ليست الشائعات التى تطلقها قوى الظلام دائماً مصنوعة عن الآخر، بل هى فى أحيان كثيرة تُصنع عن الذات؛ من أجل رسم الهالة حولها، وإظهارها بمظهر القوة والمنعة والتميُّز. ولقد يسر لهم التقدم التكنولوجى صنع الأراجيف حول الذات، ومكنهم من أن يتلاعبوا فى الفيديوهات والصور والأصوات، وأن يعيدوا تركيبها؛ حتى يستطيعوا التحدُّث عن أعداد كبيرة من المنضمين إليهم، أو أعداد كبيرة تؤيدهم. ولا مانع عند بعض فصائلهم من التحدّث عن امتلاك أسلحة متقدّمة. ولقد تحدث فصيل منهم فى العراق عن تطوير أسلحة متقدمة تجعلهم فى موضع المنعة والانتصار.
ولأن قوى الظلام من نفس «طينة» القوى الصهيونية، فهى دوماً تنتهج نفس أساليبها. ويمكن أن أستدعى فى سياق هذا الموضوع ما فعلته إسرائيل عندما عملت على إشاعة ما يُسمى بنظرية التفوُّق الإسرائيلى، وأسطورة الجيش الذى لا يُقهر، وعجز الجندى العربى عن استخدام الأسلحة المتطوّرة بهدف تثبيط همة العرب فى القتال، وتدعيم الأمر الواقع. ولقد صدّقت إسرائيل نفسها هذه الشائعة! بينما لم يصدّقها العرب. ولذا فقد أتت هذه الشائعة بنتائج معاكسة؛ حيث إنها أدت بمصر والعرب إلى مزيد من الاستعداد والتدبير بدقة لحرب التحرير، بينما جعلت الإسرائيليين يفكرون بطريقة خاطئة؛ ويكفى للتدليل على هذا: أنه فى شهر مايو 1973م، توصّلت الاستخبارات الأمريكية إلى استنتاج أن مصر قد تشن حرباً فى الخريف، غير أن الثقة المفرطة فى صفوف القادة الإسرائيليين منعتهم من تقدير احتمالات الموقف بفعالية، لا سيما أن القيادة المصرية اتخذت مجموعة إجراءات لضمان تحقيق المفاجأة على شتى المستويات، ومن هذه الإجراءات إيهام الإسرائيليين بأن العرب مصدّقون لشائعتهم!
وبدورها تصدق قوى الظلام الآن ما تطلقه على نفسها من شائعات من صنعها! ويتحدّث أتباعها بيقين مذهل عن أوهام النصر. لقد كدت فى إحدى المرات أن أصدق واحداً منهم يتحدث على وسائل الإعلام، لولا أنى كنت شاهداً على الواقعة التى يتحدث عنها! وهنا أدركت حجم الأراجيف والأكاذيب التى يطلقونها ويتحدثون عنها بيقين، بل بعين اليقين!
ومن أساليب المرجفين فى المدينة استخدام الشائعات كطُعم لاصطياد الحقائق، وطبعاً هذا أسلوب ذكى يستخدمه الأجانب، لكن المرجفين فى المدينة عندنا لا يزالون متخلفين حضارياً فى كل شىء، ولا يرتقى مستوى ذكائهم إلى هذا.
لكن كيف يمكن استخدام الشائعات كطُعم لاصطياد الحقائق؟
عندما تغيب المعارف اللازم توافرها عن العدو، ويفشل الجواسيس، وتنضب قنوات المعلومات، ربما يكون للشائعات دور إذا استُخدمت بذكاء كطعم لجلب الحقائق؛ عن طريق استثارة الخصم والضغط عليه؛ الأمر الذى يضطره إلى إعلان الحقائق لمحاولة القضاء على الشائعات. ولقد لجأ اليابانيون بذكاء إلى استخدام الشائعات كطعم للأمريكيين؛ حيث كان اليابانيون لا يستطيعون معرفة حجم الخسائر الأمريكية فى المعارك البحرية أثناء الحرب العالمية الثانية، وكانت مقتضيات الحرب تحتم عليهم معرفة الحقائق الخاصة بخسائر الأمريكيين، وهنا لجأ اليابانيون إلى استخدام الشائعات كطعم بهدف استثارة الأمريكيين لإعلان حقائق خسائرهم، فأصدروا مجموعة من الشائعات المحبوكة، التى تحتوى على مبالغات عن حجم الخسائر البحرية الأمريكية؛ الأمر الذى أدى أولاً إلى التأثير المعنوى على الرأى العام فى الولايات المتحدة تأثيراً سلبياً؛ وأدى ثانياً بالتبعية إلى الضغط على الإدارة الأمريكية لكى تعلن حقيقة خسائرها البحرية، رغبة فى مواجهة تلك الشائعات المؤثرة على الرأى العام، وهنا تحقق هدف اليابانيين ومأربهم فى معرفة الحقائق.
وهناك نوعية من الشائعات تهدف إلى تدمير مصداقية إعلام الخصم وزرع عدم الثقة فيما يبثه من أنباء، إذ من الممكن بث شائعة بطريقة ما عن تحقيق انتصار للخصم فى منطقة أو مجال معين، وهنا يظن الخصم أن محاولته نجحت، فيبث النبأ من قنواته الإعلامية، وحينئذ يبين صانع الشائعة عدم مصداقية النبأ بوسائل يقينية؛ مما يظهر أن إعلام الخصم وأنباءه كاذبة؛ ومن ثم ينشر جواً من عدم الثقة بين أنصار الخصم وجماهيره، فيما يبثه من أخبار. وقد لجأ الألمان إلى توظيف هذا النوع من الشائعات لتحقيق هذا الهدف فى الحرب العالمية الثانية؛ وذلك فى العام الثانى من الحرب، حيث كان الإنجليز قد قاموا بمحاولات عديدة لنسف المحطة الرئيسية للسكك الحديدية فى برلين، وباءت كل محاولتهم بالفشل، وهنا استغل الألمان هذه المحاولات لتحقيق مأربهم من نزع الثقة فى مصداقية أنباء هيئة الإذاعة البريطانية؛ فقاموا بتسريب بعض المعلومات الكاذبة يُفهم منها أن الإنجليز قد تمكنوا من تدمير المحطة، والتقط الإنجليز هذه المعلومات التى سرّبها الألمان، واعتقدوا أنها مؤكدة لنجاح ما قاموا به، وقامت هيئة الإذاعة البريطانية ببث النبأ، وهنا قامت وزارة الإعلام الألمانية باصطحاب مراسلى الصحف الأمريكية إلى المحطة لكى يتبيّنوا بأنفسهم أنها لم تدمر، وحينئذ تبين عدم مصداقية هيئة الإذاعة البريطانية.
وبالطبع فإن إعلام القوى الظلامية لا يستطيع استخدام هذا الأسلوب؛ فذكاؤه دونه بكثير، لكنه لا يزال يستخدم أساليب تقليدية لا تخيل على صاحب عقل عادى، ومع ذلك تخيل على أذنابهم من المغيبين!