على مساحة طولها 91 مترا وارتفاع 20 مترا، بني "الجامع الكبير" في بلدة جينيه، الذي يقع في منطقة نائية قاحلة في الصحراء الحارقة جنوبي مالي، بناء جذابا وفريدا، كما يعد أضخم بناية مشيدة من الطوب الطيني في العالم.
وهناك العديد من التفاصيل والحكايات حول بناء هذا المسجد والاحتفال به سنويا عن طريق إعادة بناءه، عرضها موقع "بي بي سي عربية".
ازدهرت البلدة بين القرنين الثالث عشر والثامن عشر، وأصبحت جينيه مركزا لتعليم الإسلام، وشُيد البناء الحالي للمسجد الكبير عام 1907 على موقع المسجد الأصلي الذي تعرض للإهمال خلال القرن التاسع عشر.
ويبرز جليا التأثير الإسلامي في الوقت الراهن، إذ يدرس التلاميذ عادة القرآن في الشوارع.
صفات الجامع الكبير ومميزاته
ضم "الجامع الكبير" 3 مآذن مميزة، وتبرز خارج جدران المبنى مئات القوائم الخشبية من النخيل والتي تعرف باسم "تورون" أي الحبال، ويحتفظ المسجد ببرودته خلال الأيام شديدة الحرارة.
ويدعم السقف والجدران سقيفة مكونة من 90 قائما خشبيا، وهو ما يوفر عازلا عن حرارة الشمس، بينما توجد ثقوب في السقف تسمح بمرور الهواء النظيف في موسم الصيف والجفاف، ويمكن سدها بأغطية طينية أثناء موسم المطر، وتتسع قاعة الصلاة في المسجد لثلاثة آلاف شخص.
إعادة بناء سنوية
يُعاد بناء جدران "الجامع الكبير" في جينيه في شهر أبريل من كل عام في يوم ملحمي يطلق عليه بالفرنسية "لا كريبيساج" (أي إعادة كساء المبنى بالطين).
ويتطلب البناء صيانة سنوية كما هو متبع مع بيوت البلدة التقليدية المبنية بالطين اللبن.
وتضمن هذه المبادرة الجماعية الهائلة صمود المسجد أمام الانهيار خلال موسم المطر، على الرغم من اختلاف شكله بعض الشيء في كل عام.
احتفالات إعادة بناء المسجد
ولا يقتصر الاحتفال على الصيانة فقط، بل هو احتفال يعكس معتقدات وتراث أهالي جينيه، وفي الليلة التي تسبق إعادة البناء والترميم، تسود حالة من الترقب والاستنفار، ويشارك أهل البلدة في مهرجان للرقص والغناء يُعرف بليلة السهر.
وتدوي في الشوارع المضاءة بنور القمر صيحات ودقات طبول قبل أن تُطلق الصافرة حوالي الساعة الرابعة فجرا ليبدأ الحدث السنوي الأهم.
منافسة مجتمعية
بمجرد بدء عملية "إعادة كساء المبنى بالطين" تتنافس فرق من كل أحياء جينيه لإعادة كساء المسجد، ويتسلق الشباب واجهة المسجد، تحت إشراف مجموعة من 80 بناءً.
وتتنافس الفرق فيما بينها لإكمال القسم الخاص بكل منها أولا، والفوز في هذه المنافسة مصدر فخر حقيقي للمتنافسين الذين يتسلم الفائز منهم أيضا جائزة مالية بالعملة المحلية (تعادل نحو 68.5 جنيه إسترليني).
كيف يتم بناءه
بالإضافة إلى أعمال الترميم يقوم رجال بمهمة تحضير وإعداد مادة البناء المعروفة باسم "بانكو"، وهي مزيج من الطين الناعم من الأنهار القريبة، وقش الأرز، ومسحوق الباوباب (شجر ضخم ينبت في البلاد الحارة) وزُبدة الشيا والماء، ثم وضعون كميات كبيرة من البانكو في سلال الخيزران ويذهبون بها إلى المسجد، وسرعان أن تصبح أجساد العاملين بعد وقت قصير ملطخة بالكامل بالطين.
وبعد نحو خمس ساعات من بدء هذه العملية، تشرق الشمس لتضيء المسجد الذي اكتست جدرانه بالطين الجديد والذي يكتمل في العادة بحلول التاسعة صباحا.
وعبرت منظمة الأمم المتحدة للتعليم والعلوم والثقافة "اليونسكو" عن إعجابها بتميز بلدة جينيه بطراز معماري فريد وجدير بالاهتمام، والمسجد الكبير يظهر ذلك كله.
تعليقات الفيسبوك