"الحرس الثوري".. نقاط القوة ومواطن الضعف
"الحرس الثوري".. نقاط القوة ومواطن الضعف
روحاني
هو كيان يمزج بين عمل أجهزة المخابرات والقوات المسلحة والميليشيات التى تتحرك بحرية على الأرض، إلا أن قلة الدراسات الجادة المتاحة عنه، مضافاً إليها مبالغات الغرب، ودعايته هو نفسه لحجم قوته وخطورته، قد جعلت من الحرس الثورى الإيرانى منطقة غامضة، شائكة، لا نعرف فيها شيئاً عن رجاله، كيف يفكرون؟ ما الاستراتيجية التى يتحركون بها؟ كيف يخططون لحماية مصالحهم وضرب مصالح غيرهم على الأرض؟ ما مدى قوتهم؟ والأهم ما نقاط ضعفهم؟ كانت تلك الأسلئة هى محور دراسة صدرت عن كلية الحرب الأمريكية حملت عنوان: «نقاط ضعف يمكن استغلالها لدى الحرس الثورى الإيرانى».تواصل الدراسة: «لكن، ما لا ينتبه إليه كثيرون هو أن الحرس الثورى، فى إطار اكتسابه لذلك النفوذ الواسع على الدوائر العسكرية داخل إيران، قد أصبحت لديه نقاط ضعف عديدة، يمتد بعضها ليشمل عقيدته الخاصة بالأساليب غير التقليدية للقتال. أهم هذه النقاط تكمن فى استقلاليته عن وزارة الدفاع الإيرانية وعدم خضوعه لدستور أو قانون يحكمه، إضافة إلى أنه هو الذى يحدد لنفسه أين تقف حدود سلطته. كل هذه التحركات تضع الحرس الثورى الإيرانى على أرضية هشة. ولم تتردد قوى المعارضة الإيرانية فى أن تعلن صراحة وعالياً أن الحرس الثورى قد تجاوز حدود سلطته إلى الحد الذى أصبح يتصرف فيه على أنه كيان عسكرى فوق القوات المسلحة وفوق القانون». ويقول «محسن سازجارة»، أحد مؤسسى الحرس الثورى والذى أصبح الآن معارضاً سياسياً: «لا أعرف أى منظمة أخرى فى أى دولة تعمل مثل الحرس الثورى. إنه كيان أقرب إلى الحزب الشيوعى، والمخابرات الروسية، وبيزنس ومافيا، كل ذلك فى آن واحد».وتضيف الدراسة: «نقطة الضعف الثانية تكمن فى الانقسام الواقع بين قوات الحرس الثورى والقوات البرية العسكرية الإيرانية. هذا الازدواج فى طبيعة المهام، أو بمعنى أدق وجود كيان موازٍ مثل الحرس الثورى يقوم بالمهام التى يفترض من القوات البرية القيام بها، يجعل هناك نوعاً من غياب الوحدة فى القيادة، ويروج لحدوث نوع من الانشقاق بين الجانبين. لقد جاء تصعيد الحرس الثورى على حساب القوات البرية الإيرانية وأيضاً على حساب باقى أجهزة الأمن الداخلى ودعم سيادة القانون، حيث حظى الحرس الثورى وحده بنصيب الأسد من الموارد المتاحة والسلطة والاهتمام السياسى. فظهرت أول بوادر الانشقاق بين أجهزة الأمن الإيرانية المختلفة فى غياب التنسيق بينها، خاصة أن الحرس الثورى يروج لنفسه دائماً على أنه «منقذ» الجمهورية مستنداً على أدائه القتالى خلال حرب العراق مع إيران. الأمر الذى يشير ضمنياً إلى أن القوات البرية والبحرية الإيرانية قد خذلت الجمهورية، واستوجب التدخل «البطولى» للحرس الثورى وقوات الباسيج بتضحياتهم واستشهادهم من أجل حماية الثورة».وتتابع الدراسة: «لكن الوجه الآخر لهذه الرواية يقول إن الحرس الثورى قد تعمد وضع نفسه فى واجهة هذه المعركة من أجل تأمين صعوده داخل إيران فى مرحلة ما بعد الصراع. كما أن العديد من المحللين العسكريين فى قلب إيران وخارجها يرون أن أساليب الحرس الثورى التى تسببت فى خسائر بشرية فادحة قد أدت إلى إطالة أمد الصراع ليصبح ذا تكلفة فادحة فى الأرواح والممتلكات. إن الحرس الثورى يروى دوره فى الحرب الإيرانية العراقية من وجهة نظره، إلا أن هذا الوصف لا يمكنه أن يصمد أمام الوقائع التى تكشف حقيقة دوافعه وأدائه. وما زال هناك العديد من المدنيين والعسكريين الأحياء الذين يذكرون جيداً حقيقة ما فعله الحرس الثورى فى تلك الحرب، والتى يمكن أن تمثل نقطة ضعف خطيرة فيه، خاصة أنه يستند تاريخياً على أدائه فى هذه الحرب لتبرير كل تصرفاته الحالية».وتواصل الدراسة: «أيضاً، فإن السياسة الدفاعية التى وضع الجنرال «جعفرى» أسسها، والقائمة على توزيع القيادة والوحدات القتالية للحرس الثورى وقوات الباسيج فى طول إيران وعرضها، وعمقها، تفترض من الناحية النظرية، قدرتها على الحشد السريع والفورى لكل قوات الباسيج التى يصل عددها إلى مليون مقاتل. إلا أن الواقع أن هذه الشبكة الممتدة من المقاتلين لها دور محورى فى نشر شبكة الحرس الثورى لمراقبة الأوضاع الداخلية عبر المقاطعات الإيرانية المختلفة، فى الوقت الذى يعانى فيه الباسيج من كونه مجرد احتياطى يضم أفراداً تلقوا تدريبات ضعيفة، ولا يملكون المعدات اللازمة، وليس من المؤكد إمكانية الاعتماد عليهم».وتتابع: «كذلك فإن أسلوب تجنيد مقاتلى الباسيج بناء على المقاطعات التى ينتمون إليها يمثل نقطة ضعف أخرى بالنسبة للحرس الثورى، فهناك نوع من تضارب المصالح بين أفراد الباسيج وقياداته، خاصة أن الأفراد لديهم انتماءات وولاءات قبلية وطائفية ومحلية متنوعة، وخلال أحداث الشغب التى وقعت فى منطقة «قزوين» عام ١٩٩٤، أظهرت الوحدات القتالية المحلية فى الباسيج والحرس الثورى أن لديها صراعاً فيمن تدين له بالولاء، عندما رفض أفرادها فتح النار على المتظاهرين غير المسلحين. واقتضى ذلك الأمر وقتها أن يقوم الحرس الثورى باستدعاء قوات من الباسيج من المقاطعات الأخرى لمواجهة أحداث الشغب».وتضيف الدراسة: «الملاحظ أيضاً أن هناك قطاعاً من الباسيج لا يمكن تحديد حجمه على وجه الدقة لكنه يشكل نسبة لا يستهان بها، قد انضم للباسيج من أجل المكاسب الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية التى يحظى بها من خلال انضمامه، أكثر من إيمانه أو اعتقاده بأهمية الشهادة لصالح معتقداته الفكرية. يتيح ذلك الفرصة لشق الصف بين قوات الباسيج والحرس الثورى من خلال الكشف عن أن «الشهادة» التى تستند عليها السياسة الدفاعية الإيرانية هى أمر ينطبق فى الأساس وفى الأغلب على أفراد الباسيج، وليس على أصحاب المراكز والقوة فى الحرس الثورى».وتواصل: إن أفراد الباسيج الذى ينضمون إليه حالياً منذ ٢٠١١، ليسوا مثل أقرانهم الذين كانوا ينضمون للحرس الثورى فى الثمانينات، ولا يتمتعون بنفس الحماس الفكرى والأيديولوجى الذى كان يتمتع به سابقوهم الذين خاضوا حرباً ضد العراق من أجل حماية الثورة الإسلامية وتحت راية قائدها آية الله على الخمينى، عندما كانت قلوبهم وعقولهم تفور بنشوة الإطاحة بالشاه. وهم لا ينتبهون على الأغلب إلى أن دورهم فى قمع المعارضة فى داخل إيران يأتى تنفيذاً لسياسات الجنرال «جعفرى» التى تركز على منع اندلاع «ثورة مخملية» من داخل إيران، قد أدت لأن تكون هناك نقطة ضعف خطيرة أخرى فى صفوف الحرس الثورى. وظهر ذلك واضحاً خلال الاحتجاجات التى أعقبت الانتخابات الرئاسية فى ٢٠٠٩، والتى أدت لانقسامات بين صفوف الحرس الثورى، وانشق عنه مثلاً الجنرال «محمد رضا مهدى» الذى كان يرأس وحدة التحقيقات التابعة للحرس الثورى لحماية النظام، وأصبح الآن معارضاً سياسياً خارج الحدود الإيرانية. يقول الجنرال «مهدى» إن حالياً أكثر من ثلث قوات الحرس الثورى قد أصبحت ضد النظام الحاكم فى إيران.وتضيف الدراسة الأمريكية: «هناك أيضاً محمد حسين تركمان، الذى كان مسئولاً عن الإجراءات الأمنية اللوجيستية الخاصة بالقائد الأعلى والرئيس الإيرانى خلال انتخابات ٢٠٠٩، وبعد أن شهد أساليب الحرس الثورى فى قمع المعارضة الداخلية قرر الانشقاق، يقول: بعد انتخابات ٢٠٠٩، قرر القائد الأعلى للثورة والرئيس جلب مرتزقة أجانب لحمايتهم لأنهم لم يكونوا واثقين من قواتهم الأمنية الخاصة. كانت القوات التى اختاروها لإطلاق النار على الناس، من أفراد «فيلق القدس»، أغلبهم من الفلسطينيين واللبنانيين وهم لا يتحدثون الفارسية حتى. كان هؤلاء هم الذين تم منحهم الإذن بفتح النار على الناس».وتصل الدراسة الأمريكية إلى أن الحرس الثورى يقدم نفسه ظاهرياً على أنه كيان وقوة متماسكة متجانسة من الناحية الفكرية والعقائدية والسياسية، إلا أن أساليبهم فى قمع المعارضة الداخلية الإيرانية تكشف عن وجود انشقاقات بينهم، بعضها ظاهر وبعضها كامن تحت السطح، خاصة لو أضيف إليها الولاءات المتصارعة لأفراد الحرس الثورى، وشكوك كثيرين منهم حول مدى ولاء الحرس نفسه حالياً للأهداف التى قام عليها من الأساس.