عالم السياسة الأمريكى فيليب شميتر: ما حدث فى مصر ليس ثورة.. وإزاحة قيادات العسكر لا يعنى نهاية علاقة الجيش بالسياسة
ألقى أستاذ العلوم السياسية والأستاذ بالمعهد الجامعى الأوروبى بفلورنسا فيليب شميتر محاضرة عن «التحول من الحكم الاستبدادى وتوطيد الديمقراطية: دروس مستفادة» نظمها مركز شركاء التنمية بأحد الفنادق بالقاهرة الأسبوع الماضى، وعلى هامشها التقته «الوطن» للحديث عن عملية التحول الديمقراطى فى مصر وما انتابها من عراقيل.
فى البداية، قال شميتر لـ«الوطن»: «مصر لحقت متأخرة بقطار التحول الديمقراطى بعد أن شهد العالم موجتين من التحول بعد الحرب العالمية الثانية».
وأكد أن «ما حدث فى مصر ليس ثورة بالمعنى المتعارف عليه فى العلوم السياسية، ولكنه فعل ثورى محدود لم يكمل دورته وترك الأمور فى يد مؤسسات موجودة مسبقاً وجزء من الوضع القائم قبل 25 يناير، والتى بدورها اتخذت قرارات تصنف تحت بند الإصلاح. ومن ثم، فما حدث فى مصر مزيج من الثورة المحدودة والإصلاح».
وأفصح العالم الكبير لـ«الوطن» عن تشاؤمه من مسار التحول الديمقراطى فى ظل الإدارة المتخبطة للمرحلة الانتقالية واصفاً الوضع فى مصر الآن «بالمركب الصغير الذى يصارع رياحاً عاتية!».
وتابع شميتر: «البعض يربط بين التنمية الاقتصادية والديمقراطية ونظرية الحداثة التى تفترض أنه (كلما ارتفع قدر الدولة على سلم التنمية الاقتصادية، ازدهرت الديمقراطية فيها)، ولكن هذا الافتراض ليس صحيحاً إطلاقاً، فدولة مثل كوستاريكا طورت مؤسساتها وسارت فى طريق الديمقراطية رغم تراجعها الاقتصادى وامتلاكها واحداً من أقل النواتج المحلية الإجمالية فى العالم. لذلك لن يكون وضع مصر الاقتصادى عائقاً أمام الديمقراطية».
وأوضح أن «الفقر لن يكون عائقاً أمام تحول مصر للديمقراطية، هناك دول تعانى من الفقر وسارت فى طريق الديمقراطية مثل الهند»، إلا أنه وضع يده على «المشكلة الأكبر فى مصر؛ الافتقار للعدالة فى توزيع الدخل والفروق الكبيرة بين الطبقات»، مؤكداً أن «أى انجراف فى اتجاه السياسات الرأسمالية سعياً وراء التنمية قد يعمق تلك المشكلة».
وأشار إلى أن «المعروف عن سياسات وشروط صندوق النقد الدولى أنها تعمق الفروق الاجتماعية»، لكنه أكد أنه لم يطلع على محادثات الصندوق مع مصر حتى يكوّن رؤية كاملة.
ورداً على سؤال حول دور قرارات أغسطس الماضى فى إخراج المؤسسة العسكرية من الحياة السياسية قال شميتر: «إزاحة القيادات لا يعنى انتهاء علاقة الجيش بالسياسة، لكنها عملية ديناميكية الغرض منها بث روح جديدة فى المؤسسة».
واستطرد شميتر: «ترسيخ الديمقراطية فى مصر يتطلب التوفيق بين الديمقراطية كمجموعة من القواعد والإجراءات المتفق عليها عالمياً والبيئة الداخلية، وهذا بالطبع يعنى أولاً التوفيق بين الديمقراطية ودور المؤسسة العسكرية، وقد تكون هناك اتفاقات سرية بين اللاعبين السياسيين لتحقيق ذلك التوفيق المطلوب».
وانتقل شميتر للحديث عن الأحزاب السياسية قائلاً: «الأحزاب فى مصر لا تؤدى دورها فى قيادة مرحلة التحول الديمقراطى، وتذكرنى بدراسة إحصائية أجريت فى دول أوروبا الشرقية وكان سؤالها الرئيسى: هل أنت عضو فى أى حزب سياسى؟ وكانت النسبة التى أجابت بنعم ضحلة جداً، كذلك سئل المشاركون: هل من حزب يعبر عن مصالحك؟ والإجابة بنعم شكلت نسبة ضئيلة أيضاً».
وتابع: «لا أعتقد أن المجتمع المدنى بإمكانه شغل الفراغ الذى خلفته الأحزاب، ويمكن أن يلعب المستقلون هذا الدور».
ولفت شميتر إلى أن «الفوز بأول انتخابات ليس ميزة للحزب الفائز ولا يضمن له الاستمرار فى السلطة، والتجارب التاريخية تؤكد ذلك».
وقال شميتر: «إن عملية التحول الديمقراطى فى مصر بصفة خاصة ودول الربيع العربى تفتقر لدعم منظمة إقليمية قوية فيما يُعرف (بالتأثير الإقليمى)، فالجامعة العربية لا حول لها ولا قوة ولا تستطيع أن تدعم تلك الدول وأن تقف فى ظهرها حتى تعبر مرحلة التحول».