انتظرت كثيراً، كثيراً، كثيييراً حتى أكتب.
حاولت أن أفهم أولاً، وقرأت كثيراً، وسمعت أكثر، حتى أكتب دون انفعال.
فضَّلت الصبر حتى سماع كلمة الرئيس السيسى التى اعتبرتها حاسمة، فصُدمت، ووضعت (نقطة) كانت فاصلة بالنسبة لى... وبالنسبة لكثيرين.
ومع ذلك انتظرت أكثر بعيداً عن أى غضب وهرباً من أى مزايدة أو ادعاء، ولم أقع -والحمد لله- فى شهوة التخوين التى أصابت الكثيرين، بل انتظرت بعد أن (عاد) الناس إلى الشوارع والهتاف آملاً أن تصل الرسائل بالكامل، وسعيداً بأن مر اليوم على خير، فى لحظة فشل المخرجون فيها فى أن يجعلوا لقاء الرئيس مع الشباب فى (جبل الجلالة) أعلى من لقاء (الشباب) فى الشوارع، لذا، ما سأكتبه الآن قناعتى التامة التى لا ضير أن أدفع فاتورتها فى أى وقت، فهذه من اللحظات القليلة فى حياتى التى أشعر فيها أن الصمت خيانة.
صلوا بينا على النبى الهادى...
فأولاً: جيش مصر جيش وطنى، وليس جيشاً خائناً، وما زلت مؤمناً، وأربى أولادى كذلك، على أن عقيدة الجيش المصرى هى عدم التفريط فى ذرة تراب واحدة من أرض مصر، ولو رووها بدمائهم وأرواحهم، ونحن معهم، ولا أقبل تخوين جيش بلدى، ولا رئيس بلدى أياً كان اسمه.
وثانياً: عفواً سيادة الرئيس، لا خير فينا إن لم نقُلها، ولا خير فيك إن لم تسمعها وتعيها وتقبلها، ولو على مضض، ولو غضبت، ولو زين لك البعض أننا (صنف نمرود ما يستاهلش)، كيف لا وأنت شخصياً ترانا (متعبين جداً)، لكننا مع كل ذلك لسنا بأعداء لك أو للوطن تسقط شهادتنا ونصيحتنا ومواقفنا أمام كرهنا لك أو له.
ستسمعها، لأنك لو لم تسمع سوى نفسك فقد نقضت عهدك معنا، ستسمعها لأنك فى المرة الأخيرة التى ظهرت فيها قلت (أنا) أكثر من 100 مرة، بعد أن كنت تقول دائماً (إحنا)، وتؤكد أننا (مع بعض).
ستسمعها، لأنه ليست لنا مصلحة سوى بلدنا، ولم يجرب أحد فينا خيانة أو سعياً لإسقاطك أو إسقاط دولة ما زلنا نحلم بأن (نعمل) لها جميعاً، لا عليها، فلا نريد أن نكون من الأخسرين أعمالاً فى بلدنا، وأن يضل سعينا لخيره، ونحن نحسب أننا نحسن صنعاً، ومن هذا المنطلق: أنا آسف: إدارتك لهذا الملف، وإدارة كل الأجهزة المحترمة الوطنية الشريفة التى لا يمكن أن أشكك فيها، كانت غير موفقة، وغير مقبولة، و(ركيكة)، وعيب فى حق هذا الشعب، فيها من (الانفراد) ما يجعلها (أجهزة) تملك شعباً، لا شعباً يملك دولة بأجهزتها. فلا أنتم أعلمتمونا بأى شىء، ولا أنتم مهدتم للرأى العام، ولا أعلنتم الحقائق مبكراً، ولا حتى لمَّحتم لأن الجزيرتين مشكلة عالقة يتم الحديث فيها والتفاوض بشأنها، ولا تعاملتم بشفافية منذ بداية الموضوع، ولا اخترتم التوقيت السليم للإعلان عنه، ولا اخترتم اللحظة المناسبة لإقرار الأمر الذى تم إخراجه وكأنه مصاحب لزيارة يلقى لنا فيها بالمليارات لنتنازل عن جزيرتين، ولا رددتم ردوداً تشفى صدور قوم أحبوا بلدهم، ولا كانت مبرراتك شخصياً، وأنت تتحدث فى حديثك ذى الاتجاه الواحد مع من سمّيتموهم (ممثلين المجتمع)، مقنعة، لا سيما وقد اضطررت للخروج إلى الناس بعد حالة الغضب (الشعبى) إزاء ما حدث، وتركنا فريسة معلومات الغير، بل وبعد تنسيق مع دول أخرى، منها إسرائيل نفسها، وإحنا ولا هنا، ثم تخرج فخامتك لتعلنها: «مش عايزين نتكلم فى الموضوع ده تانى»..
أنا آسف.. سنتكلم ثانى وثالث وعاشر، ليس إشعالاً للموقف، ولكن تذكيراً بأنه ما هكذا عهدناك أو أردناك أو سنوافقك، وتأكيداً أن العهد بيننا وبينك بلدنا، إن أحسنت له فينا أحسنا إليك، وإن قصرت قومناك، وأخبرناك بأن الموضوع لم ينتهِ بعد، وأملاً حقيقياً فى أن تفكر كثيراً فينا قبل أن تتخذ مثل تلك القرارات بمثل هذا الأسلوب.
شمّتهم فينا يا ريس.. فصيل يقولون (عواد باع أرضك).. فصيل أصبح يعترف ضمناً أنها ليست أرضه، ومع ذلك يريد أن يشحن شعباً بأكمله ضد ما حدث.. فصيل ليس لديه مانع لإزالتك أن يشككنا فيك، وفى الجيش، وفى كلامك. فصيل أعطيتموه الفرصة ليقفز ويركب من جديد ويندمج وسط وطنيين مخلصين أوجعتهم الأرض التى (تصرفت فيها) دون علمهم، فنزلوا ليقولوا لك (لا)..
نزلوا بعد أن كان النزول (مكروهاً) فصار (فرض عين) طالما لم تقبل باعتراضات قلت بعدها (بلاش نتكلم تانى فى الموضوع ده).
نزلوا لأنهم ملوا هذا الأسلوب، وأنت لم تمله بعد.
فصيل أنتم تعطونه الفرصة للتشكيك فى كل شىء بتأخير الحديث وبعدم إدارة الأزمة بالشكل الصحيح.
هل تعرف يا سيادة الرئيس؟؟، هناك (علم) اسمه إدارة الأزمات أول خطوة فيه أن تتوقع الأزمة قبل حدوثها، وهو ما يجعلنى أسألك: ألم تتوقع ما حدث؟؟!! ألم يقدم (أحدهم) فى المخابرات العامة أو المخابرات الحربية أو مخابرات مؤسسة الرئاسة أى (تقدير موقف) استرعى انتباهك؟؟ لو لم يقدموا فهناك مشكلة كبيرة، ولو قدموا وتم تجاهل الأمر فالمشكلة أكبر، ولو قدموا تقديراً بعكس ما حدث، أو بالتهوين منه واعتباره شيئاً عادياً وجب عليك حسابهم ومراجعتهم، لأنهم لا يصدقونك الأمر، ولأن تقديراتهم، لو أنها كذلك، خاطئة..
نعم يا سيادة الرئيس نحن متعبون.. لكنك يجب أن تسجد لله شكراً على أنك تحكم شعباً انتفض من أجل أرضه التى يعتبرها عرضه، وساعد تقصيركم، وخيابة إعلامكم، وخواؤه المتعمد فى تغييب الحقيقة، ثم ها أنتم تطالبوننا بتصديق كل ما حدث، لأنه حدث، ولأنكم فعلتموه، وتصوغ المبررات وكأننا نزلاء فندق اسمه مصر يحق لصاحبه أن يتصرف فى غرفتين فيه كما يريد، لأنه اكتشف أنهما ملك صاحب فندق آخر!!!!!
وثالثاً: (أيوة معلش إحنا كنا كل ده ف ثانياً شعب متعب بقى).. أساليب المسكنات، وتكوين لجنة، والبحث والتمحيص، أثبتت فشلها يا سيادة الرئيس، والحل فى برلمانك، الذى لا أصدق أن هناك فصلاً بينه وبين سلطتك التنفيذية، فقد رأينا كيف يستأذن نائب برلمان منك لكى يذهب إلى الحمام، فما بالك ونحن نعرف أن ائتلافك داخل المجلس له الأغلبية، وقادر على إيقاف (اتفاقية ترسيم الحدود) فقط لو تلقى الإشارة.. بس انت شاور وجرب كده يا ريس، وسترى عجب العجاب، ثم إنها فرصة ليثبت البرلمان أنه برلمان وطنى يسمع الناس ولا يسمع التعليمات، فرصة لكى يكتسب مصداقية يحتاجها، وتحتاجها أنت أيضاً، وإذا قلت لى مثلما قلت للبعض فى زيارة جبل الجلالة إن الأمر محسوم وما إلى هذا الكلام، فلنستكتب جميعاً على جزيرتين فى قبرص أو اليونان ونهديهما لجلالة الملك سلمان إن كان الموضوع جزيرتين، وأعتقد أن (بيع) الجزر مسموح به فى اليونان، لأنها (واقعة) اقتصادياً أكثر منا وكادت تشهر إفلاسها.
ورابعاً: سيادة الرئيس.. تخيل.. ما زال لك رصيد عند كثير من معارضيك.. ما زالوا لا يريدون لا إسقاطك ولا الانقلاب عليك.. ما زالوا يدركون (بوعى) مغبة الهتاف المرعب (الشعب يريد إسقاط النظام)، ويدركون أن السقوط هذه المرة لن يؤدى إلا إلى خراب، ولذلك هم يدعمون بلدهم فى شخصك، فلا تخذلهم، ولا تسقطهم من حساباتك، ولا تستهِن بهم، ولا تسمع للدراويش والمطبلاتية والموجهين والموظفين، لأنهم لا يصنعون أوطاناً.
وخامساً: أتمنى.. أتمنى.. طالب من الله، ولا يكتر على الله، ألا يخرج أحد غداً ليشكك فى كل ما حدث اليوم، أو يستهين به، طالب من الله، ولا يكتر على الله، أن تكون الرسائل وصلتك، وهى رسائل يجب أن نتعلم منها جميعاً لا أن نتجاهلها.. الشارع ما زال موجوداً وحاضراً.. سقف المطالب يعلو، وإسقاط الدولة قد يبدأ من الدولة نفسها إذا صمت آذانها... الرسائل غير مشفرة يا ريس، فاقرأها جيداً أرجوك..
وسادساً: نعرف بالمؤامرات ونؤمن بوجودها، لكننا لا نشجع عليها بل يشجع عليها الإخفاق فى إدارة الملفات.. نعرف بوجود الإخوان ولعبهم هم ودول أخرى، لكن يجب أن يعرف الجميع أيضاً، ومنهم الأجهزة، أن هذه الشماعة لا تصلح للأبد.. نعرف أن هناك «فصيل هيستيرى مأفوراتى» لا يهمه سوى خرابها والجلوس على تلها، لكن لا يمكن أن يكون ذلك بسببنا نحن، فلا تعطِهم أنت شخصياً الفرصة التى فوتناها عليهم كثيراً بدعمك، ولتتذكر أنك القائل: «إيه يعنى. هنجوع؟؟ ما نجوع «وسنجوع من أجل بلدنا وترابها بشرط أن نطمئن على حدودها»..
وسابعاً: مستعدون لأن نموت فى مصر، لكننا مرعوبون من أن تموت مصر فينا... بالله عليك ما تموتهاش فينا.
سأعود قريباً وغيرى للنصح والتقويم، لكتابة رأى لم تعد تسمعه كثيراً أو تقرأه أو تتعامل معه مثلما كنت تتعامل فى الماضى.. وإن كان شعبك عسل يا ريس.. ما تلحسوش كله..
جاهز وغيرى لدفع فواتير بناء الوطن، حتى لو كانت البداية بهدمنا، المهم أن نبنيه.. جميعاً.