تحركت الحكومة عند وقوع الانفجار أمام القنصلية الإيطالية لتفقد آثار الحادث الأليم، وسارعت بإرسال رسائل طمأنة للبعثات الدبلوماسية بأن سفاراتها فى أمان وأنها ستزيد من حجم التأمين لها. بالطبع شىء عظيم، ولكن الحكومة لم تفعل ذات الشىء مع أهالى بولاق أبوالعلا المجاورين لمبنى القنصلية الذين أصابتهم آثار التدمير فتهدمت منازل كانت آيلة بالفعل للسقوط منذ شهور والحكومة تعلم ومنحت السكان أرقاماً كدليل على أحقيتهم فى مساكن بديلة ولكنها لم تفعل لأسباب غير معلومة.
يقول المثل «من جاور السعيد يسعد»، والحمد لله أن طال السعد أهالى جالية بولاق أبوالعلا بمجاورتهم للقنصلية الإيطالية التى اهتم بها الكبير قبل الصغير فى الدولة، فعرج على حى بولاق المتضرر مسئول الحى ومعه بعض الموظفين لمعاينة المنازل المتضررة أيضاً، وتحديد عدد الأسر التى باتت فى العراء لنقلها إلى شقق جديدة. وخيرهم المسئول بين ثلاثة خيارات لا رابع لها، إما أن يحصلوا على تعويض قيمته 10 آلاف جنيه عن كل غرفة فى المنزل. ولو بأقصى تقدير كان عدد الغرف أربع فى كل شقة فهذا يعنى أن كل أسرة ستحصل على 40 ألف جنيه! وهو مبلغ لا يشترى مدفناً من مدافن الحكومة الجديدة وليس شقة. أما الخيار الثانى فهو الانتقال إلى مساكن حكومية على طريق الواحات بشكل دائم. بينما الخيار الأخير أمامهم الانتقال إلى تلك المساكن بشكل مؤقت لحين ميسرة! تخيلوا معى أهالى تلك المنطقة الذين يعمل معظمهم فى مناطق وسط القاهرة -بدخول ليست عالية بالطبع- حينما يطلب منهم الرحيل إلى منطقة نائية على حدود مدينة السادس من أكتوبر وما سيتحملونه من مشقة ومصاريف قد تفوق دخولهم. وتقريباً لوجهات النظر اقترح الأهالى على مسئول الحى نقلهم إلى شقق بجوار مطار إمبابة. وهو شىء منطقى طالما أنها منازل بلا سكان. فكان رد مسئول الحى عليهم بأنه أمر غير قابل للتحقيق لأن مساكن مطار إمبابة تخضع لمحافظة الجيزة بينما هو تابع لمحافظة القاهرة! هذا على أساس أن مساكن أول طريق الواحات امتداد لمحافظة القاهرة لا الجيزة أيضاً؟!
وبعيداً عن الاستخفاف بعقول البشر وعدم تقدير نكبتهم التى تعلم بها الحكومة منذ شهور بدليل ما معهم من أرقام انتظار الفرج الحكومى، تطل التساؤلات الكئيبة برأسها فى الموضوع بمنطق ألا يمكن معاملة أهالى بولاق بنفس ذات المنطق الذى نتعامل به مع الجاليات الأجنبية؟ تخيلوا معى لو أصيب فى هذا الحادث لا قدر الله إيطاليون، كيف كانت ستتصرف الحكومة ومحافظة القاهرة معهم؟ ثم بمنطق أننا طمأنا البعثات الدبلوماسية، ألا تستحق جالية بولاق أبوالعلا هى الأخرى أن نطمئنها على مستقبلها وسترها عن عيون المتربصين فى الشارع؟
أعلم أن تلك المنطقة وما يحيط بها مرصودة منذ سنوات بعيدة من قبل رجال أعمال وشركات مقاولات مصريين وعرب فيما يعرف بمثلث ماسبيرو. ولكن أعلم أن السكان هم أصحاب الأرض ومن حقهم السكن والعيش والعمل بكرامة، وبخاصة أنهم الشعب الداعم للدولة المتحمل لكل نتائج قراراتها. والناس لم تطلب معاملة الجاليات ولكنهم طلبوا معاملة المواطنين المحليين بنقلهم فقط إلى مساكن مطار إمبابة. فهل يستمع لهم رئيس الوزراء بدلاً من تفاقم مشكلتهم، لأنهم قرروا البقاء فى الشارع إن أصرت الحكومة على إرسالهم لمساكن الواحات؟