لك الله يا مصر، فمنذ فترة وجيزة من عمر الزمن دخل إلى معترك السياسة والكتابة عدد من لاعبى السيرك القومى، وقد ظهر بعض هؤلاء فى الفترات السابقة مباشرة أو التالية مباشرة لثورة يناير، بعض هؤلاء كان يجيد الحديث والتنظير والتنجيم والتحليل والتحريم، وبعضهم كانت لكنته أمريكية الهوى، يضع الكثير من المصطلحات الكثيرة فى حديثه، وحين ينتهى من كلامه يتضح لك أنه لم يقل شيئاً، واحد من هؤلاء اسمه سيف عبدالفتاح، دكتور جامعى فى العلوم السياسية، جمعنى معه لقاء تليفزيونى أيام رئاسة الإرهابى الخائن محمد مرسى، فأخذ يسخر فى الفاصل، لا فى الحلقة نفسها، من محمد مرسى وضعفه وهوانه على الإخوان، وقال لى فى وجود مذيعين إنه جلس مع مرسى فى وجود نخبة من السياسيين فى قصر الاتحادية لمدة ست ساعات، ثم أردف ساخراً: «وفى هذا الاجتماع تحدث مرسى مع الشاطر تليفونياً سبع ساعات! ليأخذ رأيه فى كل ما كان يقال!». وبعد أن انتهى الفاصل، وفى الحلقة نفسها وأثناء حديثى، أردت أن يكون كلامه علنياً فقلت على الهواء ما نقله لى فى الفاصل، وكان وقتئذ ينظر إلىّ وهو يتحرّق من الغيظ ويتلمّظ من الغضب ولكنه لم يستطع بالطبع تكذيبى، وبعد فض رابعة أصبح هذا الرجل واحداً من رموز الإخوان غير المخفيين، ينفث غله وحقده على المجتمع الذى أسقط سيده محمد مرسى.
واحد غيره من أساتذة العلوم السياسية من خريجى ميتشجان اسمه معتز بالله عبدالفتاح، قابلنى فى أحد الفنادق مصادفة بعد فض اعتصام رابعة بيومين، وكان معنا فى اللقاء قامة سياسية كبيرة، فقلت له: أنا لا أحب طريقتك، فنحن أمام لحظات فارقة فى تاريخ مصر ولكننى لا أجد فى مواقفك انحيازاً لمصر، وكأنك حكم تحكم مباراة كرة قدم وتحرص على أن تبدو أمام المشاهدين حكماً محايداً، نحن يا دكتور فى مباراة أحد طرفيها مصر والطرف الآخر هو الإرهاب، فكيف تكون محايداً؟! فقال لى: الحقيقة أنا معتز جداً بمواقفى وأنا لا أستطيع أن أكون إلا حكماً!
واحد ثالث اسمه حمزاوى من عينة دكاترة العلوم السياسية الأمريكية جمعنى معه لقاء تليفزيونى مع الإعلامى الكبير عماد أديب، وكان معنا فى اللقاء الرجل الوطنى اللواء سامح سيف اليزل، وكان حمزاوى يزعم أن ما حدث فى مصر فى الثلاثين من يونيو ليس ثورة وأن تغيير مرسى تم بطريقة غير ديمقراطية، إذ كان يجب أن يتم التغيير عبر الصندوق، فهرشت فى رأسى ثم قلت للإعلامى عماد أديب: أود أن أسأل الدكتور حمزاوى سؤالاً باعتباره أحد المتخصصين فى العلوم السياسية، فأشار أديب بيده علامة السماح، فقلت لحمزاوى: هل الصندوق فى الديمقراطية هو الوسيلة الوحيدة للتعبير عن إرادة الشعب، أم أن هناك طرقاً أخرى؟! وهل الصندوق وسيلة أم غاية؟ فقال باقتضاب: طبعاً توجد وسائل أخرى والصندوق وسيلة لا غاية، فناقض الرجل الأمريكى اللكنة نفسه، والحقيقة أنه لم يناقض نفسه فقط ولكنه كان يناقض مصر كلها.
إلا أن هناك بعض الأمور التى أدخلتنى فى حيرة ضبابية، فعندما دخلت مؤخراً إلى ملف صناعة الحديد فى مصر والفساد الذى يعتريه، وجدت أن الذى انبرى مدافعاً عن بعض رجال الحديد كاتب سيناريست أقدّره وأحترمه، وقد استغرب الرجل أن رجلاً يعمل فى السياسة والكتابة والقانون مثلى يهتم بالحديد والقرارات الخاصة به من فرض رسوم حماية أو وضع قواعد مريبة للاستيراد، وكان أن استغربت أنا بدورى من أن الرجل الذى يستغرب دخولى فى ملف الحديد بزعم أننى غير متخصص، وهو زعم غير صحيح، هو بدوره غير متخصص ومع ذلك أخذ يضع الأرقام والبيانات غير الصحيحة، ثم عندما دخلت أكثر فى ملف الحديد وكتبت عن شخص إخوانى أعرفه وأعرف إخوانيته منذ أمد طويل إذا بالذى ينبرى للدفاع عنه هو الدكتور معتز بالله عبدالفتاح، مع أننى كتبت مثلاً عن السيدة الإخوانية ألفت كامل رئيسة الشبكة الثقافية فى الإذاعة ولكنها لم تجد «معتزاً» يدافع عنها، وكتبت من قبل عن سيرة ومسيرة محمد محسوب وعلاقته بالإخوان فلم ينبر معتز السياسى للدفاع عنه أو الاستغراب من صلته بالإخوان، وكتبت عن اللواء حامد عبدالله وصلته بالإخوان ولكن غاب عنه قلم الدكتور معتز، وكتبت عن صلة مريبة قامت بين الإخوان وحبيب العادلى ولكن يبدو أن الدكتور معتز لم يقرأ سطور هذا الاتهام فى المقال! فقط رجل الصناعة الكبير المليونير هو الذى حرك قلم وقلب معتز عبدالفتاح، غضب معتز من وصفى لهذا المليونير جمال الجارحى بأنه إخوانى حتى النخاع، وتعجب كيف يكون إخوانياً وتشارك مع رفيق الضو عام 2006 ليخفى إخوانيته، وهل كنت تريده يا دكتور العلوم السياسية أن يخفى إخوانيته أيام حكم مرسى! إنها والله لإحدى الكبَر.
لن أخوض الآن فى المليونير جمال الجارحى ملك الحديد الإخوانى وملفه المتخم، ولكننى فقط أود الإشارة إلى أن الإخوان صنعوا تنظيماً. نعم، هل يمارى فى ذلك أحد؟! ومع شبكة التنظيم هذه صنعوا شبكة أخرى اسمها «شبكة المصالح» ولا أستثنى منكم أحداً، فكلكم يا رجال السياسة وقع فى هذه الشبكة، قليل منكم خرج منها سريعاً وقام من غفلته وتطهر وأصبح رمزاً من رموز مقاومة هذا التنظيم الإرهابى الدموى، والبعض الآخر لا يزال قابعاً فى شبكة المصالح، والذى أردت أن أقوله إنه ليس من الضرورة أن يكون الشخص إخوانياً من الناحية التنظيمية، ولكنه قد يكون إخوانياً من الناحية المصلحية، وخذ عندك يا دكتور معتز، عبر متابعتى لك كنت أتعجب من مواقفك، وقد تحدثت معك صراحة فى هذا، وأنت رجل العلوم السياسية لا شك فى ذلك، وقد كنتُ أقف عند كل موقف من مواقفك لأحلل ما الذى يحدث لك وبك ومنك، وأنا أعلم علم اليقين أنك لست من الإخوان تنظيمياً أبداً.
ولكن فى صفحته فى الفيس بوك عاب معتز عبدالفتاح على جبهة الإنقاذ أنها قررت عدم خوض انتخابات البرلمان، وقال جنابه إن الانتخابات البرلمانية التى ستجرى فى عهد مرسى ستكون أنزه انتخابات فى تاريخ مصر! وعلامة التعجب من عندى.
وفى تدوينة له على تويتر قال الدكتور معتز بالله عبدالفتاح عن دستور الإخوان إنه «لو خرج دستور من الجمعية التأسيسية، فسوف يكون دستوراً توافقياً، وسيكون أفضل من كل ما كان لدينا فى تاريخنا»!
ثم قال فى ذات التدوينة: «لدينا نزعة لتفتيت المفتت وتركيب المركب وتعريف المعرف ثم إعادة تعريفه قبل تفتيته مرة أخرى»!.
ثم نفى معتز أن الجمعية التأسيسية للدستور الإخوانى سيطر عليها فصيل واحد! عفواً فقد نسيت أن أذكر لكم أن معتز عبدالفتاح كان عضواً فى تأسيسية الدستور.
وفى تغريدة له عبر حسابه فى موقع تويتر بعد ثورة يونيو مباشرة تلك الثورة التى قال فيها الشعب كلمته، قال الدكتور معتز بالله عبدالفتاح: «أدعو الرئيس المؤقت عدلى منصور إلى إعلان استفتاء سريع وخلال أيام على استمرار الدكتور مرسى أو رحيله عن السلطة»!
هذا قليل من كثير، ولكن ما كتبته سلفاً أثار شجونى وحرّك مواجعى، كما أنه يدفعنى دفعاً إلى أن أسأل السادة كبار الكتّاب فى مصر: ممكن آخذ منكم رقم الهاتف المحمول لجمال الجارحى إذا عنَّ لى أن أدافع عنه؟!