بروفايل| محمد الموجي.. المطرب

كتب: سلوى الزغبي

بروفايل| محمد الموجي.. المطرب

بروفايل| محمد الموجي.. المطرب

لحظة بالعمر تمكّن فيها الشغف منه، فإما أن يطاوع حدسه أو يرضخ للمقدورات العقلية، اختار أن يُجاري قلبه، ويستغل سفر زوجته للولادة بقريتها الريفية وابتاع أثاث المنزل إلا "مرتبة ومخدة ولحاف"، رافقوه في رحلته من "إيتاي البرود" بالبحيرة إلى القاهرة، مُخلّفًا وراءه عمله كناظر زراعة دون سابق إنذار أو تقديم استقالة، فـ"هدَّ عشه" كما ارتضت أخته أن تعبر له عن استياءها من فعلته.

ترك حلم والده بأن يصبح ذا شأن حتى يتقدم في امتحان الإذاعة على أمل أن يكون مطربًا، فرغم براعته التلحينية ظل "محمد الموجي" في الأصل "مطرب".

تربى و"العود" و"الكمان" أمامه، لا يفارقان يد والده وعمه تقريبًا اللذين أحبا الغناء والعزف، ما شجع "محمد" المولود في 4 مارس 1923 بقرية بيلا في محافظة كفر الشيخ، على إجادة العزف على العود، وهو ما زال في الثامنة من عمره، لكن والده أصرَّ على أن يكون "ناظر زراعة" ليرى في أنه رئيسًا كهؤلاء الذين سببوا له إزعاجًا لتحكمهم فيه، وأكمل الابن دراسته وتزوج ابنة عمه، فيكبر وينضج معه الحلم الطربي.

وتقدَّم الموجي في العام 1951 إلى امتحان الإذاعة لاعتماده مطربًا، وفشل، وكرر التجربة مرات كثيرة والنتيجة واحدة، فمن لجنة التحكيم مَن رآه "حديثًا" لا يتبع التقاليد القديمة فرفضه كالملحن مصطفى رضا، الذي كان يريد المتقدمين يغنون التواشيح وما على شاكلتها، وجاءه شاب يغني "كليوباترا" لموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، فلم يرضه ذلك اللون الفني لحداثته.

اختار "ناظر الزراعة" ألَا يعود لسابق عهده مهما كلفه الأمر، فاستوطن القاهرة لدى بعض أصدقائه حتى عمل في محل اسمه "كوبانا" بميدان مصطفى كامل تملكه صفية حلمي، إحدى تلميذات بديعة مصابني، التي قالت إنها لا تمتلك فرقة موسيقية فإذا أراد الغناء عليه أن يواجه الجمهور منفردًا بصحبة "العود" الخاص به على أن يتقاضى 10 صاغ، ورضخ "الموجي" في سبيل حلم الغناء.

عاشت أسرته المكونة من زوجته وولده أمين وأخويه إبراهيم وحسني في ضيقة مالية لمدة 6 أشهر من بدء عمله، مُتحملًا قسوة صاحبة المحل في خصم 3 صاغ على سبيل المثال إذا تغيب أو تأخر، حتى كان يرتدي "الشراب" ذاته وتخيطه زوجته إذا تمزق منه جزء حتى بات مهلهلًا فاشترت له آخرًا، وصفعها على وجهها للمرة الأولى والأخيرة لكونها فضلته على أن توفر الأموال للمشرب والمأكل، لكنه عاود وقبّل رأسها واعتذر لها بعدما أشارت له بأنه فنان لا يجب أن يجلس بين رفاقه بشراب "ممزق".

استأجر بشراكة صديق له محل "السور" في باب الحديد صرف عليه مكافأة والده، مكونًا فيه فرقة غنائية بقيادته، يُغني ويُلحن كما يشاء، وطلب أن تغني في محله "زينب عبده" المطربة الشهيرة وقتها، وكانت أول مَن غنت لحنه لأغنية "صافيني مرة" قبل تعرفه على عبدالحليم حافظ وغنائه لها، ولم يُكتب للمشروع النجاح، وأُغلق بلا إعادة للتجربة.

المُحب يُجسد معشوقه في كل ما يحيط به، وجسد "الموجي" حبه للغناء والتلحين في فلذات كبده، فكان لكل واحد منهم قصة لـ"اسمه"، الذي لم يأتِ بمحض الصدفة، رُزق بـ3 بنات الأولى استوحى اسمها من مذيع قدم حفلًا لأغنية من ألحانة، وقال الأغنية من "ألحان محمد الموجي" فأطلق على الكبرى "ألحان" والثانية "أنغام" والثالثة "غنوة" حتى لا يفارقه حلمه الطربي، أما الأولاد الثلاثة فكان "أمين" على اسم والده و"الموجي" ليثبت به لقب العائلة لأنه كان ترتيبه تقريبًا السابع في اسم العائلة و"يحيى" من اقتراح زوجته حتى يقال "يحيى محمد الموجي".

وذكر في لقاء تليفزيوني أن المراد به غرض الهتاف حتى نادى المُعلم على ابنه وقال "يحيى محمد الموجي"، فردد وراءه الطلاب العبارة.

اقتنع لفترة بعدم فلاحه مطربًا رغم إقامته لحفلات وتسجيله لعدد من أغاني الكبار التي لحنها بصوته كأغاني "للصبر حدود"، و"مشيت على الأشواك"، و"كامل الأوصاف"، و"اسأل روحك" و"أنا قلبي ليك ميال"، وبرع في التلحين وصار أيقونة في ذلك المجال لا تُمس ولا يُستهان بها، وبعد 18 عامًا من التفوق بها، وخاصة في العام 1966 قرر أخذه الحنين إلى حلم الأول كمطرب وقرر أن يقوم بـ"ثورة على المطربين" الذي نعتهم بقلة الوفاء لعدم شكرهم له على ألحانه التي صنعت منهم نجومًا أو مراعاته ماديًا من نظير ما يتقاضونه جرّاء ألحانه.

وغنى الموجي للتلفيزيون المصري "فنجان شاي مع سيجارتين"، التي لم تلق نجاحًا كما توقع، وأرجع ذلك إلى ضعف التصوير أو الإخراج أو أنه لم يؤدِها كما كان ينبغي.

رأى "الموجي" في العودة للغناء إشباعًا لهويته، واقتناعًا بأنه ليس "تاجرًا" ولا يجيد التعامل بالعقود مع المطربين، ولم يتخل يومًا عن التلحين الذي صنع منه نجمًا في سماء التاريخ الفني، وظل يغني ما يلحنه كحق أدبي أصيل له، وما المطرب إلا آلة يعزف عليها، كما رأى، ولم يتوان يومًا في غناء ما لا يستهوي المطربين غناءه من ألحانه كما فعل في أغنية "هنادي"، التي لم يؤدها الفنان محمد رشدي، ونجحت بصوت "الموجي".