م الآخر| ارحموا هذا الرجل
كان من أسمى أهداف ثورة 25 يناير، التي لم أؤمن بها على الإطلاق، هو تغيير النظام الحاكم في مصر، والإطاحة بالرئيس الأسبق مبارك من على كرسي الرئاسة، لأن أنصار الثورة كانوا يعتبرونه نظامًا فاسدًا، يسرق وينهب من قوت الشعب المصري البسيط، ولم يكتفوا بذلك فقط ولكن طالبوا بمحاكمة كافة من ينتمي لهذا النظام، وبالفعل تمت محاكمتهم وتم الحكم على الرئيس السابق أن يعيش الباقي من حياته داخل أربعة جدران وحيدًا شريدًا حتى آخر أيام حياته.
أرى من وجهة نظري أن هذا الحكم ظالم بعض الشيء، حيث لم يراع أنه رجل كبير قد تعدى الثمانين من عمره، ومريض بأمراض "ربنا الأعلم بها".
أرى أن هذا الرجل لم يفعل شيئًا على الإطلاق، وبالتأكيد مثله مثل أي مواطن، في نفس سنه وفي نفس ظروفه، كان يأمل أن يتم علاجه ويشفى من أمراضه، ليعيش وينعم مع أولاده وأحفاده مثل أي مواطن عادي، وطالما أن الحكم جاء بحبسه مدى الحياة، وطالما أن حالته الصحية تستوجب أن يقضي بقية أيامه في مستشفى ما بين أربعة جدران، إذن، ما الداعي لنقله من مستشفى لمستشفى إلا أنها تحكمات فارغة فقط، لإرضاء أنصار هذه الثورة، فكان من الأحسن أن يظل بالمستشفى الذي كان يرقد بها قبل صدور ذلك الحكم الظالم.
في الحقيقة لا أرى أي داع لهذا النقل، لأن المستشفى الذي تم نقله فيها لا تختلف عن سابقتها فهو في كلتا الحالتين حبيس أربعة جدران، وحيد شريد لا أحد يؤنسه في وحدته، ولكن على الأقل كانت هناك خدمة ممتازة وأطباء على مستوى عالٍ والأجهزة الحديثة التي تجعل حالته على ما يرام، ولكن كما رأينا على التو فور انتقاله إلى أخرى، ساءت حالته الصحية وكل محبيه يدعو له بالشفاء العاجل.
أليس هذا حرام يا سادة يا كرام، ما الذي جناه هذا الرجل كي تكون هذه نهايته، أهذا يعقل أن تكون هذه نهاية رجل حكم مصرنا الحبيبة ثلاثين عامًا دون أن يكل أو يمل، وهو يحمل هذا البلد وهمومه ومشاكله فوق كتفيه، فقد كان يحمل هم هذا البلد وكيف يحميه داخليًا وخارجيًا.
هذا الرجل الذي كان يحمل هموم 90 مليون مواطن، من حيث المأكل والملبس والمأوى فوق رأسه ويسعى لحلها، هذا الرجل الذي ضحى براحته وسعادته من أجل أن نعيش في أمن وأمان ولا نشعر بالخوف، وننظر حولنا ونحن نمشي في الشارع كما يحدث الآن.
وها قد جاءت ثورة 25 يناير، وحققت أسمى أهدافها وأطاحت بهذا الرجل الكريم من منصبه، وجعلته يذل هكذا في آخر أيام حياته، ويتم "بهدلته" من مستشفى لأخرى في آخر أيام حياته بدلاً من أن يكون معززًا مكرمًا مثله مثل أي شخص.
أرضيتم بهذا ياسادة يا كرام، أرضيتم بالفوضى التي تعيش مصر فيها الآن، أرضيتم بالحال التي وصلت إليه البلاد من تدني الاقتصاد المصري ونقص مواردنا.
وبعد كل هذه الأسئلة التي تدور في ذهني وذهن الكثير من الناس، ممن هم مثلي الذين جاءوا إلى الدنيا وهم لا يجدون سوى ذلك الرجل المسكين الذي كان يحمل همومهم وأوجاعهم دون كلل أو ملل أو حتى دون أن يشتكي.
ومن هنا أناشد وأقول: "ارحموا هذا الرجل".