دراسة حديثة تكشف أسباب فشل «الإدارة المحلية» وتوصى بـ«تفتيت» المحافظات الكبرى وتوزيع سكانها
دراسة حديثة تكشف أسباب فشل «الإدارة المحلية» وتوصى بـ«تفتيت» المحافظات الكبرى وتوزيع سكانها
![العشوائيات أهم التحديات التى تواجه المحليات](https://watanimg.elwatannews.com/image_archive/840x473/16136422491450290008.jpg)
العشوائيات أهم التحديات التى تواجه المحليات
كشفت دراسة حديثة لخبير المحليات الدكتور محمد شتا، الأمين العام الأسبق وأستاذ الإدارة المحلية بجامعة المنوفية، عوار نظام الإدارة المحلية فى مصر، خلال سنوات طويلة، عاشها المجتمع فى ظل هذا الوهم، مؤكدة أن مصر تعيش دون إدارة محلية حقيقية بمفهومها العلمى السليم، أو نظام حكم محلى بمفهومه الشامل، وأن ما يُطلق عليه حالياً «الإدارة المحلية» لا هو نظام ولا هو إدارة محلية.
على الدولة إعادة صياغة العلاقة بين الحكومة والمحليات لتحديد المسئوليات.. والمحافظون بالانتخاب
وأشارت الدراسة إلى أن الوفد العلمى الأجنبى الذى زار مصر فى 2007، بدعوة من وزارة التنمية المحلية لدراسة وتقييم نظام الإدارة المحلية فى مصر كجزء من اتفاقية دعم اللامركزية الممولة من حساب المعونة الأمريكية بمبلغ 100 مليون جنيه، وأنفقت الوزارة عليه ملايين الجنيهات، انتهى رأيه إلى أن النظام المطبّق فى مصر ليس نظاماً للإدارة المحلية، لكنه صورة من صور المركزية، ويسمى عدم التركيز الإدارى.
وأضافت أن الذين ينادون بتطوير نظام الإدارة المحلية عن طريق منح المحافظين صلاحيات أكبر وسلطات أوسع، وإعطاء المجالس الشعبية المحلية حق الاستجواب، فهم كمن «يحرثون فى البحر»، حيث لا يوجد نظام فى الأساس يمكن زيادة صلاحيات المحافظ فيه، وبالتالى كيف يمكن تطوير الدعم، لافتة إلى أن دستور 1971 نص على نقل السلطة من الحكومة المركزية إلى المحافظات تدريجياً، وورد النص نفسه فى دستور 2014.
وطرحت الدراسة سؤالاً حول ما السلطة التى يريد الدستور نقلها إلى المحافظين، وهل فقط منح المحافظ والمجلس الشعبى مزيداً من السلطات، أم هى سلطة اتخاذ القرار؟ مؤكدةً أن الهدف النهائى لنظام الحكم فى مصر، وفى أى نظام حكم وطنى فى العالم هو رفع مستوى جودة الحياة للمواطن، وأن أى دولة فى العالم لم تستطع رفع مستوى جودة الحياة لمواطنيها، دون الأخذ بإحدى صورتى اللامركزية المتمثلتين فى الإدارة المحلية والحكم المحلى، باستثناء الدول البترولية الصغيرة.
ووصفت الدراسة مقومات وطرق التوصل إلى إنشاء نظام للإدارة المحلية، وفق المنهج العلمى السليم، التى تحقق للشعب المصرى آماله وطموحاته فى حياه أفضل، لافتة إلى أن أول هذه المقومات هو تقسيم الدولة إلى محافظات، وفق أسس علمية واقتصادية واجتماعية، وبما يحقق مبدأ التنمية المتوازنة فى كل أقاليم الدولة، ثم تتجزأ هذه المحافظات إلى مراكز ومدن وقرى على الأسس ذاتها أيضاً، وليس بالأسس نفسها المعمول بها حالياً.
وأشارت الدراسة إلى أن تقسيم مصر إلى 27 محافظة، رغم أن مساحتها تزيد على المليون كيلومتر مربع، خطأ إدارى فادح، يعتبر السبب الرئيسى وراء جميع المشكلات والأزمات التى تعانى منها المحافظات، فضلاً عن استشراء الفساد وتجذُّره المستمر بها.
وقارنت الدراسة بين التقسيم الإدارى للدولة، ونماذج لبعض الدول المتقدمة، مؤكدة أن فرنسا مساحتها أقل من نصف مساحة مصر، وعدد سكانها حوالى 60% من سكان مصر، ورغم ذلك فإن عدد المحافظات بها 101 محافظة، وكذلك تركيا التى لم تتجاوز مساحتها 75% من مساحة مصر، وعدد سكانها أقل من مصر بـ20%، ورغم ذلك فإن عدد المحافظات بها 81، وتونس التى تمثل 11% من سكان مصر ومساحتها تمثل 16% من مساحتها، عدد محافظاتها 24 «ولاية»، أى يساوى تقريباً عدد محافظات مصر، الأمر الذى يؤكد أن الأسس التى تم إنشاء المحافظات عليها فى مصر خاطئة، بدليل التباين الشديد بين مصر والدول المتقدمة فى عدد المحافظات.
وأوضحت الدراسة أن قلة عدد المحافظات أدت إلى اتساع مساحات كل منها، وزيادة أعداد السكان، مما يمثل عبئاً مضاعفاً على المسئولين والأجهزة التنفيذية بكل محافظة، مما ينعكس بالسلب على الخدمات المقدّمة للمواطنين، فتظهر فى أسوأ صورها فى كل القطاعات، فضلاً عن تسهيل وانتشار الرشاوى وعدم السيطرة أو التحكم فى ظاهرة تغول الفساد الإدارى.
ولفتت إلى أن عدم وجود سبب منطقى للتباين الشديد بين أعداد السكان بين محافظات مصر الـ27، باستثناء المحافظات الحدودية التى يكون انخفاض السكان بها أمراً منطقياً، وعلى سبيل المثال ليس هناك تفسير علمى أو منطقى لأن يبلغ عدد سكان محافظة الدقهلية 6 ملايين مواطن، وبجوارها محافظة دمياط لا يتجاوز سكانها المليون ونصف المليون مواطن.
وطالبت الدراسة بتفتيت المحافظات ذات المساحات الكبيرة، والكثافة السكانية العالية إلى 3 أو 4 محافظات، وإعادة توزيع السكان، تماشياً وقياساً على أنظمة الإدارة المحلية فى الدول المتقدمة حتى تستطيع القيادات والأجهزة التنفيذية الممثلة للحكومة المركزية بها، تقديم الخدمات للمواطنين فى أفضل صورة، والقضاء على المشكلات المزمنة فى المحافظات، من انهيار المرافق وانتشار الفساد، مؤكدة أن صغر حجم المحافظة سوف يؤدى بالضرورة إلى تركيز الخدمات، ورفع مستوى كفاءتها، وزيادة الرقابة على أدائها، وتحقيق العديد من الجوانب الإيجابية الأخرى، مشيرة إلى أن تجزئة المحافظات الكبيرة إلى أكثر من محافظة لن يترتب عليها أعباء مالية جديدة، حيث إن المحافظة الجديدة سوف تنشأ بموظفيها القدامى، باستثناء استحداث منصب المحافظ ومعاونيه، وتلك لن تترتب عليها أعباء مالية ذات قيمة.
وأوضحت الدراسة أن المقوم الثانى لتأسيس نظام إدارة محلية سليم يتمثل فى أن يكون منصب المحافظ ورئيس المدينة ورئيس القرية بالانتخاب، بجوار مجلس محلى منتخب يتحمّل مسئولية إدارة الوحدة المحلية، لتكون المنظومة أشبه ما يكون بشركة مساهمة ويديرها مجلس إدارة، محذّرة من استمرار المفهوم الشائع بأن المجلس الشعبى المحلى يلعب دوراً شبيهاً بدور البرلمان فى رقابة الأجهزة التنفيذية بالوحدات المحلية، لأنه مفهوم خاطئ، ويجب وضعه فى إطاره الصحيح، وهو أنه يملك سلطة الإدارة بمفهومها الواسع، وليس مجرد دور رقابى فقط، خاصة أنه لا يستطيع أن يقوم بهذا الدور، فى ظل عدم امتلاكه الأدوات التى تساعده على الرقابة. وحذّرت الدراسة من إجراء حركة محافظين كل 6 أشهر، لافتة إلى أن ذلك يؤكد فشل سياسة الاختيار والتعيين، ويعتبر فشلاً فى وضوح الرؤية والمعايير التى تم بناءً عليها اختيارهم، كما أنه أمر غير مقبول، لأنه لا يسمح لهم بالفرصة فى إحداث التغيير والتطوير واستكمال الخطط العاجلة والآجلة.
وأكدت أن الحل الوحيد للقضاء على تدهور منظومة الإدارة المحلية ومواجهة الفساد المستشرى فى المحليات يتمثل فى تغيير قانون الإدارة المحلية وجعل منصب المحافظ بالانتخاب، وليس بالتعيين، لأنه سيكون «سفينة نوح» لإنقاذ المحليات من الفساد والتدهور الذى تعانيه، مشيراً إلى أن انتخاب المحافظ من الإقليم الذى يعيش فيه سيكون مثمراً، لأنه أدرى الناس بمشكلات المواطنين، الخدمات الضرورية التى تحتاجها المحافظة التى يتولى إدارتها وشئونها.