مدير مركز الأزهر للفتوى: الرسول محمد أسس قواعد الحجر الصحي والعزل المنزلي
الدكتور أسامة الحديدى، مدير مركز الأزهر العالمى للفتوى
قال الدكتور أسامة الحديدى، مدير مركز الأزهر العالمى للفتوى، إن الإسلام جعل حفظ النفوس من مقاصد الشريعة، ووضع النبى عليه الصلاة والسلام قواعد واضحة لمواجهة الأوبئة، على رأسها ما نعرفه الآن باسم الحجر والعزل الصحى، وسار الصحابة والمسلمون على هذا النهج من بعده، وهو ما ساعدهم على مواجهة العديد من الأوبئة التى عاشها المسلمون.
وأضاف «الحديدى» فى حوار لـ«الوطن»: علينا ألا نستهين بالأمراض والأوبئة وألا نذعر أمامها فكل شىء بقدر الله، ونحن ملزمون بالأخذ بالأسباب، وأهم الأسباب الآن تنفيذ تعليمات مؤسسات الدولة فى هذا الشأن حرفياً، حتى ننجو جميعاً من هذا الداء المنتشر، وعلى الجميع أن يتقوا الله ويلتزموا البيوت تنفيذاً للتعليمات، والتضرع إلى الله لكشف الغمة.
د. أسامة الحديدى: "نبينا الكريم أمر بالصلاة فى البيوت أثناء المطر.. فكيف لا ينفذ المسلمون هذا الأمر النبوى فى زمن الوباء؟!"
كيف واجه الإسلام الأوبئة عبر تعاليم الرسول؟
- جعل الإسلام حفظ النفوس وحمايتها من الأخطار من أعظم مقاصد الشريعة الإسلامية، وأكد حرمة ما من شأنه أن يؤدى إلى هلاكها أو الإضرار بها، فقال سبحانه «وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ»، وقد رفع الله عنا الحرج حتى فى أداء العبادة التى هى فى حق المؤمنين أوكد، فقال جل شأنه «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِى هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ»، وجعل من أعلى المقاصد الحاكمة فى كتابه مقصد العمران فقال عز من قائل «هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ مُجِيبٌ»، وأرسل نبيه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، فقال «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ»، وكان من أهم مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم حفاظه على الأنفس، فعندما مرت عليه جنازة يهودى قام واقفاً فقال له بعض أصحابه إنها جنازة يهودى، فقال: «أليست نفساً؟!».
ولما كانت غايته صلى الله عليه وسلم المحافظة على النفس أياً كانت، وضع قواعد وضوابط تنظم حركة الحياة وتحفظ الأنفس من الهلاك (ما نسميه الآن الحجر الصحى أو العزل المنزلى)، فقال «لا يوردن ممرض على مصح»، وقال: «إذا سمعتم الطاعون بأرض، فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فراراً منه».
هل هناك أمثلة لحوادث تاريخية فى التعامل مع الأوبئة؟
- نعم، لقد طبق أصحاب النبى رضوان الله عليهم هذه القواعد على أنفسهم وعلى من معهم تطبيقاً عملياً، استجابة للأمر الوارد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى الخبر الذى رواه الإمام مسلم أن «سيدنا عمر -رضى الله عنه- خرج إلى الشام فلما جاء سرغ بلغه أن الوباء قد وقع بالشام، فأخبره عبدالرحمن بن عوف، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا سمعتم به بأرض، فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فراراً منه» فرجع عمر بن الخطاب من سرغ. وكان ذلك الأمر من النبى -صلى الله عليه وسلم- حفاظاً على حياة الناس، ولمنع انتشار المرض، وقال صلى الله عليه وسلم لسيدنا عقبة بن عامر الجهنى عندما سأله عن النجاة «أمسك عليك لسانك وابكِ على خطيئتك وليسعك بيتك».
أقول للمواطنين: اتقوا الله والزموا بيوتكم وتضرعوا إلى الله لكشف الغمة.. وتوقفوا عن التجمعات والمصافحات
ما أوجه التقصير اليوم فى تطبيق هذه القواعد النبوية للحجر؟
- نقصر كثيراً ونهمل كثيراً ونهون من الإجراءات التى يجب علينا أن نأخذها على محمل الجد وبعين الاعتبار حفاظاً على أنفسنا وعلى أسرنا وعلى مجتمعنا، يجب علينا أن ننفذ التعليمات ونتبع الإجراءات التى اتخذتها الدولة ومؤسساتها للمحافظة علينا حتى انحسار هذا الوباء، وعلينا أن نستجيب لما فيه سبيل النجاة.
وهناك تعليمات بلزوم البيوت، وكثير من الناس يصر على الخروج لسبب وغير سبب، وتعليمات بعدم المصافحة، ويصر كثير من الناس على المصافحة، وتعليمات بمنع التجمعات، ويقوم البعض بعمل حفلات وتجمعات غير مبررة، هذه جرائم كبرى فى حق المجتمع بصفة خاصة والبشرية بصفة عامة، فعلى الجميع أن يتقى الله ويلزموا بيوتهم ويسمعوا ويطيعوا ويلجأوا إلى الله بالدعاء والتضرع إليه لكشف الغمة
البعض يصر على إقامة الصلوات رغم المنع المؤقت لمكافحة الفيروس، كيف ترى ذلك؟
- كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد ومطر أن يقول: «ألا صلوا فى الرحال». أخرجه البخارى. وعن عبدالله بن عباس رضى الله عنهما أنه قال لمؤذنه فى يوم مطير: «إذا قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، فلا تقل: حى على الصلاة، قُل: صلوا فى بيوتكم، قال: فكأن الناس استنكروا ذاك. فقال: أتعجبون من ذا، قد فعل ذا من هو خير منِّى، إن الجمعة عزمة، وإنى كرهت أن أحرجكم فتمشوا فى الطين والدحض»، أخرجه مسلم. فإذا كان هذا فى المطر فهو فى وقت وقوع البلاء والوباء والجائحة أوْلى.