م الآخر| تقاطع قاهري (16).. أحاسيس جميلة
حزنت صفا جدًا على سفر أخيها عز، إن وجوده في غرفته بدون أي فعل كان يبعث في روحها الآمان، إنه الشعور بوجود رجل في البيت.. الآن أدركت كم كانت تكن في نفسها حبًا غاليًا لعز، والآن أيضًا تشعر أنها تمر بنفس الأحاسيس التي كانت تشعر بها والدتها، عندما هاجر والدها إلى العراق.
صارت صفا بعد سفر عز، الذي كان يبدوا لها حائط الآمان، تشعر بخوف مضاعف من حاتم، خاصةً بعد أن تعرض لها في الميكروباص، والأمر يزداد سوءًا بعد أن شاهدها اليوم وطارق يحاول تقبيلها، أنها أول مرة يفعل ذلك.. صحيح أنها تشعر بأحاسيس جميلة، ولكنها لم تترك طارق ينال ما يريد، لقد تشاجرت معه بسبب ما فعله، وهو اعتذر، وقال لها أنه يحبها جدًا ولا يقصد أي شيء خطأ، لكنه أراد أن يعبر عن حبه.
لم تجد من تفضفض معها سوى صديقتها سعاد والتي قالت لها، إنها من الممكن أن ترتدي النقاب مثلها، وحينها ستتخلص من حاتم ومطاردته المتكررة لها، إن النقاب قادر على أن يحميها من الذئاب، فحين ترتديه لن يستطيع حاتم أن يتعرف.
قررت صفا بالفعل أن ترتدي النقاب بعد انتهاء العام الدراسي، لا تعلم لماذا أرجأت هذا القرار لما بعد انتهاء العام الدراسي، ربما لأنها تريد أن ترى طارق ويراها في الدروس كما أعتاد أن يراها دومًا، لذلك سوف تريديه في الصيف إن شاء الله، فالنقاب سوف ينهى كل المشاكل بالفعل، وحتمًا سوف يجعلها بعيده عن كل شيء متعب لها ولو بعض الشيء.
..............
اكتشف صبري نوم حاتم في الصالة، دون أن يبلغه بهذا، فاشتعل غضبًا من حاتم واتخذ من هذا الموقف سببًا كافيًا لطرده من الصالة، ولم يعد يجد حاتم مكان ينام فيه، خاصة بعد تركه للبيت، وكل ما يملكه مائة جنيه والمحمول الخاص به.
كان نوم حاتم بالصالة هي الفرصة المناسبة لصبري، كي تكون حجته في طرده من الصالة، وللتخلص من عبئه الذي زاد عليه في الأيام الأخيرة، خاصة وأنه يفرط في كل أمور دينه، ووجوده معه في الصالة هو ذنب يجب أن يتخلص منه كما قال الشيخ محمود، وها هي الفرصة قد جاءت.. فصبري الآن مقبل على مرحلة جديدة في حياته لا يناسبها وجود حاتم فيها.
لقد تحدث معه الشيخ محمود بالأمس عن بنت منتقبة تسكن بالقرب من الصالة اسمها (سعاد)، عمرها تجاوز 17 عامًا ووحيدة وجميلة، وعندها استعداد أن تترك التعليم من أجل الزواج، كما أنها لا تمانع من العيش في شقته مع والدته وأخوه.. كذلك لدى والدها عدة محلات يديرها كسوبر ماركت في مناطق مختلفة، وعمها أيضًا متدين ودخل انتخابات مجلس الشورى ولكنه لم يفز فيها.
..............
لم يستطع القارب الذي هاجر فيه عز الخروج من السواحل المصرية، لذلك قرر المقاول الذي يتولى تلك العملية أن يسافر عز ومن معه إلى ليبيا، فالسفر من ليبيا أسهل.. ليبيا قريبة جدًا من سواحل إيطاليا والحراسة من هناك أقل.. لعن عز سوء حظه، ثم قال لنفسه طريق الألف ميل يبدأ بخطوة كما يقول الأقدمون، وها أنت قد خطوت أول خطوة، لكن هل تتوقع أن تجد الطريق مفروشًا أمامك بالزهور؟.. إنها الحياة القاسية عليك كما تقسوا على الآخرين، ولا بد أن تتوقع أسوأ الظروف.
تعرف عز على أصدقاء له قادمين من قرى ريفية أخرى، ولهم أقاربهم يعملون في إيطاليا، المشكلة الآن أن هناك من يأتون من وسط أفريقيا للعمل في إيطاليا في أعمال دنيا بنصف تكلفة المصريين، وكما أن الوظائف في إيطاليا تفضل شعب ليبيا، لأن ليبيا كانت ذات يوم مستعمرة إيطالية.
فقد حكى له شخص عن أخيه الذي حاول الدخول إلي إيطاليا، عن طريق السفر إلى بلد مجاور له، وبعد ذلك دخل إيطاليا عن طريق قطار البضائع، حيث ركب في أحد الدواليب، وقام برش نفسه بفلفل أسود حتى لا تعثر عليه كلاب التفتيش في المحطات، وقبل وقوف القطار في روما، قفز مع أصدقائه المصريين من القطار، بعد أن قام بعمل فتحه في أرضية عربة القطار، ولكن الآن أخي الذي ذاق كل هذه المتاعب بنى بيتًا ضخمًا في بلدته.. بيت من عشرة أدوار!.
شرد عقل عز مع الأحلام الوردية التي حكاها له ذلك الشاب، ومحاولة تجاوز الصعاب التي أصبحت هي محور تفكيره، سمع عز مئات الحكايات التي زادت من حماسه وجعلته أكثر تفاؤلًا، وعلي النقيض سمع مئات الحكايات التي تخلق منه أكثر خلق الله تشاءمًا، والكل يشترك في شيء واحد هو.. الهروب من مصر، والهروب من الفقر، والبطالة، والفساد.
..............
ذهبت أم صبري لترى العروسة التي تم ترشيحها له، وعادت وقد أبدت إعجابها بها بشدة، وجاءت لابنها تشيد بأخلاق وأدب العروسة المنتقبة، انتظر صبري أن تصف له شيء من ملامحها وجسدها، فهل هي ممشوقة القوام أم ممتلئة القوام؟ ما شكل يدها، ما شكل قدمها؟ هل تشبه نانسي عجرم مثلًا؟.. للأسف لا،
أمي قالت إنها سمراء، لكن هل يمكن أن تمتلك جسد مثل جسد روبي؟.
كانت تساؤلاته في نظره مشروعة، لكنه يدرك جيدًا أنها تساؤلات لم ولن تجيب عنها أمه، لكنه فكر وقال لنفسه، على العموم كل شيء سوف يظهر عندما يتحدد موعد الرؤية الشرعية، وسوف أحاول أن أحدد كل تفاصيلها من خلال وجهها، وعمومًا كل النساء شئ واحد، لا يوجد فارق كبير.. المهم أنني سوف أتزوج.
حاول طارق استغلال موضوع زواج أخيه، وفتح موضوع ارتباطه المستقبلي بصفا، وأخبر أخيه أنه يعرف صديقة لسعاد، هي من يتمناها ويتمنى أن يتزوجها مستقبلًا.. فكر صبري أنه ربما يمكن أن يسأل صفا عن كل شيء يتعلق بالعروسة، وفي بداية حديث طارق كان في نية صبري أن يغضب على أخيه، لكنه تراجع وأراد أن يستغل الموضوع في النهاية لمصلحته، فطلب من أخيه أن يقابل صفا.