«الوطن» تقضى يوماً كاملاً مع طبيب مُضرب بمستشفى السنبلاوين
فى موعده المعتاد، يصل الطبيب أحمد السيد عبدالرؤوف لمستشفى السنبلاوين العام بمحافظة الدقهلية، يوقع فى كشف الحضور، ثم يتوجه لعيادة الأنف والأذن والحنجرة الخاوية من المرضى. ينتظر بفارغ الصبر صرف مستحقات الشهر الماضى عن تذاكر العيادة لكنها لا تأتى، تنقطع أخبارها تماماً، كان يعول عليها كثيراً هذا اليوم، لأنه لا يحمل فى جيبه سوى 20 جنيهاً، هى كل ما يملك.
يجلس فى عيادته وحيداً لساعات حتى يشعر بالملل والإحباط، انتابته حالة من الحزن عندما دعت عليه سيدة بسبب امتناعه عن الكشف عليها، وكذلك امتنع عن العمل تنفيذاً لقرار الجمعية العمومية لنقابة الأطباء».الوطن» قضت يوماً كاملاً مع عبدالرؤوف وهو مضرب عن العمل بمستشفى السنبلاوين المركزى بمحافظة الدقهلية.
يقع المستشفى بأطراف المدينة بجوار ترعة صغيرة، خلال يوم الإضراب الأول من العام الجديد، كان لا يعمل بالمستشفى سوى قسم الاستقبال ومركز الغسيل الكلوى، أما العيادات الخارجية، فمضربة جميعها عن العمل، وهى التى كانت تفيض بالمرضى من قبل، حيث كانت تستقبل كل عيادة 120 حالة فى اليوم الواحد.
استيقظ «أحمد» فى السابعة صباحاً وقبل ابنته ندى التى تبلغ من العمر عامين، ثم خرج بعدها قاصداً موقف السيارات بقرية ميت العامل مركز أجا دقهلية، ركب فى صندوق سيارة نصف نقل، ووصل مدينة السنبلاوين بعد ساعة تقريباً، ثم ركب «توك توك» إلى المستشفى. فور وصوله وقّع فى كشف الحضور تمام التاسعة صباحاً، وتوجه إلى عيادته الخالية من المرضى، حاول قتل الوقت، فأخذ يقرأ فى صحيفة يومية ليتعرف على تطورات إضراب الأطباء وردود الأفعال.
أمام شباك تذاكر العيادات الخارجية، حضرت بعض السيدات يطلبن قطع تذاكر للكشف، لكن العاملين أخبروهن بنبأ إضراب الأطباء، فقمن بالدعاء عليهم «هما دول ملايكة دول شياطين، إن شالله ينضربوا، وينشكوا فى قلوبهم». يستقبل الطبيب المضرب كلام السيدة بغضب شديد، ويقول: «دول فاهمين إننا عاملين إضراب عشان الفلوس لكن إحنا عملنا كدا عشان تحسين الخدمة ليهم».
يتذكر «أحمد» الصعوبات التى واجهته عندما كان طالباً بكلية الطب جامعة المنصورة، بالإضافة إلى ما أنفقه عليه والده ليصبح طبيباً. يحكى «أحمد» قائلاً: «تخرجت عام 2005، وتم تكليفى بالخدمة العامة لمدة عام، قضيت 6 أشهر منها بمستشفى الشيخ زويد بشمال سيناء، كان مرتبى وقتها 850 جنيهاً. ثم تم تجنيدى كضابط احتياط لمدة 3 سنوات كاملة، وما إن انتهيت من الخدمة العسكرية، وجدت 6 شهور أخرى من الخدمة العامة بمستشفى المطرية بالدقهلية فى انتظارى لاستكمال عام التكليف، الذى يفرض على طلاب الطب».
يتوقف الطبيب الشاب عن الحديث قليلاً، وينظر فى الفراغ، ثم يكمل بصوت حزين: «رغم أن المطرية ضمن مدن محافظة الدقهلية، فإننى كنت أقضى ثلاث ساعات ونصف الساعة فى الطريق إليها، لأنها تقع بشمال المحافظة، فى ذلك المستشفى خضت تجارب لن أستطيع نسيانها لغرابتها وخطورتها، حيث كانت تضطرنى الظروف للكشف على مرضى الباطنة والجراحة ومعظم التخصصات تقريباً بسبب النقص الحاد فى عدد الأطباء».
فى عيادة الأنف والأذن الخالية من المرضى، يواصل الطبيب حديثه: «تم تعيينى بمستشفى السنبلاوين المركزى منذ 4 سنوات تقريباً، أشعر بالظلم البين، لأن الحكومة أضاعت 4 سنوات من عمرى، ومع ذلك بنتبهدل زى ما أنت شايف، بدأت حياتى العملية والوظيفية بعد سن الثلاثين، ولولا والدى ما استطعت الزواج، لأنه تكفل بكل التكاليف وأعيش معه فى البيت، وهو مهندس زراعى على المعاش يبلغ عمره 68 سنة».
يقطع كلام «أحمد» حضور بعض المرضى الغلابة لتلقى العلاج، يرق قلب الطبيب، يقطع الإضراب الذى التزم به منذ الصباح «الناس دول غلابة مش قادرين يتعالجوا بره ما ينفعش نتخلى عن رسالتنا، يقوم الطبيب المضرب بالكشف على حوالى 8 حالات فى اليوم بدون قطع تذاكر.
يعاود «أحمد» الحديث عن نفسه: «مرتبى 1200 جنيه فقط هو كل ما أملك، وبكل تأكيد لا أستطيع افتتاح عيادة خاصة، لأن تخصصى به جراحة، وحسب تعليمات وزارة الصحة والنقابة العامة للأطباء لا أستطيع عمل ذلك إلا بعد نيل درجة الماجستير، وإذا قمت بفتحها، سأحال إلى النيابة العامة فوراً لعدم وجود ترخيص، ومع ذلك اضطر عدد كبير من زملائى إلى فتح عيادات خاصة، حتى يستطيعوا العيش، لأن مرتبهم الحكومى يكفى بالكاد إيجار الشقق التى يقيمون بها، ومصاريفهم الشخصية، كما أن تكاليف افتتاح عيادة خاصة مرتفعة لا أملك من ثمنها شيئاً، بالإضافة إلى مصروفات الماجستير المرتفعة حيث يتوجب على دفع 1300 جنيه سنوياً لجامعة الزقازيق كمصاريف دراسة، وعندما طلبت من وزارة الصحة دفع المبلغ رفضت بشدة، مما دفعنى لاقتراض المبلغ، فأنا أسير فلوس الحكومة».
الوقت يمر على الطبيب المضرب ببطء شديد، لا يخفى أنه مَل من الإضراب ويتمنى أن يكشف على المرضى من جديد كما تعود كل يوم، ثم يستطرد قائلاً: «سمعت من أحد الأطباء المشهورين بالقاهرة، أن وكلاء وزارة الصحة ومدراء المستشفيات يتقاضون مبالغ مالية ضخمة، ويحصلون على نسب ثابتة على تذاكر كشف العيادات والعمليات بالعلاج الاقتصادى، وإذا أعيد توزيع تلك المرتبات من جديد بعدالة على الجميع، سيحصل أصغر طبيب على 5 آلاف جنيه ولن تحتاج وزارة الصحة إلى جنيه واحد لتوفير مرتبات الأطباء».
يشكو «أحمد» من انعدام الأمن بالمستشفى قائلاً: «نتعرض لاعتداءات لفظية من أقارب المرضى «اللى بيجاملوا كتير، بيقتحموا المستشفى، وبيشتمونا وممكن يضربونا كمان»، وينتقد الطبيب أيضاً تردى نوعية الأدوية المقدمة للمريض، قائلاً إنها «غير فعالة»، بالإضافة إلى عدم توافرها بكميات مناسبة، بجانب نقص المعدات بغرف العمليات.
اقتربت عقارب الساعة من الثانية ظهراً، وهو موعد انصراف «أحمد» فى الأيام العادية، لكن هذا اليوم سيقضى الشفت المسائى بالمستشفى، رغم الإضراب، على أن ينصرف منها فى تمام الساعة الثامنة مساء.