فى تاريخ مصر الحديث نماذج رائعة لسيدات مصريات فضليات قدمن صورة مضيئة للمرأة المصرية تعكس عمق الحضارة والثقافة المصرية الأصيلة، واستنارة نسائها واتساع أفقهن، وكيف تحلين بالعلم والثقافة الرفيعة والشجاعة والإيمان بالدور المهم للمرأة فى المجتمع. مثل هذه النماذج زخر بها تاريخنا منذ السنوات الأولى للقرن العشرين وامتد حتى يومنا هذا، ولعل مثل هذه النماذج هو ما أوصل المرأة المصرية لما تتمتع به الآن من مكانة متميزة لا يعكرها سوى بعض العادات والتقاليد البالية التى تقيد تقدمها وتؤثر على دورها المهم فى بناء المجتمع.
الدكتورة مايا مرسى، رئيس المجلس القومى للمرأة، واحدة من هؤلاء السيدات، وعلى مدى عدة سنوات وأنا أتابع جهودها وأنشطتها فى مجال المرأة، وهى تتميز بأن جهودها لا تقتصر على المدن الكبرى فقط، لكنها تنسحب إلى الريف والصعيد، ومن المرأة المتعلمة إلى من لم يكن لها حظ فى التعليم، ومن المرأة العاملة إلى من لا تعمل، وكلها لدعم وتمكين المرأة المصرية، بين حملات وتوعية ومساعدات وورش عمل وتثقيف وتدريب، وقد امتد نشاط دكتورة مايا إلى شرائح عديدة من المجتمع وإلى الإعلام وحتى الدراما السينمائية والتليفزيونية أصبح المجلس القومى للمرأة له دور إيجابى فى الحفاظ على صورة المرأة وعلى عرض قضاياها المتراكمة والمستحدثة، إضافة للاهتمام الكبير بالموقع الرسمى للمجلس القومى للمرأة ما سهل التواصل بينه وبين الكثير من السيدات على مستوى مصر كلها.
لقد عرفت عن قرب بعض الحالات التى تعرضت لمشكلات أسرية معقدة، لجأت إلى المجلس القومى للمرأة واستطاع بآلية منظمة مساعدة هؤلاء السيدات فى تجاوز محنتهن، وكيف تطور هذا المجلس فى سنواته الأخيرة على يد هذه السيدة الواعية المثقفة المدركة لدور المرأة وأهميته. ولعل تاريخها الوظيفى الذى سبق توليها لهذا المنصب كان مؤهلاً للدور الذى تقوم به الآن، كمنسق لمشروع صندوق الأمم المتحدة الإنمائى للمرأة، ثم مدير للبرنامج القطرى لصندوق الأمم المتحدة الإنمائى، ثم قائدة إقليمية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى فى المنطقة العربية، كما أنها تجيد ببراعة عرض أفكارها الشجاعة فى لغة رفيعة تعكس ثقافتها.
منذ عدة أسابيع شاركت الدكتورة مايا مرسى فى الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولى للمرأة فى الإسلام، بعنوان «المكانة والتمكين»، كرئيس للدورة الثامنة للمؤتمر، الذى تنظمه منظمة التعاون الإسلامى بجدة، بحضور ممثلين عن ٥٧ دولة إسلامية، وفى كلمتها الواعية قالت دكتورة مايا: «لقد ظلمت العادات والتقاليد الموروثة المرأة كثيراً باسم الدين وهو منها براء، وهذا ما أوضحه الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية بأن المرأة لها أن تتقلد كافة الوظائف بما فيها القضاء والإفتاء، وأن العنف ضد المرأة حرام شرعاً، وزواج القاصرات ضرر لا يقره شرع ويمنعه القانون، والإجبار على الزواج مرفوض شرعاً وقانوناً، والحرمان من الميراث عدوان على حدود الله، وأن للمرأة حقاً فى الحصول على نصيب ثروة زوجها إذا أسهمت فى تنميتها».
ثم فى شجاعة واعية تشير دكتورة مايا إلى تزامن احتفال العالم هذا العام بمرور خمسة وسبعين عاماً على إقرار الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، الذى يصادف أيضاً مرور نفس السنوات على كفاح الشعب الفلسطينى ومعاناته مع الاحتلال، وتساءلت عن كيفية احتفال العالم بحقوق الإنسان فى وقت يعانى فيه شعب كامل من انتهاك حقوق الإنسان؟ وتستعرض دكتورة مايا معاناة المرأة الفلسطينية التى تنحصر اختياراتها بين الموت واستشهاد فلذات أكبادها، وبين التهجير القسرى فى ظل بيوت سُويت بالأرض وقصف المستشفيات والمدارس والمخابز وانهيار النظام الصحى وانقطاع الاتصالات، وتقول: صرخات الأمهات لا يسمعها القانون الدولى الإنسانى، ولم يعد الموت هو أصعب ما يُفجع الأمهات فى قطاع غزة فقد بتن محاصرات بين فقدان جثامين أطفالهن تحت الأنقاض! أى ألم وأى معاناة تلك التى نراها فتلك جثامين فى بيوتها تنتظر التشييع أو أحياء تحت الأنقاض.
لقد أفاضت دكتورة مايا فى كلمتها، لكنها عبرت بقوة وشجاعة عن الضمير الإنسانى الذى لا يقبل ولا يتحمل ما يراه ليلاً ونهاراً من انتهاكات وجرائم وحشية توجع القلوب والضمائر. تحيةً لرئيسة المجلس القومى للمرأة التى عبرت بوعى وحكمة فى مؤتمر دولى كبير عن ملايين من نساء العرب بل والعالم، وكانت خير سفيرة للمرأة المصرية والعربية.