م الآخر| 25 قرشا
تكاتفت أيادٍ كثيرة لتلقي بي في تلك الحفرة، سقطت.. وظللت أسقط طويلا، إلا أنني ما زلت أشعر بأيادٍ تمسك بي، أو تدفعني، وفجأة.. هدأ كل شيء، نسيت كل ما يتعلق بالحفرة، إلا فيما بعد. هكذا أيقظني أصدقائي بعد محاضرة طويلة – ومملة – في النقد العربي القديم، إلا أن تلك الغفلة القصيرة عوضتني عن سهر الليلة الماضية، وبثت فيّ يقظة وكأنني نمت اليوم كله.
بدأت أتذكر رويدًا رويدًا.. وأول ما تذكرته أن اليوم انتهى، بمحاضراته، بنقده، بملله، وبالحفرة.. ما بالي أحلم كثيرًا بتلك الحفرة!، أسقط فيها أحيانًا، وتبتلعني أحيانًا، وما الفرق؟!، لا أعرف، فالأحلام عجائب لا أتذكر معظمها، وما أتذكره لا أستطيع تفسيره.
هززت جيبي بخفة وخفاء، نعم.. موبايل، ولاعة، الجنيه تمام، - كده مش هشيل هم المرواح -.
يتبقى عادة 25 قرشًا منه، لا أعرف ماذا علي أن أفعل بهم، فلا يكفون لشراء سيجارة – كيلوباترا – ما علينا.
أخيرًا.. سائق مثقف، أو على الأقل لديه ذوق فني، ويشغل الست – أم كلثوم – في الكاسيت.
- لو سمحت على مهلك يا أسطى، إحنا عايزين نروح بيوتنا، خالي بالك من الملف بالله عليك!
- عايز إيه يا بيه! ورديتي انتهت وعايز – ألحق – أسلم العربية. وكمان إحمد ربك إني هوصلكم بسرعة.
- يا سيدي إحنا مش عايزين نوصل بسرعة.
- يا باشا..
وحدث ما لم يحدث منذ فترة على ذلك الكوبري، فلت المقود من يد السائق، ربما بسبب دهس السيارة على شيء ما!.. وكانت الرحلة إلى أسفل.. أتلك هي حقيقة الحفرة؟!، هل كل هؤلاء كانوا يحلمون الفترة الماضية بحفر أيضًا؟، لا.. هذا لا يحدث، أنا ما زلت في المحاضرة.. اليوم عادي جدًّا، المحاضرات، النوم، والملل.
لماذا كل الركاب يمسكون بي؟ ويتدافعون نحوي؟ لا.. إنهم يحاولون دفعي. كلنا هنموت يا جماعة. لا تدفعوا بي خارج السيارة، لن تعود السيارة إلى الكوبري مرة أخرى لو سقط منها، أرجوكم دعوني أموت في هدوء، أبعدوا أياديكم عني!
- ماذا..
- يا بيه .. يا بيه .. حضرتك نازل فين؟
- المساحة.
- طب ماقولتش ليه يا بيه؟ عدينا محطتين بعديها..
- خلاص خلاص، حصل خير.
بدأت أتذكر شيئًا فشيئًا، لكن أول ما تذكرته هم الـ25 قرشًا، وتساءلت بماذا سينفعونني الآن!