لم يقتله السن ولا العجز لكنه مات مرتين: الأولى عندما طردوه من بيته.. والثانية عندما فشل فى العودة إليه
![لم يقتله السن ولا العجز لكنه مات مرتين: الأولى عندما طردوه من بيته.. والثانية عندما فشل فى العودة إليه](https://watanimg.elwatannews.com/old_news_images/large/30575_660_1129456_opt.jpg)
فى أحد أركان الغرفة يحاول أن يلملم نفسه أو ما تبقى منه، رجل كهل فى التسعينات من العمر، يرتدى جلباباً أبيض، وطاقية من اللون نفسه، على ملامحه يخيم الحزن والوجوم، عيناه اللامعتان تعملان دون جدوى بعد أن فقدَ البصر، وعلامات على جسده تُذكره بما حدث ذلك اليوم، عندما اقتحمت عائلة «أبوليلة» منزله فى وضح النهار وأخرجته بالقوة، وهو لا حول له ولا قوة، وكزوه بماسورة السلاح الآلى، فأسقطوا سبحته، وذهبت كرامته، بينما آخرون يعتدون على رفيقة دربه المُسنَّة، ويطردونها بالقوة من منزلها، عم «أحمد» وزوجته «صبرية» أصابهما ما أصاب أهل عزبة الدكتور جميعاً من إهانة وذُل.
كل ما يتذكره الرجل التسعينى هو المشاجرة التى حدثت فى البلد، والشخص الذى قُتل من عائلة «أبوليلة»، يقول بصوت مبحوح: «لما عيلة أبوليلة ضربوا نار على البلد.. الطلقة طلعت من واحد فيهم وأصابت واحد منهم.. يعنى الطلقة طلعت منهم فيهم، واتهموا أهل البلد إننا اللى قتلناه».
آخر شىء تطرق إلى مسامع الرجل المسكين هو صوت إغلاق بوابات بيته الذى قضى فيه حياته كلها: «كل اللى سمعته صوت جنازير وقفل بيقفلوه على باب البيت بتاعنا.. وأنا مش شايف».. النحيب والبكاء سيطرا على العجوز فكل ما يتمناه هو الموت داخل منزله وليس عند أحد أقاربه: «عاوز أرجع البيت.. بيتى هو كل حاجة أملكها فى الدنيا.. نفسى أموت هناك.. تعبت، أنا بطلع النفس بالعافية».
تجذب «صبرية» أطراف الحديث وتستنجد بالرئيس محمد مرسى: «هو اتظلم زينا.. وأكيد لو عرف حقنا هيوصلنا»، وكلما تتذكر يوم أن طردتها عائلة «أبوليلة»: «دخلوا علينا بضرب النار والسلاح معاهم.. نقول لهم حرام عليكم.. نزلونى بالهدوم اللى كنت لابساها.. الجلابية كنت لابساها على العريان.. حتى الحجاب مرضيوش يخلونى آخده معايا.. أنا حجيت بيت الله يا ابنى.. بهدلونا ومرمطونا فين الحكومة اللى هتحمينا.. هنروح يعنى دولة تانية».
«حسن» أحد الأحفاد يروى الألم الذى عاناه عندما حاول الذهاب مجدداً إلى «العزبة» بعد أن طردتهم عائلة «أبوليلة»: «مسكونى وعذبونى.. ضربونى بماسورة البندقية، والجنازير، وهددونى إنهم هيقتلوا كل عيلتى». الطالب فى المرحلة الثانوية ظل قعيد البيت لمدة عام خوفاً من مقابلة أحد من عائلة «أبوليلة» فى المدرسة: «لو رحت فى مكان وقابلونى.. بيقعدوا يشتمونى ويهددونى».