رامى المتولي يكتب: «عصابة الماكس» كوميديا تسخر من «أفلام المقاولات»
![رامى المتولى](https://watanimg.elwatannews.com/image_archive/840x473/1441629211719248884.jpg)
رامى المتولى
ثمانينات وتسعينات القرن الماضى شهدا إنتاجاً غزيراً لمجموعة من الأفلام متوسطة الجودة والتكاليف الإنتاجية أو ما يصطلح على تصنيفها بـ B-Movies، تخلط ما بين الكوميديا والحركة والإثارة، وحققت رواجاً كبيراً مع انتشار أجهزة عرض شرائط الفيديو ونواديها، وضعف إنتاج الأفلام الجيدة فنياً وتجارياً من الناحية العددية، الأمر الذى كون اتجاهاً معروفاً حتى وقتنا هذا بـ«سينما المقاولات» وله سمات واضحة ومعروفة، وعلى الرغم من جدية صناعها فى هذا الوقت، فإنها تحولت مع مرور الزمن إلى مادة للسخرية نتيجة عدم الشعور بالراحة حيالها، وعدم توافقها مع أبسط قواعد الفن السينمائى، واتخذت السوشيال ميديا العديد من مشاهدها كمادة للضحك والسخرية من المرحلة ككل، لتتحول هذه الحالة إلى اتجاه كامل تحت مسمى كرنج أو Cringe.
التأثير الضخم الذى أحدثته هذه النوعية من الأفلام مع إعادة عرضها مرة أخرى بعد ترميمها عبر شبكات التليفزيون الفضائية حقق لها شهرة كبيرة تلقاها الكوميديانات الصاعدون فى العقد الأول من الألفية الثالثة، لتتحول إلى مادة خصبة فى أعمالهم بالشكل الذى حولها عندهم لوسيلة ثابتة فى توليد الكوميديا، ولم يقتصر ذلك على الأفلام السينمائية بل تخطاها للمسرح والتليفزيون، بعضهم استغلها كمشهد أو أكثر فى أعماله، كما الحال مع أحمد مكى فى فيلم «الحاسة السابعة» فى سخريته على أسلوبية الإعلانات والدعاية فى هذه الحقبة، من خلال الإعلان الذى تمت صناعته ليحيى فى الفيلم، والبعض الآخر بنى عليه عملاً كاملاً كما الحال مع الثلاثى شيكو وماجد وفهمى فى مسلسلهم «الرجل العناب» المعتمد بشكل رئيسى على إعادة إحياء الاستسهال والرخص الإنتاجى فى المسلسل، ما يؤدى إلى الشعور بعدم الراحة ويتحول المسلسل بدوره عند جمهور الألفية الجديدة إلى «كرنج»، مثله مثل «قبضة الهلالى» أو «المشاغبون فى نويبع» لكن الفارق أن الجمهور يدرك تماماً أن «الرجل العناب» هو كوميديا تسخر من هذا الشكل بإعادة إحيائه.
يمثل فيلم «عصابة الماكس» عملاً آخر من الأعمال التى تستلهم أفلام الإنتاج المتواضع فى الثمانينات والتسعينات وتعتمد الكوميديا فيه على السخرية من ثيمات هذه المرحلة وعقدها وحبكاتها الدرامية، وبناء الكوميديا فيه يعتمد على السخرية من هذه المرحلة تحديداً، ويمتد أيضاً للألفية الجديدة، تجلى هذا بوضوح فى البساطة المتعمدة للحبكات والأحداث، التى على الرغم من كونها تبدو وكأنها غير مترابطة وتعد مواقف متتالية فى رحلة طريق الأبطال لكن السيناريو الذى يحمل توقيع أمجد الشرقاوى ورامى على يربط هذه المواقف برباط قوى مدعم بكوميديا موقف تتطلب هوى بأفلام حقبة الثمانينات والتسعينات وما بعدها لفهم الكوميديا فيها، وتمثل هذا فى عدد من الشخصيات الرمزية كوجود المصريين من صعيد مصر بالصورة النمطية لهم فى أفلام هذه الحقبة، أو فى دخول شخصية المكسيكى أو ماكس (أحمد فهمى) فى معركة مع الهيلمانى بيه (محمد لطفى)، ويكون تصميم هذه المعركة معتمداً على رياضة الملاكمة التى مارسها محمد لطفى وتحولت لرياضة مرتبطة باسمه، نتيجة ظهوره فى عدد كبير من الأفلام فى بداياته كلاعب لهذه الرياضة ضمن أحداثها، أو حتى الاستغلال الأكثر من جيد لضيوف الشرف، وفى مقدمتهم حمو بيكا وأحمد السقا، اللذان ظهرا بشخصيتهما الحقيقية مقدمين مشهدين كوميديين باقتدار، معتمدين على الوعى الجمعى بهذه الشخصيات وطبيعتهم فى الواقع الحقيقى.
بدوره لعب فريق الممثلين فى الفيلم دوراً محورياً فى جودته إلى جانب السيناريو وتنفيذ مشاهد المعارك، هذا الفريق تم اختياره بعناية شديدة، ويجمع بين مواهب من مناطق وخبرات مختلفة، فالجمع بين حاتم صلاح وأوس أوس مع روبى ولبلبة وأحمد فهمى والتوافق بين أدائهم جعل الكوميديا فى الفيلم تصل لذروتها، فمع خبرة لبلبة الكبيرة وقدراتها كممثلة وفنانة استعراضية، واستغلال هذه القدرات مع موهبة روبى فى الغناء وكونها أيقونة جمال عند قطاع كبير من الجمهور جعل من المنطقى وجود مشاهد الرقص بالنسبة للبلبة، والدخول فى مسابقة ملكة الجمال بالنسبة لروبى، وهو استخدام فى محله يعجز الكثيرون فى الوقت الحالى عن توظيفه بهذا الشكل الفعال فى فيلم كوميدى، وهو ما يعيد النظر فى أهمية اختيار الممثلين وفريق العمل لخدمته لا لدوى أسمائهم كنجوم فى شباك التذاكر، فعلى سبيل المثال حمو بيكا ليس ممثلاً ولا مطرباً لكن تم توظيفه ليتحول وجوده إلى مشهد كوميدى صارخ بنطقه للكلمات وغنائه «كلمات» للمطربة ماجدة الرومى.
روح أحمد فهمى فيما قدمه من قبل كمؤلف تبدو واضحة جداً فى الفيلم، وعلى الرغم من تراجعه خطوة ودعم باقى فريق العمل من الممثلين وفتح مساحات كبيرة لهم من زمن الفيلم، فإنه يظل هو البطل، وكأن هذه الخطوة التى تراجعها للخلف قدمته للأمام خطوات، هذا بالإضافة للروح الساخرة الناقدة ذات الطابع الداكن التى يتبناها فى أدائه للشخصيات، الأمر الذى جعله بلا منازع الطرف الأقوى والأهم فى العمل.
تعد صعوبة هذا الفيلم وتفرده فى كون صناعه من هواة مشاهدة أفلام المقاولات، ومدركين لحجم تأثيرها كمكون فنى تطور التفاعل معه على مدار السنوات والأجيال المتعاقبة، يعرفون جيداً كيف يمكن استغلال الكثير من الإحالات والإسقاطات التى كونتها المسيرة الطويلة للسينما المصرية فى عمل حديث يخاطب جمهوراً معظمه ممن لم يشاهدوا هذه الأعمال وقت عرضها، أى أن صُناع هذا الفيلم اعتمدوا على ذكاء الجمهور ووعيه الجمعى وقدرته على الربط فى صناعة الكوميديا داخل العمل، وهو فى الحقيقة خيار شائك وسلاح ذو حدين موجه فى الأساس لصناع العمل قبل أن يكون موجهاً فى أى اتجاه آخر.
مع انفصال الثلاثى شيكو وماجد وفهمى بعد فيلم «الحرب العالمية التالتة» وانطلاق أحمد فهمى كبطل منفرد فى فيلم «كلب بلدى» والثنائى شيكو وماجد فى «حملة فريزر» حققت أفلام فهمى نجاحاً مدوياً فى شباك التذاكر المصرى، لكنها لم تكن على نفس المستوى الفنى مقارنة بأفلام الثنائى التى حققت إيرادات أقل لكن بجودة فنية ضمنت استمرارها عند الجمهور، لكن «عصابة الماكس» يمثل العودة الحقيقية لفنان موهوب، افتقد جمهوره هذه الموهبة فى عدد من الأعمال المتتالية، التى تخبط من خلالها فنياً وانتشى بحجم الإيرادات فى مقابل الجودة الفنية على الرغم من قدرته على تحقيقها بسهولة فى هذه الأعمال و«عصابة الماكس» دليل على ذلك، نتمنى أن يكون بداية لمرحلة تصحيح لا تنتهى فى مسيرة أحمد فهمى الفنان، الذى تصدى للشخصيات الصعبة والأفكار الجريئة فى معظم أعماله فى مرحلتى الهواية والاحتراف، ففى النهاية هذا التصحيح يعد استمراراً فى مسيرة الكوميديا فى السينما المصرية بكل ما لها من ثقل وأهمية فى الصناعة ككل، ويؤكد أهمية وجود مبدع مطور فى حجم أحمد فهمى