دريد لحام: الدراما السورية ما زالت تحتل مكانا متميزا
دريد لحام: الدراما السورية ما زالت تحتل مكانا متميزا
![دريد لحام أثناء حواره لـ«الوطن»](https://watanimg.elwatannews.com/image_archive/840x473/8663383131441850117.jpg)
دريد لحام أثناء حواره لـ«الوطن»
من جديد يعود الفنان السورى القدير دريد لحام للحديث عن الأزمة السورية بآراء يراها البعض صادمة، وإن عكست فى مجملها تلخيصاً لقناعات لم تتغير أو تتبدل عبر سنوات الأزمة السورية، حيث كان «دريد» واضحاً فى موقفه من اليوم الأول، حيث يؤكد أن ثورات «الربيع العربى» تم تحريف مسارها من قبَل أمريكا وإسرائيل لتتحول إلى خطوات تدميرية.
فى حواره لـ«الوطن» يتحدث «دريد» عن مشاركته فى الدورة الأخيرة من مهرجان الإسكندرية السينمائى، ورؤيته لحال الفن السورى، ودور الفن بوجه عام فى مواجهة الإرهاب، ويرد على ما نُسب إليه فى أحد مواقع التواصل الاجتماعى من تصريحات تهاجم الرئيس السورى بشار الأسد، وأيضاً ما يتردد بشأن اعتزاله الفن وتسجيله لمذكراته.
الفنان السورى القدير لـ«الوطن»: مأساة الطفل الغريق «إيلان» تكررت عشرات المرات
■ كيف تُقيم الدورة التى انتهت أمس الأول من مهرجان الإسكندرية السينمائى؟
- أوجه التحية لإدارة المهرجان، ممثلة فى رئيسها الأمير أباظة، الذى لا يدخر جهداً فى سبيل إنجاح الدورة 31، التى تحمل فى رأيى صفة الوفاء للوطن ولجهابذة السينما المصرية، حيث تتجسد الصفة الأولى فى شعار المهرجان «السينما فى مواجهة الإرهاب»، الذى أصبح الخطر الأول والأخير على الوطن العربى، أما الوفاء للسينمائيين فتمثل فى تكريم كوكبة من نجوم التمثيل والتأليف، بمن فيهم الراحلان نور الشريف وفاتن حمامة، اللذان ما زالا على قيد الحياة فى نظرى، ولا يمكن أن أنسى شكل استقبال الجمهور للفنان محمود ياسين عند صعوده للمسرح، حيث لم تستقبله العقول وحدها، بل خفقت القلوب والعيون لأجله أيضاً، ولم يكن المصفقون له من أبناء جيله، وإنما من أجيال متعاقبة، ما يعنى أنه لا يزال حاضراً وسيبقى.
■ ما دور الفن فى مواجهة الإرهاب؟
- الفن يحمل رسالة فى كل زمان ومكان، ولكن المهم نجاح هذه الرسالة، التى تتوقف على مدى جدية المشاهد فى تلقيها، وإذا تحدثنا بصراحة سنجد أن المتلقى يشاهد الأعمال الفنية على سبيل التسلية لا الاستيعاب، وإلا كانت فلسطين تحررت بمساهمة المسلسلات التى تناولت القضية الفلسطينية، ومنها مثلاً مسلسل «التغريبة الفلسطينية»، حيث بات الجمهور يميل لمتابعة المسلسلات وأداء ممثليها، وتنتهى المسألة لديهم عند هذا الحد، ومن هنا أرى أن الفن إذا تمت معاملته من منطق المشاهدة فقط فلن يؤدى أى رسالة.
■ هل نجحت الأعمال الفنية السورية برأيك فى رصد وتوثيق ويلات الحرب داخل سوريا؟
- شهد العام الحالى تقديم مسلسلات عديدة عن الحرب داخل سوريا، ولكنها كانت عبارة عن تصوير لما يحدث، من دون مناقشة الأسباب التى أودت لهذه الحالة، وأرى أن الخلاص من الإرهاب ودحره لن يتم إلا بمعرفة الأسباب التى ولدته، وأهمها فى رأيى مسألة غياب العدالة الاجتماعية فى العالم العربى؛ لأن الإنسان عندما يشعر بفقر وظلم فى وطنه، فهذا من الممكن أن يجرفه نحو منطقة الإرهاب، ولذلك تعد العدالة الاجتماعية المفقودة بمثابة السبب الأكثر أهمية لنشوء الإرهاب وإيجاد حاضنات له.
■ كيف ترى الثورات التى اندلعت فى عالمنا العربى؟ وهل تصفها بالربيعية أم ماذا؟
- هذه الثورات كانت ربيعية تسعى للتغيير، ولكن الدول الأجنبية استثمرت حماس ثوارها، وأخذت الثورة للمنطقة التى تبغاها وتريدها، وبالتالى لم تعد ثورات داعية للتغيير، وإنما تحولت إلى رغبات تدميرية، تتزعمها أمريكا وإسرائيل.
الثورات العربية كانت ربيعية وداعية للتغيير.. وأمريكا والصهاينة حولوها لمساعٍ تدميرية
■ ما رأيك فى الآراء التى تطالب الفنانين السوريين بتوضيح حقيقة الوضع بسوريا فى ظل اللغط المثار حولها من وسائل الإعلام؟
- صار هناك انقسام وشرخ مع الأسف الشديد، ولا أجد حرجاً عندما أقول إننا أصبحنا إرهابيين، بعدم تقبلنا للرأى الآخر، ولعدم سماعنا لبعضنا البعض طوال الوقت، حيث تحولنا إلى جبهتين؛ إحداهما لا تشاهد المعروض على بعض المحطات الفضائية، لأنها لا تمثل أهواءها الشخصية، والأمر ذاته بالنسبة للجانب الآخر، ومن هنا باتت الحقيقة غائبة، وأرى أن أجمل تعبير لهذه الحالة ما قدمته فى مسلسل بعنوان «سنعود بعد قليل»، قدمته فى العام قبل الماضى، وكان هناك مشهد لصحفى يحاول تصوير قناصة، وكان يشغل تفكيره سؤال واحد وهو: «لماذا من مات فى مكان يسمى قتيلاً وآخر يدعى شهيداً؟» وهنا تكمن الإشكالية، هذا بخلاف أن رأس المال أصبح يلعب دوراً كبيراً فى هذه الجزئية، وأظن أن مصر تشكو من سطوة رأس المال الخارجى، الذى يؤجج الأوضاع بداخلها، وهنا يأتى السؤال: «لماذا أصبح رأس المال سطوة؟» والإجابة أن هناك أناساً بحاجة لهذا المال، وهذا يعود بنا من جديد لمسألة الإحساس بالظلم والحاجة، وهذا يذكرنى بمقولة قالها معمر القذافى.
■ وما هى؟
- أولاً لست مع السلوك السياسى للقذافى، ولكنه قال كلمة جميلة ذات مرة وهى: «فى الحاجة تكمن الحرية» بمعنى أن الإنسان عندما يصبح بحاجة فهو ليس حراً، والعكس صحيح، وأقرب مثال على ذلك أنك عندما تأتى لشخص فقير، وتلوح له بورقة 100 دولار، فهذا ربما يدفعه لبيع وطنه ومبادئه فى سبيل معيشة أولاده، ولذلك أعيب على الأنظمة العربية، لأنها لم تنتبه إلى مسألة العدالة الاجتماعية.
■ ما تعليقك على صورة الطفل السورى الغريق الذى لقى حتفه أثناء هجرته لأوروبا مع أسرته؟
- هناك عشرات الحالات المماثلة تحدث يومياً فى سوريا، أى أن هذا الطفل ليس بالحالة الأولى التى تتعرض للغرق.
■ ما تقييمك للفيلم السورى «الأم» لسلاف فواخرجى الذى شاهدته ضمن فعاليات المهرجان؟
- شاهدت هذا الفيلم 3 مرات، وكلما أتابعه أنجذب إليه ويزداد تعلقى به، وأفهم رسالته بشكل أكبر وأوسع، وهو أشبه بالقصيدة الوطنية الإنسانية؛ لأنه ساحر فى صورته وإخراجه وموسيقاه وأداء ممثليه، بالإضافة إلى أنه يحمل رسالة التسامح، وهو ما نحتاج إليه حالياً، وأذكر أن الندوة التى أعقبت الفيلم شهدت واقعة تمثلت فى انتقاد أحد الحضور لظهور ضابط الأمن بالفيلم بشكل إيجابى، وهنا أقول إنه من المحتمل أن تجد ضابطاً يتسم بالإنسانية من بين 100 ضابط أمن، حيث لا بد من تسليط الضوء على عنصر الخير، باعتباره أكثر شمولية، وأرى أن هذا الضابط إذا لم يكن موجوداً، فلابد أن نخلقه ونخترعه كشخصية سينمائية، تحمل مبادئ الخير والتسامح، وليس بالضرورى أن نستمر فى سياسة الانتقاد طوال الوقت، أو أن نتجاهل الخير ونسير باتجاه الشر.
■ هذا عن السينما.. ولكن ماذا عن رؤيتك وتقييمك للدراما السورية؟
- الدراما السورية ما زالت تحتل موقعاً متميزاً، رغم الظروف الأمنية والقنابل التى تسقط يومياً على دمشق، ومع كل هذا سوريا صورت 30 مسلسلاً هذا العام، وشهدت بعض مواقع التصوير سقوط قنابل عليها، ما تسبب فى سقوط جرحى ومصابين، ولكنهم لم يتوقفوا عن التصوير، بل ارتاحوا لمدة 10 دقائق لتمالك أعصابهم، وعادوا بعدها لاستكمال التصوير.
■ أى من الفنانين السوريين المقيمين بمصر لفت انتباهك فنياً؟
- الله يوفق الجميع، ولولا تمتعهم بدرجة عالية من الموهبة لما تمكنوا من لفت الأنظار إليهم، ولكنى لا أود أن أذكر أسماء بعينها.
■ الجمهور المصرى اشتاق لرؤيتك فى أعمال فنية مصرية.. فلماذا تعد مبتعداً عن العمل بالسوق المصرية فى السينما والتليفزيون؟
- كانت هناك معركة دائرة منذ سنوات طويلة، عندما كانت إذاعة القنوات التليفزيونية مقتصرة على مكان بثها فقط، ولكن الوضع تغير حالياً مع عصر الانفتاح السائد حالياً، وانتشار القنوات الفضائية، وبالتالى من يريد أن يشاهدنى فسيتمكن من مشاهدتى بكل سهولة.
أصبحنا «إرهابيين» لأننا لا نقبل الرأى الآخر.. وأنا معارض للفساد وموالٍ لسوريا
■ ما أبرز المعوقات التى تعرضت لها على مدار مشوارك الفنى؟
- أنا شخص صبور وعنيد فى الوقت نفسه، وعندما خضت أولى تجاربى فى مجال تقديم البرامج التليفزيونية، طالب البعض بإيقافه، ولكنى لم أستسلم رغم المعاناة التى واجهتها على مدار مسيرتى الفنية، خاصة أننى أحب مقولة للسيد/ ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا إبان الحرب العالمية الثانية، قال فيها: «النجاح هو الانتقال من فشل إلى فشل دون أن تفقد الحماس» بمعنى أنك مهما فشلت لا تستسلم، ولا بد أن يتملكك الحماس طوال الوقت، وتحاول من جديد.
■ ولكن حماسك انقطع عن تقديم البرامج التليفزيونية بعد خوضك لهذه التجربة 3 مرات فقط؟
- المسألة لا علاقة لها بالحماس، وإنما مرتبطة بإحساسى بأن الفائدة من وراء هذه البرامج قد انتهت، لأن البرنامج عندما تنتهى دورته فمن الأفضل لمقدمه أن يبحث عن برنامج آخر، وأنا قدمت 3 برامج، وهى: «على مسئوليتى»، «عالم دريد»، و«دريد هذا المساء»، وأرى أن البرنامج الأخير لم يكن ناجحاً بنسبة مائة بالمائة، ولكنى اكتشفت خلال برنامج «عالم دريد» أن الطفولة مملكة أسوارها عالية، والأطفال لا يسمحون باختراق مملكتهم إلا من خلال أطفال مثلهم، واكتشفت أسلوب تفكيرهم وتفسيرهم لما يدور حولهم.
■ ألم تراودك الرغبة ذات مرة فى اعتزال الفن؟
- لم تخطر هذه الفكرة على بالى ولو للحظة، لأن الممثلين ليسوا برياضيين، حيث إن لاعب كرة القدم عندما يصير عمره 30 عاماً يصبح «كهلاً» ويعتزل مع وصوله للخامسة والثلاثين من عمره، ولكن الفنان يظل ملعبه مفتوحاً حتى آخر العمر.
■ البعض يطالب كبار الفنانين بالاعتزال على غرار مطالبة الكاتب وحيد حامد للفنان عادل إمام بترك الساحة الفنية.. فما رأيك فى ذلك؟
- إذا تحدثت عن المطرب الرائع جورج وسوف، الذى يعانى من أزمة صحية، ومشكلة فى أحباله الصوتية حسبما يعلم الجميع، ومع ذلك تجد حفلاته ممتلئة عن آخرها، ويحظى بمكانة خاصة فى قلوب محبيه، وأعتبره شخصياً بمثابة سيد من أسياد الطرب، ومن هنا أعود وأكرر أن الفنانين ليسوا كالرياضيين مطالبين بالاعتزال فى عمر معين.
■ ألا تتمنى تجسيد شخصية تاريخية معينة خلال الفترة المقبلة؟
- أحب تأدية الشخصية المعاصرة، بما تحمله من مشاعر إنسانية متباينة، لأنها تتمتع بالمصداقية لدى الجمهور، وبعيداً عن هذا وذاك، فأنا عندما أقرأ التاريخ لا أحبه، لأنه ليس مكتوباً على أيدى كتّاب، وإنما كتبته الأنظمة السياسية بما يلائم وجهة نظرها، ويظهرها نقية كالملائكة.
■ إذن هذه المسألة تجعلنا أمام خيار واحد وهو أن الفن مطالب بتوثيق الأحداث فى أعمال فنية أولاً بأول؟
- مهما كانت المحاولات بتوثيق الأحداث فلن نصل إلى الحقيقة المجردة، نظراً لوجود وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى، التى أصبحت تمكن كل شخص من معرفة الأحداث التاريخية فى حياته، ولكن تظل هناك بضعة أمور لا تستطيع تمريرها لعقلك، رغم حالة التطور التكنولوجى السائدة حالياً.
■ ألم تنتابك الرغبة فى تقديم دور سبق أن قدمه فنان مصرى وليكن مثلاً نور الشريف؟
- مع احترامى الكبير للصديق الحاضر نور الشريف، الذى لا أطلق عليه لقب «مرحوم»، لأنه ما زال حاضراً بيننا، بعد تركه للعديد من البصمات المهمة فى الفن المصرى، على غرار أم كلثوم وعبدالحليم حافظ وغيرهما، لم يخطر على بالى للحظة تأدية أى دور قدمه هو أو أى فنان آخر، لأنى أتمنى تقديم شخصيات معاصرة بسلبياتها وإيجابياتها، ولا أحب العودة إلى التاريخ لأنه «مزيف»، خاصة البطولات التاريخية، التى تجعلنا نتوقف فى مكاننا دون أن نخطو خطوة للأمام، بمعنى أننا نقول عن أنفسنا دائماً: نحن أحفاد صلاح الدين أو خالد بن الوليد، وكأننا اكتفينا بهم، ولا نرغب فى التقدم للأمام.
التاريخ أصبح «مزيفاً» لأنه مكتوب على هوى الأنظمة.. ولم أكن مع السلوك السياسى لـ«القذافى» ولكننى أحب مقولته: «فى الحاجة تكمن الحرية»
■ على ذكر نور الشريف.. كيف كانت علاقتك به؟
- كانت علاقة جيدة كحال علاقتى بكل فنانى مصر، رغم أننا لا نتواصل بشكل دورى، بحكم إقامتنا فى بلدين مختلفين.
■ وماذا عن أصدقائك المقربين من الفنانين المصريين؟
- كلهم أصدقائى، ولكن يظل عبدالحليم حافظ وشيريهان وسعاد حسنى لهم مكانة خاصة عندى، وأذكر أن شيريهان أقامت أسبوعاً كاملاً فى منزلى، وتحديداً وقت مشاركة فيلم «كفرون» بفعاليات مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، والتقيت شيريهان هناك وسألتها: «متى تأتين إلى سوريا؟» فردت قائلة: «وقت ما إنت عايز» فقلت لها: «حالاً»، وذهبت بالفعل إلى منزلها، وقامت بتجهيز حقيبة سفرها، وسافرنا معاً إلى هناك.
■ ما موقفك إذا ما تلقيت عرضاً لتقديم قصة حياتك فى عمل فنى؟
- أرفض بالتأكيد؛ لأن تقديم أى فيلم عن حياتى لن يكون حقيقياً ولن يتسم بالمصداقية، ولكنى أعكف حالياً على تسجيل مذكراتى، والتى سأقص فيها مرحلة طفولتى، وقصتى مع المخابرات وما شابه.
■ نسبت إليك تصريحات مؤخراً نقلاً عن حساب يحمل اسمك على موقع «تويتر» تهاجم فيها الرئيس السورى بشار الأسد.. فما حقيقة هذه التصريحات؟
- لا أمتلك صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى، وأنا أعد معارضاً للفساد وموالياً لسوريا، وهذه الجملة تلخص موقفى السياسى بالكامل، وبالتالى لست مسئولاً عما ينسب لى من تصريحات على هذه المواقع، التى أعتبرها بمثابة مواقع للتخريب الاجتماعى وليس للتواصل، فى ظل تعمد بعض الأشخاص كتابة تصريحات مسيئة على لسان الفنانين، مما يثير حفيظة الجمهور ضدهم.