قلت له فى مقدمة اللقاء التليفزيونى: الجمهور العربى ينتظر من سموك دائماً الجرأة والمكاشفة فى أتم وأعلى صورهما.
فقال (رحمه الله) وهو يبتسم ابتسامة جميلة: «يا ويلى.. يا ويلى».
وهى عبارة الإنسان الذى لا يتكلف الجرأة، بل يضطر إليها استشعاراً بكمِّ وكيف المسئولية تجاه الآخرين.
وعندما تكون تلك هى مشاعر وأفكار أمير فهو إذن على استعداد، فى أى وقت، أن يغادر كرسى عرشه ليذود عن قيمه، وهذا هو محض النبل وجوهره.
وأميرنا كان دوماً على أهبة الاستعداد للفعل، لم تكن الظروف تلجئه للمحكات، بل ربما كان يختار طريقها ليختبر ويطمئن إلى حرارة اعتقاده بمبادئه وحقيقة استعداده للذود عنها. شخصياً أتوقع وأستشعر وأدرك وأتخيل مثل هذا المونولوج الداخلى الحار الحاضر دوماً فى قلب أمير ثائر.
أمير لم يقنع بأن ينال الإمارة إرثاً، فأراد استحقاقها نبلاً.
لم يجد للسمو معنى وطعماً عندما يأتيه اللقب من البروتوكوليين أو الرفقاء، بل فقط كان يستشعر دلالته عندما يلتقطه من فم البسطاء.
يا سادة، المصرى البسيط لديه عبارة مألوفة عندما يعبر عن امتنانه لإنسان أحاطه بالرعاية والعطف فى غير منّة، وأجزل له عطاء لا يكلفه أى ذلة، يصف حينئذ هذا الكريم قائلاً: «والله الراجل ده راجل أمير».
وهكذا كان وعاش الأمير طلال بن عبدالعزيز آل سعود.
حينما يكون حاضراً فى مناسبة ما يلتف حوله أولاده الأمراء ببساطة كأية عائلة عربية دافئة مرتبطة، لا يجلسون إلا إذا استقر مجلسه، عيونهم تراقب ذلك الأب ليكونوا أول من ينهض استجابة لمطلبه قبل المساعدين والموظفين.
قال لى: قديماً حينما أتيت إلى مصر فى الستينات للإقامة والحياة، تقربت من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وفى مرة من المرات، وأمام جمع من الحضور، قلت له: أريد أن أسأل سؤالاً مهماً، فقال: قل يا طلال.
فقلت: لماذا لم يكن هنالك مسيحى واحد من بين أعضاء مجلس قيادة الثورة؟
ويستطرد قائلاً: ابتسم الرئيس عبدالناصر ثم ضحك وهو يقول للجميع: تصوروا أول مرة أنتبه إلى هذه الملاحظة المهمة.
عاش الأمير طلال محباً ومقدراً للإنسان، أى إنسان، مجرداً هذا الحب وذلك التقدير من أى اعتبار للنوع أو اللون أو الدين، لذا قرر أن تكون مشاريعه ومؤسساته الخيرية حاضرة حيث ينبغى أن تحضر، تلبى نداء الإنسانية فى أى مكان على وجه الأرض، وتسد احتياجات الناس وتحقق آمالهم بنفس القدر الذى تتغلب فيه على آلامهم.
كم أشعر بالغبطة للأقدار التى وفرت لى عدة لقاءات مع الراحل الكبير، ولم أكن أتصور أنها سوف تطبع، بل تنحت، فى وجدانى هذه المعانى الكريمة وتلك الأحاسيس الرفيعة، وهذا القدر من المحبة والتقدير نحو ذلك الأمير العربى الفريد.
أحب الأمير مصر حباً له ألف معنى ومعنى.
أحبها وطناً لكل عربى، وأحبها تاريخاً لكل إنسان.
رآها حديقة مزدهرة لكل ما هو فكرى وفنى.
وعشقها عالماً دافئاً لكل فنان.
أحبها فخوراً بها عطوفاً عليها. ومصر بادلته، من خلال أبنائها، حباً بحب، وفخراً بفخر، وعطفاً بعطف.
وقال عنه بسطاؤها بمنتهى الأريحية والصدق: «والله الراجل ده فعلاً أمير».