الصيدلى: «دولاب برخصة» للمخدرات والمنشطات الجنسية

09:00 م | الاثنين 29 فبراير 2016

«لا تشرب هذا الدواء، الدواء فيه سم قاتل»، جملة يحفظها المصريون عن ظهر قلب، اقتبسوها من إحدى روائع السينما المصرية وهو فيلم «حياة أو موت» الذى عُرض فى عام 1954 للمخرج كمال الشيخ. كان الفنان حسين رياض يلعب دور الصيدلى فى هذا الفيلم، الذى لجأت إليه طفلة صغيرة لتحصل على عقار طبى تنقذ به والدها من الألم الشديد الذى يشعر به، ليكتشف «رياض» بعدها أنه أخطأ فى الوصفة الطبية التى أعدّها فى الدواء، ويظل طوال الفيلم كله يبحث عن والد الطفلة «أحمد إبراهيم القاطن بدير النحاس»، وتساعده كل أجهزة الدولة بعد ذلك، لتمنعه من شرب الدواء الذى سيقتله فى حال تناوله، وبالفعل تنجح كل تلك المساعى فى الوصول إليه قبل فوات الأوان.

{long_qoute_1}

لكن الأوان قد فات فى تلك الواقعة التى ارتكبها صيدلى فى يناير الماضى، حين تسبّب فى وفاة طفل صغير عمره لا يتعدى العامين ونصف العام، حين أعطاه دواءً خاطئاً تسبّب فى وفاته، ليتهم أهل الطفل الطبيب الصيدلى بقتل طفلهم بجرعة زائدة من المضاد الحيوى سبّبت له إعياءً شديداً نُقل على أثره إلى مستشفى بولاق الدكرور وتوفى هناك، لتوجه إلى الصيدلى بعدها تهمة القتل الخطأ.

قانون مزاولة مهنة الصيدلة ليس بعيداً عن فيلم «حياة أو موت» بكثير، بل إنه صدر بعد عام من إذاعته، فما زال العمل قائماً حتى يومنا هذا بقانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم 127 لسنة 1955، وهو القانون الذى يُنظم مزاولة مهنة الصيدلة فى 57 مادة، تلك المواد القانونية، ربما لا يعرف عنها الكثير من الصيادلة، خصوصاً هؤلاء الذين يضربون بها عرض الحائط، بل يتناسون ذلك القسم الذى ردّدوه فور تخرجهم، قائلين «أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً لله وللوطن، وأن أؤدى أعمالى بالأمانة والشرف، وأن أحافظ على سر المهنة، وأنفّذ قوانينها، والله على ما أقول شهيد».

جرائم كثيرة ارتُكبت باسم مهنة الصيدلة قام بها صيادلة باعوا ضمائرهم من أجل تكنيز الأموال، بل إن بعضهم تحولوا إلى تجار مخدرات بالبالطو الأبيض، أحدهم تم القبض عليه منذ عدة أيام من قبَل ضباط الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بالعاشر من رمضان فى محافظة الشرقية، حيث تمكنت قوات الأمن من ضبط صيدلى قبل ترويجه 50 ألف قرص من العقاقير المخدّرة، على عملائه بدائرة مركز الحسينية.

وفى طنطا، قام أحد الصيادلة بدور «الديلر»، حيث أثبتت التحريات أن طبيباً صيدلياً بالمحلة الكبرى يتردّد على إحدى المناطق لتوريد الأقراص المخدّرة لبعض الأشقياء هناك، وتم ضبطه وبحوزته 22420 قرصاً مخدراً من عقار «الترامادول» المخدر، ووصل الأمر فى محافظة سوهاج إلى حد أن قضت محكمة جنايات سوهاج بمعاقبة صيدلى وابنته بالسجن المؤبد وغرامة 100 ألف جنيه، بتهمة الاتجار فى الأقراص المخدّرة وبيعها بالصيدلية الخاصة بهما بدائرة مركز جرجا.

بينما لعب صيدلى آخر دور تاجر عقاقير مهرّبة جمركياً، وهو ما اعترف به أمام مباحث الأموال العامة بالقاهرة، التى ألقت القبض عليه فى يناير الماضى لاتجاره فى العقاقير المهرّبة جمركياً بمنطقة عابدين وعُثر بالصيدلية على 75 صنف دواء «أجنبى الصنع» بإجمالى 400 عبوة دوائية مجهولة المصدر.

لم يكتفِ أحد الصيادلة بمركز الرحمانية بمحافظة كفر الشيخ بحيازة الأقراص المخدرة، بل ألقت قوات الأمن القبض عليه وبحوزته حشيش وزجاجة خمر وأقراص مخدرة، واعترف أمام المباحث بحيازته مخدر الحشيش وزجاجة الخمر بقصد التعاطى، والأقراص المخدّرة والجنسية بقصد الاتجار.

مسافة طويلة قطعها أحد الصيادلة من منطقة السيدة زينب بالقاهرة إلى منطقة الهضبة بشرم الشيخ، ليس بحثاً عن صيدلية يعمل بها ولا حتى للاستجمام أو تنشيط السياحة الداخلية، لكن لمحاولة بيع ما يقرب من 1300 قرص «ترامادول»، لكنها محاولات باءت بالفشل وانتهت بإلقاء القبض عليه من قبَل المباحث فى جنوب سيناء. طبيب صيدلى آخر لا يتعدى عمره 39 عاماً يسكن فى منطقة البدرشين رفض المخاطرة والترويج لبيع الأقراص المخدّرة فى صيدليته أو فى محافظة أخرى بعيدة، بل إنه اتّخذ من مسكنه مركزاً لتسويق المواد المخدّرة، لكن هذا لم يمنعه من المصير نفسه، حيث قامت أجهزة الأمن بالجيزة بالقبض على طبيب لاتهامه بالاتجار فى العقاقير المخدّرة متّخذاً من مسكنه وكراً لمزاولة نشاطه الإجرامى بمنطقة البدرشين.

الأخطاء والجرائم المتكرّرة التى ترتكبها بعض الصيدليات تحاول إدارة التفتيش الصيدلى التابعة لوزارة الصحة الوصول إليها من خلال المفتشين العاملين بها، لكن ما يزيد الأمر سوءاً هو ضعف عدد المفتشين، مقارنة بعدد الصيدليات ومخازن الأدوية، حيث تعمل فى مصر بشكل رسمى ما يقرب من 62 ألف صيدلية على مستوى الجمهورية، إضافة إلى 1140 مخزن أدوية، فيما لا يتعدى عدد المفتشين الصيدلانيين 1500 مفتش، وهذا يُصعب المهمة عليهم ويزيد من سهولة الأمر بالنسبة للصيادلة المخالفين.

لا تتوقف أزمة التفتيش على الصيدليات ومخازن الأدوية عند نقص عدد المفتشين فقط، لكنها تتجاوز ذلك أحياناً بسبب تعرّض المفتشين لمضايقات من قبَل الصيدلى تصل إلى حد التهديد بالسلاح، وهى الواقعة التى ارتكبها مؤخراً طبيب صيدلى بمدينة دسوق بكفر الشيخ.

وبعيداً عن الصيادلة الذين يقومون بدور «الديلر»، أو الذين يقومون ببيع الأدوية غير الصالحة للاستخدام، أو المغشوشة، أو يعتدون على المفتشين الصيادلة أثناء تأدية واجبهم، هناك أيضاً من يلعب دور المهرّب، وهى الواقعة التى كشفتها إدارة تأمين الركاب بمطار القاهرة الدولى، حيث تمكنت من إحباط محاولة تهريب 350 قرص «ترامادول» و«تامول» مخدر مع صيدلى مسافر إلى جدة.

بعض الصيادلة اتّخذوا من صيدلياتهم مركزاً لبيع المنشطات الجنسية المهرّبة، التى لم تخضع لأى تحاليل معملية تؤكد صلاحيتها وعدم تسبّبها فى أضرار صحية لمن يستخدمها، وهذا ما كشفه الكثير من الزيارات الأمنية المفاجئة، إحداها حين قامت قوة من المباحث بمديرية أمن القاهرة بضبط مالك صيدلية «شهيرة» لاتجاره فى الأدوية والمنشطات المهرّبة جمركياً.