الهدنة في سوريا تعيد للسكان لمحات من حياتهم الطبيعية

كتب: رويترز

الهدنة في سوريا تعيد للسكان لمحات من حياتهم الطبيعية

الهدنة في سوريا تعيد للسكان لمحات من حياتهم الطبيعية

في مدينة حلب السورية المدمرة، كان الأطفال يلهون خارج منازلهم في حين خرج الكثيرون للتسوق في أمان للمرة الأولى منذ شهور بفضل توقف مؤقت للحرب أتاح فرصة للسكان لالتقاط الأنفاس حتى وإن تشكك كثيرون في إمكانية صمود اتفاق وقف القتال وتحقيق السلام.

قال محمود أشرفي وقد تملكه الذهول، "أنظر إلى الأسواق.. أين كان كل هؤلاء الناس يختبئون".

وتحدث أشرفي هاتفيًا مع "رويترز" بعد أن قام بجولة في منطقة تسيطر عليها المعارضة في حلب التي انتشر فيها الدمار بفعل البراميل المتفجرة والغارات الجوية.

ورغم أن "وقف العمليات القتالية" لم يصل إلى حد إنهاء الحرب المستعرة في البلاد منذ خمس سنوات، نعمت بعض مناطق سوريا بحالة هدوء غير معتادة منذ بدء سريان الاتفاق الأمريكي الروسي يوم السبت.

وتأمل الأمم المتحدة أن يسمح الاتفاق باستئناف محادثات السلام لإنهاء الصراع الذي أودى بحياة أكثر من 250 ألف شخص، وفجر واحدة من أسوأ أزمات اللاجئين في الشرق الأوسط وأوروبا، وتم توزيع المزيد من المساعدات في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة منذ بدء تنفيذ الاتفاق.

قبل بضعة أسابيع فقط، كان السوريون في تلك المناطق يحاولون المغادرة، خوفًا من تقدم قوات الرئيس بشار الأسد التي كانت على وشك فرض حصار بعد أن قطعت خطوط إمداد المعارضة في شمال المدينة.

لكن هذا الأسبوع عاد بعض الذين غادروا حلب التي شهدت بعضًا من أسوأ عمليات القصف وقتال الشوارع في الحرب السورية.

وقالت جميلة الشعباني، إحدى سكان حلب، إنها خرجت لرؤية مناطق من المدينة لم تزرها منذ فترة طويلة بسبب عزلة فرضتها على نفسها في منزلها، وأضافت: "كان الناس يخشون الخروج".

وقال عبدالله أصلان، أحد سكان حلب، "المتنزه كان يشبه خلية النحل بالأمس.. كان يعج بالأطفال والأسر"، مضيفًا: "الطقس جميل ومشمس، وكان المتنزه مكتظا بالناس.. السكان يشعرون الآن بأمان أكثر للخروج مع أسرهم".

وقبل الحرب، كان السياح يتوافدون على حلب ثاني كبرى المدن السورية وإحدى أقدم المدن في العالم التي تتمتع بطراز معماري مميز.

وتقف القصور والكنائس والمساجد القديمة شامخة في شوارع حلب، ما يجعلها واحدة من أغنى المواقع الأثرية في الشرق الأوسط، وتبيع الأسواق التي يرجع تاريخها لأكثر من أربعة آلاف عام التوابل والصابون الحلبي والمنسوجات اليدوية المحببة في أوروبا.

* أسواق مزدحمة

ووصف سكان، مشاهد صاخبة في الأسواق شبهها البعض باللحظات الأخيرة قبل عطلات الأعياد.

وقال عبدالمنعم جنيد المشرف على دار للأيتام، "الناس أصبحوا أكثر اطمئنانا".

وعلى الجانب الآخر من المدينة الخاضع لسيطرة الحكومة، لاحظ السكان كذلك تراجعا في قصف مسلحي المعارضة، لكنهم -مثل المقيمين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة- يتوخون الحذر ويساورهم القلق.

وقال صهيب المصري (28 عامًا)، "الوضع الآن مختلف بعض الشيء، لكن هناك مخاوف من أن يقصفوا الأحياء المسالمة في أي لحظة".

وتقول جماعات المعارضة والحكومة السورية، إنها تحترم اتفاق وقف العمليات القتالية، وفي نفس الوقت يتبادلون الاتهامات بانتهاكه، لكن وتيرة الحرب لم تتغير فعليًا في بعض المناطق بشمال سوريا، خاصة جبهات القتال القريبة من الحدود مع تركيا، حيث يتحدث المعارضون عن هجمات تشنها القوات الحكومية بهدف إغلاق الحدود.

ولا تذكر الحكومة شيئًا عن العمليات العسكرية في هذه المنطقة، حيث تقاتل المعارضة التي يعتبرها الغرب معتدلة في مناطق قريبة من مناطق يسيطر عليها المتشددون الذين لا يشملهم اتفاق وقف القتال.

وفي حين تقول الحكومة إنها تتعاون مع الجهود الدولية، تبدي المعارضة الكثير من الشكوك، فهي تقول إن المساعدات لا تصل سوى إلى نسبة محدودة من المحتاجين وأن الأسد يواصل الحرب في انتهاك للاتفاق.

وألقت طائرات هليكوبتر تابعة للجيش منشورات على مناطق المعارضة تدعو لإلقاء السلاح وتتوعد بقتال من يرفض ذلك.

* هدوء يسبق العاصفة

ويخشى سكان بلدة جسر الشغور التي استولى عليها المعارضون من القوات الحكومية العام الماضي من أن يكون الهدوء مسألة وقت قبل استئناف القتال من جديد، ويقولون إن القصف لم يتوقف هناك.

وقال عبدالله الأخرس متحدثا من قرية قريبة من البلدة، "ثمة مخاوف عميقة، وهناك حالة من الشلل فلا بيع ولا شراء والذين يملكون أصولا يحاولون التخلص منها".

وأضاف: "أنه الهدوء الذي يسبق العاصفة، وهذه الهدنة ما هي إلا فرصة للتحضير لمعركة ضخمة، إنهم (الحكومة) يحشدون قواتهم لاستئناف القتال على كل الجبهات".

لكن في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة قرب دمشق، انتهز السكان فرصة الهدنة للقيام بمهام أهملوها طويلًا مثل إصلاح المنازل المدمرة وحتى العناية بالحدائق.

وقال بدران الدومي، الذي يملك متجرًا للأثاث في حي دوما إلى الشرق من دمشق، "الآن نرى الأطفال في الأحياء يأتون ويذهبون ويلهون".

ويقول السكان، إن أصوات المركبات حلت محل أزيز الطائرات الحربية التي كثيرًا ما قصفت المنطقة.

وبدلًا من نشر أخبار عن أعداد القتلى والجرحى في هجمات القوات الحكومية، تنشر خدمة الدفاع المدني التي تعمل في المنطقة في حسابها على وسائل التواصل الاجتماعي، أخبار عمال الإغاثة وهم يصلحون المركبات وينظفون المساجد ويقيمون حفلات للأطفال.

وعلى مسافة تسعة كيلومترات فقط من جبهة القتال في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في دمشق، عبرت سميرة الشوقي (60 عاما) عن أملها في استمرار حالة الهدوء، وقالت: "دوي الانفجارات تراجع بعض الشيء، ونتمنى أن يستمر ذلك".


مواضيع متعلقة