جولة فى «بيت الأمل» للأيتام: تربية وتعليم.. واكتشاف وصقل للمواهب
![أطفال الدار أثناء ساعات اللعب](https://watanimg.elwatannews.com/image_archive/840x473/17102909841538589618.jpg)
أطفال الدار أثناء ساعات اللعب
الزمان: صباح باكر، المكان: دار الأمل لرعاية الأيتام بمنطقة حدائق القبة، فى الخارج ردهة استقبال واسعة تتخللها بعض النباتات المزروعة، وفى الداخل يعيش الأطفال الأيتام فى مبنى مكون من طابقين، 19 طفلاً جميعهم أولاد، أحدهم عمره 6 سنوات ونصف، و9 أطفال أعمارهم 8 سنوات، و9 آخرون (9 سنوات)، تتكون الدار من طابقين، فى الطابق الأرضى صالة واسعة للعب محاطة بآرائك يجلس فوقها الأطفال مصطفين، وأبصارهم تتجه ناحية شاشة التلفاز، بالإضافة لبعض الغرف المعيشية والمطبخ وفصل دراسى يستذكرون فيه دروسهم مع المشرفات، وفى الطابق العلوى غرف معيشية أخرى، تحتوى كل منها على نحو أربعة أسرة، بالإضافة إلى الحمام، وباب مغلق يؤدى إلى سطح المبنى.
مجلس الإدارة أرسل وفداً إلى المدرسة: لا تخاطبوهم بـ«ولاد الدار.. هم أحسن من غيرهم»
أنشئت الدار بحسب فاطمة جمال، مشرف عام الدار والمدير التنفيذى، منذ 2003 برقم 148، وتضم ما يقرب من 15 عاملاً من بينهم ثلاث أمهات بديلات، وأربع مشرفات، والطباخة ومساعدتها، وأمينة مخزن والحارس وعمال النظافة، بالإضافة للهيكل الإدارى. تحتل الأم البديلة المركز الأول من حيث الأهمية فى الدار، تأتى بعدها المشرفات اللاتى يتابعن جداول العمل، ويشرفن على الخطط الدراسية وتنفيذ الجداول اليومية الموضوعة للأطفال، بالإضافة لوجودهن فى كافة المناسبات الترفيهية والحفلات والرحلات مما يساعد على تكوين روابط قوية بينهن وبين الأطفال.
يستيقظ الأطفال فى غير أيام الدراسة فى التاسعة صباحاً، يتناولون وجبة الإفطار، ثم يلعبون فى ردهة الدار حتى الظهيرة، ثم يتوضأون ويتوجهون لأداء صلاة الظهر، ثم يراجعون وردهم من القرآن الكريم، ويشاهدون أفلام الرسوم المتحركة المفضلة لديهم، وكذلك الأفلام الأجنبية المحببة، ثم يحين وقت ساعة النشاط، التى يمارسون فيها إحدى الألعاب التى تهدف إلى تنمية مهاراتهم العقلية، بعدها يتناولون وجبة الغداء، ثم يمارسون اللعب بالدراجات الهوائية، أو لعبة السلم والثعبان، كما اعتادوا، ويتناولون وجبة العشاء، وحين تأتى الحادية عشرة مساء يكون أغلبهم فى سبات عميق.
تعد لهم الدار جدولاً دقيقاً تتابع فيه الأنشطة المختلفة حسب أيام الأسبوع، فيوما السبت والثلاثاء ميعادهم مع محفظ القرآن، والأحد والأربعاء ميعادهم مع مدرب الكيك بوكس والاثنين ميعادهم مع مدرس الموسيقى، والجمعة يجلس معهم أحد الخطباء ليحدثهم عن المواعظ الأخلاقية والدينية ويناقشهم فى عدة خطب ودروس ويستقبل أسئلتهم المختلفة، بالإضافة لجروب «مويك» التابع لجامعة القاهرة، الذى عكف على زيارتهم لمدة عام كامل، يمارس معهم أنشطة وألعاباً مختلفة من أبرزها تجربة المسرح، والتى تسلموا فى نهايتها درع مكافأة على تميزهم اللافت.
خلال أيام الدراسة، يستيقظون باكراً، تقلهم سيارة الدار الخاصة إلى إحدى المدارس الحكومية القريبة من الدار بصحبة إحدى المشرفات، والتى تذهب لاستقبالهم من المدرسة قبل ميعادهم بساعة للاستفسار عن أدائهم وتلقى أية شكاوى وتسلم تقارير شفهية بأى لفتات إيجابية فعلها الأطفال من اجتياز للاختبارات أو تسلم شهادات تقدير أو الفوز فى مسابقات معينة، جميعها فى ذات المدرسة، لا يعكر صفو الأمر سوى معرفة التلاميذ بأن هؤلاء الأطفال مقبلون من دار لرعاية الأيتام، وبحسب قول «فاطمة»: «للأسف معروف فى المدرسة إنهم من دار الأمل وده مأثر جداً على نفسيتهم، المدرسات بدل ما ينادوهم نادر وإبراهيم، بينادوهم بأولاد الدار».
لا يستطيع مجلس إدارة الدار التحكم فى أولياء الأمور، لكنه أرسل وفداً إلى المدرسة للتنبيه على منع مناداة الأطفال بهذا اللقب مرة أخرى: «الولاد برضو حاسين إنهم أحسن من غيرهم، مش كلنا فى بيوتنا بنجيب لولادنا مدرسين موسيقى فى البيت، وننزلهم يلعبوا رياضة، ونخرجهم شهرياً»، بعد الرجوع من المدرسة، وأخذ حمام دافئ، يتوجه الأطفال إلى غرفة المذاكرة، حيث يصطحبهم المدرسون الخصوصيون لشرح ما تم أخذه فى المدرسة، وهم موظفون من قِبَل الدار للصفين الدراسيين الثالث والرابع الابتدائى.
يعتبر عمرو شلبى، رئيس مجلس إدارة الدار، الأب الأوحد بالنسبة للأطفال، ومن هنا ينبثق سؤالهم الأبرز والأكثر تكراراً: «ليه اسمى مش على اسم بابا عمرو»، ليأتى الرد: «بنقول إن الأب والأم توفوا فى حادثة، وبابا عمرو جابهم هنا، وإن الناس العادية ليهم أخ واتنين لكن هو له اخوات كتير، وليهم أمهات كتير كمان».
تلاحظ المربيات علامات الذكاء ومهارات كل طفل على حدة: «عندى أولاد مدرسينهم بيشكروا فى قوة تركيزهم واستيعابهم الدراسى العالى، وبيفهموا كل المعلومات الدراسية بسهولة فائقة، فيه أولاد تانيين المدرب بيشيد بشطارتهم فى لعبة الكيك بوكسينج وبيتنبأ إنهم يبقوا أبطال فيها، وعندى ولد صوته ونبرته رائعين فى الغناء ومتناغم ومتفاعل جداً فى درس الموسيقى، وكمان ناس موهبتهم فى حفظ القرآن الكريم أعلى بكتير من غيرهم، وعندى ولدين مبدعين يحبوا يفكوا كل لعبة، ويستخدموا أجزاءها زى المغناطيس فى تكوين لعب أخرى».
تركز الأمهات البديلات مع الأطفال الأكثر احتياجاً للحنان أو الاحتواء، ولذلك وارد أن يصبح لكل أم طفل مرتبط بها أكثر من الآخرين، بالإضافة لوجود الأخصائية الاجتماعية والمشرفات، كل مجموعة أطفال مندمجة مع إحدى الموظفات أكثر: «إحنا مش قايلين له على المسميات الوظيفية، هو شايفهم كلهم قدامه، فبيروح للى بيميل لها أو بيرتبط بيها أكتر». ترى «فاطمة» أن تربية الولاد صعبة جداً، مشكلتهم فى «الفرهدة» والمشاغبة وردودهم الحادة، عكس البنات التى غالباً ما تكون أكثر رقة: «أى بيت فيه ولدين بيبقى صعب، ما بالك 19 ولد، كل خمسة ستة عاملين مجموعة وقعدة بيلعبوا ويتكلموا».
لا تخلو دار لرعاية الأيتام الأولاد بالأخص من المتمردين، لكن دار الأمل اعتمدت معهم أسلوب العقاب الإيجابى كالحرمان من التدريب أو الألعاب المفضلة، كالكيك بوكسينج، ومع زيادة جرعة التدريب يسمح للطفل بحضور التدريب مع المنع من المشاركة فى اللعب، أو العقاب بتمرينات الضغط الكثيرة، وفى نهاية المطاف يحكم عليه بالعزل بحيث يأكل ويشرب ويذاكر بمفرده، ويحرم من الفسح والخروجات.
لحظات من اللهو قبل النوم