ندرك ونعلم ونفهم جميعاً أن جهازنا الحكومى عانى سنين طويلة من الترهل، وأنه بذلك الترهل الممقوت كلف دولتنا خسائر اقتصادية ضخمة. ومن هنا استقرت استراتيجية مصر الحالية، ومنذ عدة سنوات، على إيقاف هذا النزيف السنوى، والقيام بعملية تخسيس ضرورية لذلك الجسد الضخم المترهل، حتى نأمن شرور سمنته المريضة، وحتى يتهيأ لإمكانية العلاج من كثير من الأمراض التى تاخمته خلال سنين الترهل العديدة، لذا أوقفت الدولة أية تعيينات جديدة، آملة -مع خروج الآلاف سنوياً إلى المعاش- تحقيق ما تصبو إليه، ناهيك عن بعض الخطط المترقبة للتشجيع على المعاش المبكر لكثير من العاملين والموظفين.
كل ما قلته نفهمه ونتقبله بحجم ما فيه من منطق وتعقل، لكن -وعلى الرغم من ذلك- ما يصعب تفهمه، فضلاً عن تقبله، هو لماذا لم تتخلص الدولة من العديد من الوظائف الحكومية المتطفلة على العمل الرئيسى؟ والتى يثبت الواقع الفعلى فراغها من المهام، وعلى رأس هذه الوظائف وظيفة «المستشار». نعم، هؤلاء المستشارون المعينون فى الجهاز الحكومى، وعلى وجه الخصوص من يأتون من خارج الوزارات، ويكلفون الدولة مرتبات طائلة دون عمل يُرجى أو فائدة تُجنى. وأضرب مثلاً على ذلك بوظيفة «المستشار الإعلامى» على وجه التحديد، فمنذ عدة أيام اتصل بى صديق عزيز كبير مخرجين فى التليفزيون المصرى وقال لى: والله أنا مندهش، تصور أننا منذ سبعة أيام جهزنا تقارير مرئية مهمة تثبت جهوداً فعلية تقوم بها الدولة لمقاومة غلاء الأسعار وينبغى للمواطن التعرف عليها، ومن حينها نحاول التواصل مع المستشار الإعلامى لوزارة التموين حتى نحظى بمسئول يتحدث تعليقاً وتعقيباً على هذه التقارير، فلا يرد هذا المستشار الإعلامى المزعوم على مهاتفاتنا على الإطلاق، فنرسل له رسائل عديدة نخبره فيها بأننا نرغب فى ترشيح أحد المسئولين للتحدث فى البرنامج عن الدور المحمود للشركات الوطنية التابعة للوزارة فى مقاومة غلاء الأسعار وجهودها فى التخفيف من أعباء هذه الظاهرة على قطاعات عريضة للمواطنين، إلا أنه لا يرد أيضاً. وحينما نرسل رسالة فيها شىء من التهديد بتصعيد الأمر إن لم يرد، نصل إليه حينها بالكاد، فيقول: فى الحقيقة هنالك المنسق الإعلامى للوزارة، هو الذى يمكن أن يرشح لكم أحد المسئولين، وحينما نستطيع بصعوبة التواصل مع ذلك المنسق الإعلامى ويرشح لنا بالفعل أحد المسئولين ونتواصل مع هذا الأخير، يقول: لا مانع، لكن لا بد من أن تأخذوا لى موافقة على الظهور.
نقول له: موافقة من أى جهة؟ إن حديثك سوف يكون عبر التليفزيون الرسمى للدولة.
فيقول: لا بد من هذه الموافقة، ويمكنكم العودة للمنسق الإعلامى للحصول عليها، وعندما نعود إلى المنسق المحترم بصعوبة أيضاً يقول: هذه ليست مسئوليتى، يمكنكم الرجوع إلى المستشار الإعلامى، وطبعاً هذا الأخير الوصول إليه صعب المنال عبر المهاتفة المباشرة أو الرسائل كما ذكرت آنفاً.
الغريب أنه إذا كان هؤلاء المستشارون الإعلاميون (الشباب غالباً) لا يتواصلون مع الإعلاميين من تليفزيون الدولة فمع من يتواصلون؟ وما المهام التى يقومون بها ويتقاضون عليها مرتباتهم غير القليلة؟ أم أنهم فقط يسعون لاكتساب مكانة من غير مكانهم، ويحصلون على أموال ليست من مستحقاتهم؟ ثم ما حكاية «مستشار إعلامى» وآخر «منسق إعلامى»؟ وما حكاية الموافقة التى لا بد أن يحصل عليها العضو المنتدب للشركة القابضة كى يتحدث إلى تليفزيون الدولة عن جهود وزارته ودورها؟
ثم لماذا يشعرون فى وزارة التموين على وجه الخصوص أنهم محط اتهام ما؟ بل ويعطون انطباعاً للإعلام المتواصل معهم وكأنه عندما دعاهم إلى لقاء تليفزيونى كأنه قدم لهم استدعاء للنيابة؟
أسئلة عديدة معلقة تنتظر إجابة حقيقية صادقة وليست ملفقة.