"شعبان".. شهر تحويل القبلة
شهر شعبان من الأشهر التي لها مكانة في الإسلام، حيث تُرفع فيه الأعمال، كما شهد أحداثًا مهمة وقعت في هذا الشهر العظيم. وكان من أهمها تحويل القبلة، حيث ظل المسلمون طيلة العهد المكّي يتجّهون في صلاتهم إلى بيت المقدس امتثالًا لأمر الله سبحانه وتعالى، الذي أمر باستقبالها وجعلها قبلةً للصلاة.
وفي تلك الأثناء كان رسول يمتثل للحكم الإلهي وفي فؤاده أمنية كبيرة طالما ظلّت تراوده، وتتمثّل في التوجّه إلى الكعبة بدلًًا من بيت المقدس، لأنها قبلة أبيه إبراهيم وهو أولى الناس به، وأوّل بيتٍ وضع للناس ولحرصه على أن تتميّز الأمة الإسلامية في عبادتها عن غيرها من الأمم التي حرّفت وبدّلت ويدلّ على ذلك قول البراء بن عازب: "وكان يحب أن يوجّه إلى الكعبة" رواه البخاري.
وما كان لرسول الله أن يخالف أمر ربّه، غير أنه استطاع الجمع بين رغبته في التوجّه إلى الكعبة وعدم مخالفة الأمر بالتوجّه إلى بيت المقدس بأن يصلّي أمام الكعبة، ولكن متّجها إلى الشمال، كما يدلّ عليه الحديث الذي رواه ابن عباس، حيث قال: "كان رسول الله يصلي وهو بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه" رواه أحمد.
ثم أذن الله بالهجرة، ووصل المسلمون إلى المدينة، وبُنيت المساجد وشرع الأذان والنبي لم ينس حبّه للكعبة، ويحزنه ألا يستطيع استقبال القبلتين جميعًا كما كان يفعل في مكّة، وكان شأنه بين أن يخفض رأسه خضوعًا لأمر الله وأن يرفعه، أملًا في إجابة دعوته، ويصف القرآن الكريم حال النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "قد نرى تقلب وجهك في السماء" البقرة.
وفي منتصف شعبان، وبعد مرور 16 شهرًا من استقبال بيت المقدس، نزل جبريل بالوحي إلى النبي ليزفّ البشري بالتوجّه إلى جهة الكعبة، قال تعالى: "فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره" البقرة.
ويحدّث الصحابي الجليل البراء بن عازب، أن النبي كان أول ما قدم المدينة نزل على أخواله من الأنصار، وأنه صلى قبل بيت المقدس 16 شهرًا أو 17 شهرًا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبَل البيت، وأنه صلّى أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: "أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله قِبَل مكة فداروا كما هم قِبَل البيت"، رواه البخاري.
وعلى الرغم من انتشار الخبر وذيوعه، إلا أنّه تأخّر عن أهل قباء حتى صلاة الصبح، فجاء إليهم رجل فقال: "أنزل الله على النبي قرآنا أن يستقبل الكعبة فاستقبِلُوها"، فتوجهوا إلى الكعبة" رواه البخاري.