ستجد فى سطورى هذه دروساً لشيوخ يحاربون الفقه لحساب سلفية مزعومة عرفت من الإسلام قشوره ونسيت جذوره:
- ألم ترَ إلى ابن حجر شارح صحيح البخارى فى كتابه الجليل «فتح البارى...»!! إن الرجل على صدارته فى علوم السنة قوّى حديث الغرانيق وأعطاه إشارة خضراء، فمر بين الناس يفسد الدين والدنيا، والحديث المذكور من وضع الزنادقة.
- وقد صدر تصحيح من الشيخ الألبانى لحديث «لحم البقر داء» وكل متدبر للقرآن الكريم يدرك أن الحديث لا قيمة له، مهما كان سنده!
إن الله تعالى فى موضعين من كتابه أباح لحم البقر وامتن به على الناس فكيف يكون داء؟ كقوله تعالى: «ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين» فأين موضع الداء فى هذه اللحوم المباحة على سواء؟
- عيب بعض الذين يشتغلون بالحديث قصورهم فى تدبر القرآن وفقه أحكامه فلِمَ الغرور مع هذا القصور؟ ولماذا يستكثرون على غيرهم من رجال الفكر الإسلامى الرحب أن يكتشفوا علة هنا أو شذوذاً هناك؟!
- إن التعاون فى ضبط التراث النبوى مطلوب، ومتن الحديث قد يتناول عقائد وعبادات ومعاملات يشتغل بها علماء المعقول والمنقول جميعاً، وقد يتناول الحديث شئون الدعوة والحرب والسلام، فما قيمة حديث صحيح السند عليل المتن؟
- انظر موقف عائشة رضى الله عنها عندما سمعت حديث إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه! لقد أنكرته، وحلفت أن الرسول ما قاله، وقالت بياناً لرفضها إياه «أين منكم قول الله سبحانه «لا تزر وازرة وزر أخرى» إنها ترد ما يخالف القرآن بجرأة وثقة، ومع ذلك فإن هذا الحديث المرفوض من عائشة لا يزال مثبتاً فى الصحاح بل إن «ابن سعد» فى طبقاته الكبرى كرره فى بضعة أسانيد!
- وقال ابن عباس عن ذلك: والله هو أضحك وأبكى يعنى أن بكاء الراحلين طبع لا حرج فيه ولا تثريب عليه وما سلف يعنى أن الخطأ غير مستبعد على راوٍ ولو كان فى جلالة ابن عمر.
(حديث الآحاد يفقد صحته بالشذوذ والعلة القادحة، وإن صح سنده).
- أهل الحديث يجعلون دية المرأة على النصف من دية الرجل، وهذه سوأة فكرية وخلقية رفضها الفقهاء المحققون! فالدية فى القرآن واحدة للرجل والمرأة، والزعم بأن دم المرأة أرخص، وحقها أهون زعم كاذب مخالف لظاهر الكتاب.
- من الخير أن نعلم أن الفرض لا يثبت إلا بدليل قطعى وأن التحريم لا يثبت إلا بدليل قطعى، وأن الأدلة الظنية لها دلالات أقل من ذلك، والذى يدخل ميدان التدين وبضاعته فى الحديث مزجاة كالذى يدخل السوق ومعه نقود مزيفة لا يلومن إلا نفسه إذا أخذته الشرطة مكبل البدين!
- وفى حديث أبى هريرة عند الشيخين وغيرهما واللفظ هنا لمسلم: «كل بنى آدم يمسه الشيطان يوم ولدته أمه إلا مريم وابنها» وقد خيل إلىَّ أن الشيطان قابع تحت الرحم يستقبل الوليد المقبل وهو شديد الحقد، يقول له: إن قصتى مع أبيك الأول لم تنته بعد، وسأحاول إرهاقك كما أرهقته، ثم ينخسه نخسة يصرخ الوليد الساذج منها.
- هناك قضايا لا يجوز فيها التساهل لخـطورتها، وقد شعرت بالغيظ والحرج وأنا أقرأ أن يهودياً وغداً سحر النبى عليه الصلاة والسلام وأعجزه عن مباشرة نسائه مدة قدرها ابن حجر بستة شهور! أكذلك تنال القمم؟ وقد قالوا تبريراً لذلك: كما يستطيع سفيه أن يقذفه بحجر، أو كما يستطيع مجرم أن يصيبه بجرح! وهذا اعتذار مرفوض، فإن السحر تسلط على الإرادة والفكر وهذا مستحيل، لاسيما والوسيلة تسلط أرواح شريرة، أو بعض الجن على الجهاز العصبى للإنسان، فيوقعه فى اضطراب وحيرة، وقد سرنى أن الشيخ محمد عبده رفض هذا الحديث، وساءنى أن الرجل الضخم اتُّهم فى دينه لهذا الموقف المعظم لقدر الرسول!
- والمأساة التى نعانى منها، ونخشى بلاءها على الصحوة الإسلامية تجىء من قبل قوم يسمون أنفسهم «الإخوة أهل الحديث» نلحظ عليهم عيوباً ثلاثة: اكتراثهم بالمرويات الواهية، وبناء العلالى فوقها، ثم سوء فهمهم للصحاح، وتعصبهم لما يفهمون من أخطاء، ثم عجزهم عن إدراك الحكمة القرآنية، ووقوفهم بعيداً عن محاور القرآن وغاياته.
- وقف بين الإسلاميين فى الجزائر من يصيح بأعلى صوته: إن المرأة فى الإسلام خلقت لكى تلد الرجال! لا عمل لها إلا هذا.. هذا المتحدث المسكين باسم الإسلام لا يعرف إلا حديثاً مكذوباً أن المرأة لا ترى رجلاً ولا يراها رجل وأنها خلقت ليفترشها فحل وحسب!
- قال لى أحد المتمسكين بأن خبر الواحد يفيد اليقين: إن المدرس وهو رجل واحد يؤتمن على التعليم، وأن السفير وهو رجل واحد يؤتمن على أخبار دولته، وأن الصحفى فى الحديث الذى ينقله يؤتمن على ما يذكره.. قلت: إن العنعنات التى تنقل بها المرويات ليست مثل ما ذكرت من وقائع! وإذا فرضنا جدلاً أنها مثلها فإن اليقين لا يستفاد من هذه الوقائع، فإن المدرس يخطئ فيصحح نفسه أو يصحح له غيره! والسفير ترقبه دولته وتراجعه فيما بلغ، وكذلك الأحاديث الصحفية، ونحن عندما نتحرى واقعة ما فى حياتنا لا نكتفى بشاهد واحد، وربما طلبنا أربعة شهداء حتى نطمئن إلى صدق الخبر، وعلى أى حال فإن الإسلام تقوم عقائده على المتواتر النقلى والثابت العقلى، ولا عقيدة لدينا تقوم على خبر واحد، أو تخمين فكر.
- قد رأيت فى هذه الأيام من يسمى نفسه أمير جماعة، والجهد الذى يتصبب له عرقاً وهو يقوم به، هو إشاعة النقاب بين النساء، أو إشاعة الجلباب بين الرجال، أو تحريم الذهب على النساء والرجال جميعاً، أو ترك شعر اللحية ينمو فلا يؤخذ منه شىء حتى لقاء الله! أهذه غايات تتكون لها جماعات؟!
- عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله: «من جلس إلى قينة أى مغنية فسمع منها صب الله فى أذنيه الآنك يوم القيامة» والآنك هو الرصاص المذاب، قال ابن حزم: هذا حديث موضوع وهو فضيحة، ما عُرف قط عن طريق أنس بن مالك!
- وعن مكحول عن عائشة قالت: قال رسول الله: «من مات وعنده جارية مغنية فلا تصلوا عليه» قال ابن حزم: مكحول لم يلقَ عائشة، وهاشم وعمر الراويان مجاهيل!
أيها القارئ العزيز.. ما رويته لك آنفاً -عفوا أقصد ما كتبته فى هذا المقال- ليس لى، إنما رويته عن الشيخ الفقيه المحقق الأزهرى محمد الغزالى، حيث كتبه فى كتابه الأشهر «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» وقد كتب كتابه هذا الذى احتوى على ما سلف وعلى ما هو أخطر من الذى سلف، ثم طرحه على العامة والسوقة والدهماء فى المكتبات، وكانت طبعته الأولى عام 1989 وجعل سعر الكتاب أرخص من أى كتاب له حتى يشتريه الفقير قبل الغنى، أقول هذا حتى لا تظن أن هذه الفقرات منقولة من واحد من الذين يتهمهم الأزهر بمحاولة هدم الدين والتشكيك فى ثوابته، أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم وللأزهر بشيخه الطيب وشيخه غير الطيب.