ما زال «الحشاشين» التريند. التريند فى الفكرة وراء الأحداث، لا فى الأحداث نفسها، رغم روعة الإخراج وامتياز المنتج.
وراء فكرة الحشاشين أزمة. واحدة من أكبر معضلات التاريخ الإسلامى. المعضلة فى فكرة احتكار الدين وادّعاء الخلافة أو ادّعاء العمل لإحياء الخلافة.
احتكار الدين أو ادعاء الخلافة كانا أصل الشرور فى التاريخ الإسلامى.
الخلافة الإسلامية سياسة ليست ديناً. لم ينص القرآن الكريم على تلك الفكرة ولا أوجبها الشرع، لكن الصراعات الدنيوية وسعى كل طائفة وفرقة وعرق إلى الريادة والزعامة والملك هى التى رسخت الفكرة فاعتقد بعضهم بمرور الزمن أن الخلافة فرض، وأن الحكم واجب.
لم تكن الأمور هكذا، لكن السياسة عندما تدخل فى الدين، وعندما يدخل الدين فى السياسة تكون النتائج كارثية.
فى عصر أبوبكر سأله أحدهم: أأنت خليفة رسول الله؟ فانزعج أبوبكر ورد سريعاً: إنما أنا الخلف من بعده.
والخليفة فى اللغة غير الخلف. فالخليفة هو من يخلف النبى، صلوات الله وسلامه عليه، فى الزمن وفى الحقوق والواجبات، بينما الخلف هو من يخلفه، صلى الله عليه وسلم، فى التوقيت والظرف الزمنى فقط.
المعنى أن الخلف هو من يأتى بعد رسول الله، وليس له مما كان لرسول الله من سمع وطاعة، أما الخليفة فهو من يأتى بعده وله السمع والطاعة وله كل ما كان يتمتع به رسول الله من حقوق فوق دنيوية.
كانت الخلافة الأموية أمور دنيا لا دين، ولما جاء العباسيون كانوا هم الآخرون أهل دنيا، طلبوا الحكومة ووصلوا إلى الحكم اعتماداً على أنهم عصبات النبى، صلوات الله وسلامه عليه، مع أنه، صلى الله عليه وسلم، لا أقر قريباً ولا بعيداً ليخلفه.
وهو صلى الله عليه وسلم لم يضع أفضلية لأقاربه أو عصبته.. وهو لم يترك قولاً يشير إلى أن أقاربه هم الأولى بحكم المسلمين.
كل الخلفاء منذ الأمويين إلى العثمانيين كانوا ساسة.. طلبوا الحكم فاحتكروا شئون الدنيا بوصفهم مختارين من الله، ولم يكن هذا صحيحاً.
تواترت فكرة احتكار الدين من زمن الأمويين وصولاً إلى الحشاشين.. وصولاً إلى جماعات التكفير والهجرة انتهاءً إلى الإخوان.. أضف إليهم كل من كفّروا المجتمع وخرجوا عنه وعليه وقالوا إن خروجهم من عند الله وما هو من عند الله.
فى عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، كان المجتمع المسلم يقوده الوحى فى أمور الدين، أما فى أمور الدنيا فكان النبى صلوات الله وسلامه نفسه يتركها ليتدبرها أصحابه حسب الظرف والعرف والمعروف.
فى المدينة سألوه عن تأبير النخل انتظاراً لآية من القرآن، فقال، صلى الله عليه وسلم، إن المسلمين أعلم بشئون دنياهم.
بعد موت النبى انقطع الوحى فبات المسلمون أدرى بشئون دنياهم، وما لم يرد فيه نص فإن أساس الحكم يكون فيه للاجتهاد.
ولما تواترت الأزمان نهض بعضهم طلباً للسياسة باستخدام الدين، وظهر بعضهم طلباً للدنيا باستغلال اسم الله. فكان حسن الصباح وكان حسن البنا أيضاً.
حدث أن سأل عمر بن الخطاب، ابن عباس: فيمَ يختلف المسلمون بعدنا؟
قال عمر: إن كتابنا واحد وربنا واحد ونبينا واحد.. فعلامَ يختلف من يأتى فى ما بعد؟
فقال ابن عباس: سوف يأتى من بعدنا أقوام يقرأون كتاب الله ولا يعرفون فى ما نزل.. فيؤلونه.. ثم يختلفون فى ما أولوا.. ثم يقتتلون فى ما اختلفوا فيه.
وقد حدث، فجاء الحشاشون، وجاء السبئية والكيسانية، وجاء فى التاريخ الإسلامى المقنع الخرسانى، ثم جاء الإخوان.. فقتلوا على الرأى.. واحتكروا الدين.. أولوا على الكيف وعلى الهوى رغبة فى الحكم والنفوذ.
يقتل التطرّف على الهوية.. ويقتل على اللون وعلى المذهب.
يخرج التطرف من عباءة احتكار الدين أو محاولة احتكاره. لم ينزل الله الإسلام حكراً على أحد.. ولا ملكاً لأحد. أنزل الله الإسلام ديناً للعالمين.. فمن شاء أن يؤمن ومن شاء أن يكفر.
كل امرئ بما كسب رهين.. وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه.
قال الحشاشون إنهم أبناء الله وأحباؤه. وقال الإخوان بعدهم الكلام نفسه. لم يتخذوا على الله عهداً. لكنهم قتلوا وغلوا وأوغلوا وتوغلوا وبقروا بطون الشعوب، ونثروا ثرايا الدين على تراب الأرض وقالوا إنهم يبتغون مرضاة الله.
وكانوا كذابين.. ومخادعين.