثير من المحللين السياسيين على هذه الأحزاب اسم «الأحزاب الكرتونية»؛ نظراً لعدم فعاليتها على أرض الواقع وضعف برامجها، وإن ظلت تتمتع بوجودها بفضل أوراق تأسيسها، مع عدم وجود جريدة تعبر عن بعض هذه الأحزاب، وتعلن سياستها وتوجهاتها، وإن كانت الثورة حررت الأحزاب من قيود الحزب الوطنى لكنها كشفت أن قيود الحزب كانت عاملاً من ضمن عدد من العوامل الذاتية داخل الأحزاب لم تستطع تخطيها، حتى بعض الأحزاب التى بدت بداية مبشرة، مثل المصرى الديمقراطى والدستور، سرعان ما أصابتها أمراض باقى الأحزاب لتنزوى وتذبل.
وبتحليل خطاب الأحزاب المصرية نجد أنها جاءت وفق صياغات خطابية شديدة التعميم والتقليدية، تفتقر إلى الموضوعية وتحفل بالشعارات وتغفل الخطط التنفيذية، فضلاً عن عدم إدخال أى تطوير عليها منذ صياغتها الأولى، ما جعلها تقف عاجزة عن اللحاق بالتطورات المجتمعية، وقاصرة عن مواكبة التغييرات الحاصلة على المسرح السياسى الاجتماع، ما كشف هشاشتها التى جعلت الحكومة تخفض من دورها فى الانتخابات وتجعل القوائم على نسبة 20% بعد أن كانت 70% وهى مستريحة البال تجاه أى عواقب سوى بعض الاعتراضات هنا وهناك سرعان ما تتلاشى مع بدء عجلة الانتخابات.
هذا الوضع أثمر عن برلمان ما يقدمه للناس من تندر أكثر مما يقدمه من قضايا جادة توحى بوجود أى بارقة أمل بقدرته على التعبير عن مصالح البلاد والعباد ويطرح سؤالاً عن كيفية الخروج من هذا المأزق الشديد حيث لا يمكن أن يستمر الحال على هذا النحو دون قوى سياسية أو حتى اجتماعية تحمل هموم الناس وهموم الوطن، استمرار هذا الوضع يضرب الوطن بالإحباط الذى ينتشر كالسرطان ليفقد الناس العزيمة والانتماء وتتآكل معه ملامح المستقبل، ما يعد انتحاراً ذاتياً، وهو أمر أكثر خطورة من الإرهاب والغزو الخارجى، وسواء كانت الأحزاب هى الجانى أو المجنى عليها فإن الوضع يستلزم المراجعة من الجميع، خاصة من عمل على استبعاد الكثير من الوطنيين من دخول البرلمان.