ولما كانت ليلة السابع من أكتوبر عام ٢٠٢٣ بدأت شهرزاد فى مسلسل سنوى جديد لم يتوقعه أحد من المنطقة العربية ولا الدول المحيطة بل والعالم كله، فقد اعتدنا أن نسمع حكاية كل يوم بعد أذان المغرب وبعد أن نتناول الإفطار ونصلى وندعو الله أن يحفظ أبناءنا وأحبتنا وبلادنا وأرضنا، ولم يخطر فى بال أى منا أنه سيأتى علينا ليلة من ليالى رمضان وصلاة التراويح والفجر ننسى فيها كل من اعتدنا أن ندعو لهم، وتتلخص دعواتنا فى أن نطعم أطفال الفلسطينيين ونضمد جراحهم ونقيهم البرد وقسوته ونحتضنهم لنواسيهم فى يُتم مبكر لم تعرفه الإنسانية منذ عهد الجاهلية والحروب التى أصبحنا نلقبها بسنوات بدئها من كثرتها وكأنها سلسلة من حكايات ألف ليلة وليلة التى ننتظر نهايتها التى لا تجىء.
ذكرتنى هذه الليلة بأحداث درامية سمعناها وشاهدناها بعد أن قرأناها فى ذلك الكتاب المدهش المثير الذى تضمن مجموعة من القصص التى وردت فى غرب وجنوب آسيا، بالإضافة إلى الحكايات الشعبية التى جمعت وترجمت إلى العربية، تلك القصص التى جمعت على مدى قرون من قبل مؤلفين ومترجمين وباحثين من غرب ووسط وجنوب آسيا وشمال أفريقيا والتى تعود إلى القرون القديمة والوسطى لكل من الحضارات الغربية والفارسية والهندية والمصرية وبلاد الرافدين.
وإذا كانت هذه الحكايات كانت فى الأساس قصصاً شعبية تم استخلاصها من العمل البهلوى الفارسى (ألف خرافة) فإن ما نعيشه الآن ومنذ ليلة ٧ أكتوبر هو الأقرب للخرافات بما تحتويه من تجاوزات وأفكار جنونية، بل يمكن القول إن الليالى الفلسطينية التى سيتحدث عنها التاريخ والأدب والفن بجميع فروعه ليذكر مختلف الأجيال بها بدأت مبكراً منذ عقد المؤتمر اليهودى الأمريكى فى ١٨ ديسمبر ١٩١٨ لتعرض الجمعية الصهيونية على المجلس الأعلى للحلفاء إلحاحها بوقوع فلسطين تحت الانتداب البريطانى وأقرت عصبة الأمم فى ١١ سبتمبر ١٩٢٢ الانتداب البريطانى على فلسطين رسمياً وهو ما كان يعنى تولى بريطانيا الحياة الاقتصادية والسياسية فى فلسطين.
وكان قد سبق هذا ليلة من الليالى المأساوية فى الصراع العربى الإسرائيلى عندما عقد مؤتمر فى مدينة بال بسويسرا عام ١٨٩٧ وحدد فيه اليهود الهدف الذى ترمى إليه الحركة الصهيونية ألا وهو السعى لإيجاد وطن قومى لليهود فى فلسطين. وتلاها أيضاً وعد بلفور وزير خارجية إنجلترا عام ١٩١٧ الذى أعلن فيه دعم الحكومة البريطانية لفكرة تأسيس وطن قومى لليهود، وتستمر الليالى وتفشل شهرزاد فى الوصول لحل نهائى ينهى هذه المأساة عندما يعقد مؤتمر لندن عام ١٩٣٩ الذى قررت الحكومة البريطانية أن يجتمع فيه الخصمان العرب واليهود للوصول إلى حل يرتضيه الجانبان إلا أن الجانبين رفضا التفاهم وانفض المؤتمر بلا نتيجة.
وتصدر الحكومة البريطانية بعد هذا الفشل ما سمى بالكتاب الأبيض الذى أعلنت فيه أنه ليس من أهدافها إنشاء دولة يهودية فى فلسطين وأنها تريد إقامة حكومة مستقلة فى فلسطين تضم العرب واليهود وترعى مصالح الجانبين وترتبط بها بمعاهدة على أن يتم إنشاء هذه الحكومة فى غضون عشر سنين.
وقد رفض الجانبان الكتاب وما تضمنه إلا أن هذا الرفض لم تهتم به الحكومة البريطانية وسارت فى نفس سياستها. وبنشوب الحرب العالمية الثانية انتهت مرحلة حاسمة من مراحل إقامة الدولة اليهودية التى عمل لها اليهود ردحاً من الزمن وقد اتسعت هذه المرحلة لتطور الخطة والهدف لليهود. ولم تتوقف الليالى المرعبة عند ذلك الحد والتى شبهت ما تضمنه كتاب ألف ليلة وليلة الحقيقى فى الأحداث التى ضمت قصص جريمة وقتل وسرقة واستيلاء على أملاك الغير وادعاء الشرف والنزاهة ومحاولات أخرى لسرقة الثقافات والتراث والمحاصيل والأطعمة الشهيرة التى تعتبر من علامات الأجيال والمسجلة فى كتب التاريخ بأسماء القرى والمدن التى خرجت منها.
ولعل أسوأ ليلة حكت فيها شهرزاد قصة من قصص الفلسطينيين تلك التى دمرت فيها أحياء كاملة ودفنت تحت أنقاضها عائلات بأجيالها الثلاثة ولم يتبق منهم إلا من أبعده القدر عن المكان، أما ليالى الرعب وحكاياتها فقد تضمنت خروج مئات الشهداء فى جنازة واحدة والبحث عن مقبرة جماعية تضمهم معاً عندما امتلأت المقابر ولم يعد هناك مكان لأحد.
وكما أثرت قصص التراث فى الأدباء والموسيقى والفنون التشكيلية انتشرت صور أطفال ليلة السابع من أكتوبر اليتامى والجوعى والباحثين عن أى طوق للنجاة على الشاشات العالمية والمعارض الفوتوغرافية المقامة فى الجامعات العربية والأجنبية، ولعل أقسى تلك الصور لمن يطاردون المساعدات الغذائية التى تلقى إليهم من الطائرات ويركضون خلفها بحثاً عن كيس الطحين، وصورة الصغيرة التى تبكى جوعاً، والأم التى تودع صغيرها الشهيد والأب الذى يكشف وجه طفلته ويناديها بروح الروح وهو ذاهب إلى المقبرة الجماعية يحتضن جثمانها ويبكى. ولتكمل الليالى بأسوأ القصص نرى الصحفى الفلسطينى الذى يستهدفون أبناءه وأحفاده وزوجته فيصر على العمل والوقوف فى المواجهة ليصبح بطلاً من أبطال ألف ليلة وليلة الفلسطينية.