يقول المثل الفرنسى (قدر المرء أن يقف على قدميه ويسير)، والمعنى أن عليه أن يواجه تحدياته ويسعى للتغلب على عوائق حياته، لا أن يقف ليؤدى دوراً واحداً يلعن خلاله حظه وحظ الزمان والمكان، أقول هذا لأن المجتمع المصرى يتميز بالمحاكاة المستمرة المتبادلة والدائمة، ومن ثم فإن العدوى سريعة الانتشار فى خلاياه.
وكما تنتشر فيه قدرات التحدى والصلابة فى مواجهة أزمات تاريخية كبرى وتنتقل إرادة المواجهة من فرد إلى آخر ومن فئة إلى أخرى حتى تتحول لقوة اجتماعية جبارة، كذلك للأسف تنتشر فيه أيضاً مشاعر الانكسار أمام الإحباطات، ويتحاكاها الناس ويتبادلونها حتى تصير مرضاً سرطانياً يشل إرادة الحياة فى نفوس الجماهير، ومن ثم فالإعلام والإعلان لهما دور رئيسى ومحورى فى حياة هذا المجتمع المصرى.
ودعونا نقر ونعترف بأنه من مثالب واقعنا الذى نعيش أن بعض الجهود الفاعلة والمؤثرة إيجابياً فى التغلب على تحديات الأمة المصرية لا تحظى بالدعاية المركزة والكافية لبروزها ونحتها فى عقل المواطن، حتى تؤثر تأثيراً حقيقياً على نوع وكم وكيفية نشاطاته وسلوكياته اليومية، وذلك فى الوقت الذى ينهض فيه كثيرون بدور الدعاية المضادة لإثبات وتكريس الشعور بكارثة معيشية يحياها المواطن ويتجرع مرارتها بلا أمل فى دواء ناجع أو شمس تبدد ظلمة السحب الكثيفة فى وضح النهار.
وأضرب مثلاً على ذلك بقضية الأسعار النيرانية للسلع الحياتية، فهذه حقيقة واقعة لا يمكن الالتفاف حولها، لكن هنالك أيضاً حقيقة أخرى ينبغى إقرارها وإثباتها، وهى جهود تبذل لإطفاء نيران الأسعار من خلال جهات وطنية تابعة للدولة ولست قاصداً هنا (فقط) منافذ البيع العديدة للقوات المسلحة ولكننى أقصد ما تعرفت عليه عبر لقاء تليفزيونى أجرته قناة القاهرة مع العضو المنتدب للشركة العامة لتجارة الجملة، التابعة لوزارة التموين، المهندس عادل عبدالعزيز، ففى هذا اللقاء تبين كيف أن الشركة تقدم من خلال منافذ بيعها السلع الأساسية للمواطنين بأسعار منخفضة عن نظائرها المتاحة فى الأسواق، وأقصد بالأسواق هنا تلك الجهات الشهيرة التى أصبحت قبلة للمستهلك المصرى ظناً منه بأنها تشكل الحد الأدنى لأسعار السلع، والحقيقة غير ذلك لكنها للأسف حقيقة بلا أجنحة، ولكى تكتسب هذه الحقيقة جناحيها وتطير فى أفق المجتمع من أذن إلى أذن ومن ثم عقل إلى عقل ينبغى شيئان أولهما أن يتم تسليط الأضواء ليل نهار على مثل هذه الشركات الوطنية حسب نظرية الإلحاح الإعلانى حتى تستقر فى ذهنية المواطن، هذه الحقيقة عن أسعارها المنخفضة عن نظرائها، وثانيهما أنه ينبغى أن تعدد الدولة من مراكز ومنافذ البيع لمثل هذه الشركات الوطنية حتى تشاحن هذه الجهات والشركات الأخرى التى باتت من أساسيات حياة معظم المواطنين بدعاياتها المكثفة وعروضها الدائمة فلا بد للشركات الوطنية أن تحظى بوجود ووجود مماثل كماً وكيفاً حتى يستبدل المواطن هذه بتلك وحتى تجبر هذه المنافسة كل الأطراف على تخفيض أسعار السلع المختلفة وعندها تهدأ نسبياً نيران الأسعار وينطفئ جزء كبير من ذلك الحريق، ولا نكون قد اكتفينا بالصراخ والعويل وإنما ببساطة قمنا بأدوارنا وواجباتنا، نلقى المياه على النيران لعلها لا تصير رماداً وحسب بل تصبح برداً وسلاماً على المكان والإنسان.