نشيد يتخلل كل المباريات الكروية وكل البرامج الرياضية هذه الأيام، المفروض أنه دعاية لنادٍ رياضى هو النادى الأهلى، لكنك عند مشاهدته والاستماع إليه، يتولاك انطباع كامل بأنه نشيد وطنى وأغلب الظن لأمة فى حالة حرب.
فالكلمات منها «أضحى بروحى فى سبيلك»، ومنها «أنت أعظم مكان فى الكون»، ومنها «لو لم أشجع أكون ميت أكيد»، والغرابة ليست قاصرة على كلمات النشيد، وإنما ممتدة إلى اللحن والتصوير والإخراج، فكل هذه العناصر مجتمعة يبدو أنها اتحدت لتصميم ما ينبغى أن يتلقاه المشاهد والمستمع باعتباره عملاً لأجل وطن فوق الجميع.
بالسؤال والاستفسار، عرفت أن بعض كلمات الأغنية الغريبة مقتبس من هتافات ألتراس الأهلى، لكننى عُدت لأتساءل: هل التلحين والتصوير والإخراج أيضاً قام به ألتراس الأهلى، والإجابة أنه -إن لم يكن ذلك كذلك- ففى الحد الأدنى هنالك حالة تناغم ملحوظة بين الأهلى، الإدارة والتدبير والتخطيط، وبين مشجعى الأهلى الراديكاليين من الألتراس.
وقديماً قال المفكرون إن أخطر أنواع النفاق على الأمم نفاق الجماهير، لأنه يحرضهم على التمادى فى الاستجابة والتعاطى مع أحط غرائزهم، ويحرّضهم على الحماس لقضية وهمية، والتفانى من أجل هوس جنونى، يتصورنه قيمياً، وطبعاً يستحيل لأى نادٍ، سواء كان الأهلى أو الزمالك أو برشلونة أو الريال، أن يرتفع إلى هامة وطن، وكل من يحاول مجاراة المهووسين فى هذا المعنى هو منافق للجماهير ومحرض على كارثة جديدة مقاربة لكارثة بورسعيد، ولا بد أن يفهم الجميع، وعلى رأسهم هؤلاء الشباب، أنه وإن كان البعض يطلق على قتلى مباراة الأهلى والمصرى فى بورسعيد لقب الشهداء، فهذا ليس لأنهم ضحّوا بحياتهم من أجل نادٍ، وإنما فقط كما نطلقها على كل من قضى فى حادث أليم، وينبغى أن يتم شرح ذلك لمساكين الشباب ومحركيهم، إننى لن أنسى أنه بُعيد حادث بورسعيد بأيام قلائل، شاهدت لقاءً تليفزيونياً يجمع بعضاً من ذويهم، وكان من بينهم أم فقدت ابنها فى هذه المجزرة، وأتت إلى البرنامج وبصحبتها ابن آخر، وقالت بالحرف الواحد لمقدم البرنامج «حب النادى ده أعظم شىء فى الدنيا، وأنا على استعداد زى ما قدمت ابنى الأول شهيد، أقدم ابنى الثانى أيضاً)، هذه العبارات المخلة المختلة متجانسة تماماً مع النشيد الذى يُذاع مرات ومرات فى كل القنوات الرياضية، ليدعم ويغذّى هذه المعانى الشاذة فى نفوس الجماهير، وينشر ثقافة الألتراس حتى لا تصبح قاصرة على هؤلاء الشباب المارق، بل لتمتد إلى معظم الجماهير، والغريب أن يحدث ذلك الأمر فى الوقت نفسه الذى نستعد فيه لاستقبال كأس الأمم الأفريقية على أراضينا.
وهو ما يجعلنى أراجع عمل المجلس الأعلى للإعلام، وأتساءل عن سر غيابه عن ذلك المشهد، كما أسأل، وكلى حيرة وتعجب، ما معنى ذلك الاحتفال السنوى الدورى الذى تقوم به إدارة النادى الأهلى لإحياء ذكرى هذه المجزرة، تماماً كما لم أستطع أن أفسر معنى أن يجرى نجم الكرة الشهير مسرعاً نحو جماهير الألتراس الجالسة خلف المرمى -بعد حصول الأهلى على بطولة أبطال أفريقيا ٢٠١٣ (وما أدراك ما ٢٠١٣ فى مصر)- ثم يكشف عن قميص قد ارتداه تحت قميص ناديه مكتوب عليه رقم ٧٤، لتتفاعل معه حينها جماهير لديها علاقات مضطربة بأجهزة الدولة الأمنية، وهى موجودة حينها بأعداد غفيرة، لقد عرفت عن هذا النجم حُسن الخلق والأدب الجم والسيرة الطيبة، وهو ما لا أشكك فيه إطلاقاً، لكن من المطلوب أيضاً أن نجد تفسيراً مقنعاً لماذا كان شريكاً حاراً فى هذه المشاهد؟ وما معنى هذا التآلف، بل والتوحد بينه وبين شباب كل كفاحه أنه تخلص من نصف ملابسه تقريباً وهو يشاهد مباراة كرة قدم، وفى الحقيقة لا بد أن يمتد السؤال إلى المسئولين الأكبر فى النادى الأهلى، ليجيبوا عن كل ما يشغل عقولنا فى هذه القضية الدخيلة على حياتنا بصفة عامة، وعلى الحياة الرياضية بصفة خاصة، وليشرحوا لنا دلالة هذا النشيد، وهل هو حقاً غناء فى حب نادٍ، أم إعلان عن وطن يشاحن الوطن.