أحدث تقرير لـ«الكونجرس» عن مصر: أخطاء «مرسى» واشتباكه مع مؤسسات الدولة أجبرت الجيش على عزله
يُظهر آخر تقرير للكونجرس الأمريكى عن مصر، حجم التخبط الذى تعانى منه واشنطن، تجاه تطورات الأوضاع فى القاهرة، إذ يكشف عن أن واشنطن ما زالت تراوح مكانها، فهى تقر بفشل الإخوان فى الحكم وتتعهد بالتعاون مع الحكومة المؤقتة، لكنها تصر أيضاً على فرض عقوبات على مصر، وتضغط على القوات المسلحة، والحكومة الجديدة حتى يفسحوا الطريق بأى ثمن لمشاركة الإخوان فى الحياة السياسية.[FirstQuote]
ويشرح تقرير الكونجرس، الذى أسهب فى شرح الضغوط الأوروبية على الحكومة المصرية، بعد 30 يونيو، على النحو التالى: «حاز محمد مرسى الرئيس المعزول قبولا دوليا بعد أن أصبح أول رئيس لمصر يأتى بانتخابات حرة، وعادلة، وبعد حصوله فى جولة الإعادة فى يونيو 2012 على 51.7٪ لكن كثيرا من المصريين من خارج معسكر الإسلاميين كانوا على استعداد لمنحه الفرصة. ومع ذلك، وبحلول يوليو 2013 عندما أطيح به، بات الداخل والخارج، مقتنعا أنه أهدر الفرصة، وذلك بفشله فى التعامل بفعالية مع المشكلات الاقتصادية أو بناء الجسور مع شرائح المجتمع الأخرى، ووفقا لمعهد «جالوب»، فإن 80٪ من المصريين الذين استطلع رأيهم قبيل فترة وجيزة من سقوط مرسى أكدوا أن بلادهم أصبحت أسوأ حالا مما كانت عليه أيام مبارك» ويتابع التقرير الذى صدر فى 12 سبتمبر الماضى: «بحلول يوليو عام 2013، كان النمو الاقتصادى قد توقف، وأسعار الغذاء، والوقود فى زيادة مطردة، وسبب نقص الوقود مصدر إحباط لكثير من المواطنين، وزادت معدلات الجريمة بشكل كبير بسبب غياب الشرطة».
ونقل التقرير وجهة نظر مؤيدى مرسى الذين قالوا، إن فلول نظام مبارك سعوا لإحباط حكومة مرسى منذ لحظة توليه السلطة، وظل مرسى وجماعته فى اشتباك مستمر مع أحزاب المعارضة السياسية، والسلطة القضائية، وربما يرجع ذلك إلى شكهم فى أن هناك مؤامرة ضدهم، وخلقت هذه الاشتباكات جوا سياسيا مسموما، أدى فى نهاية المطاف لاقتناع القادة العسكريين بأن مرسى لا بد من أن يرحل.[SecondQuote]
ويعتبر التقرير، أن الإعلان الدستورى الذى أصدره مرسى فى نوفمبر 2012، الذى رفعه فوق المساءلة القضائية، مثل نقطة تحول رئيسية فى إشعال المعارضة ضد حكمه، على الرغم من تراجعه عنه فى وقت لاحق، إضافة إلى الأقباط الذين شعروا بقلق من أن حكم الإسلاميين من شأنه أن يشعل الصراع الطائفى، خاصة بعد أن هاجم الغوغاء موكب جنازة فى كاتدرائية الأقباط الرئيسية فى القاهرة فى أبريل 2013.
وعلى الرغم من اتفاق معظم المراقبين على هذا التشخيص، الذى يلقى باللوم على الإخوان، لكن لا يوجد اتفاق على دعم الحكومة المؤقتة والقوات المسلحة المصرية، لاعتبارات مختلفة، ويشرح التقرير أن هناك فريقين فى واشنطن، الأول يرى أن البيت الأبيض متخاذل مع السلطات المصرية، والمؤسسة العسكرية على وجه التحديد بسبب تجاهلها للنصائح الأمريكية بعدم التحرك ضد مرسى وعدم ملاحقة قادة الإخوان، ويعتقد هذا الفريق أنه لا أمل فى استقرار مصر والمنطقة، وهو أولوية أمريكية، بدون وجود الإخوان فى العملية السياسية، فإذا كان ولابد من إقصاء مرسى فلا بد من الضغط على الحكومة المصرية لإشراك عناصر الإخوان الأخرى فى كل أشكال العملية السياسية. بينما يرى فريق آخر التسليم بالأمر الواقع، ويعتقدون أن أى تصعيد من جانب واشنطن ضد القاهرة سيضر بالمصالح الأمريكية، ويحدد قائد قوات الجيش الأمريكى السابق فى منطقة الشرق الأوسط، جيمس ماتيس، المصالح الأمريكية الرئيسية فى مصر، على النحو التالى: «نحن فى حاجة للمصريين من أجل قناة السويس، ومعاهدة السلام مع إسرائيل، ونحن فى حاجة إليهم أكثر من أجل العبور الجوى لطائراتنا العسكرية، ونحن فى حاجة إليهم لمواصلة حربنا ضد المتطرفين، الذين يمثلون تهديدا للديمقراطية الوليدة فى مصر، بقدر ما هم خطر على المصالح الأمريكية»، ويطالب هذا الفريق بدعم الجيش فى صراعه ضد الجماعة ومساعدة الحكومة المؤقتة بكل السبل مع محاولة إقناعها، وليس الضغط عليها، بإدماج الإخوان.[ThirdQuote]
ويتابع التقرير: «يرى هذا الفريق أنه لا جدوى من قطع المساعدات فى ظل استعداد دول الخليج، التى قدمت بالفعل نحو 12 مليار دولار مساعدات عاجلة لمصر بعد ثورة 30 يونيو، لتعويض أى نقص من جانب الولايات المتحدة أو غيرها من جهات التمويل الدولية، ويخشى هؤلاء ما هو أسوأ، فوجود خلاف بين الولايات المتحدة والجيش المصرى قد يفتح الباب أمام روسيا لإعادة بسط نفوذها هناك». وينقل التقرير عن دبلوماسى عربى، لم يذكر اسمه، قوله، «إذا قُطعت المساعدات، فكونوا على يقين أن بوتين سيصل إلى القاهرة خلال شهرين أو 3 أشهر، ليمنح القاهرة مساعدات سخية دون شروط». ويعرض التقرير، الذى أعده جريمى شارب، من إدارة الأبحاث بالكونجرس، رأى البروفيسور «مارك لينش» خبير الشئون المصرية بجامعة «جورج واشنطن»، كمثال على الرأى الأول، الذى يدعو لمعاقبة الجيش المصرى بقطع المساعدات عنه، ويقر «لينش» بأن قيمة المعونة محدودة، كما أن معظم أموال هذه المعونة تعود مرة أخرى إلى الشركات الأمريكية، ما يعنى أن أهمية هذه المعونة بالنسبة للمصريين رمزية أكثر من أى شىء، لكنها رمز قوى، وأن الإدارة الأمريكية لا تزال تراوغ، قائلاً: «أنا لست مؤمنا أن على الأمريكان أن يتخذوا مواقف واضحة فى كل قضية فى أرجاء العالم، لكن الحالة المصرية واحدة من الحالات التى يجب أن يكون لنا فيها موقف واضح، ليس لأن الجيش قتل نحو 500 شخص فى أعقاب سقوط مرسى، ولكن لأن الجيش المصرى فعل ما طلبنا منه بوضوح ألا يفعله وهو التحرك ضد مرسى، والإخوان، فكيف يمكننا بعد ذلك أن ندعى أن المعونة تمنحنا نفوذا على القرار المصرى؟ ووفقا لهذا الفريق «فإن قطع المساعدات، ولو مؤقتا، من شأنه أن يزيد الضغط الاقتصادى الدولى على الجيش المصرى بشكل قد يجبره على تغيير حساباته»، وطبقا لتقرير الكونجرس فإن الإدارة الأمريكية حاولت أن تسلك طريقا يرضى الفريقين، فاتخذت جانب الحذر خوفا من تدهور العلاقات العسكرية مع مصر، ما قد يؤثر سلبا على المصالح الأمريكية، وحرصت ألا تتورط فى اعتبار «3 يوليو» انقلابا، لكنها قللت المساعدات لمصر ولم تقطعها نهائيا، ويوضح التقرير أن موقف إدارة أوباما من قطع أو استمرار المساعدات العسكرية له بعد آخر لا علاقة له بمصر بل خوف «أوباما» من تأثير قرار قطع المعونة التى تذهب معظم عوائدها لشركات السلاح الأمريكية ما سيضر بهذه الشركات والعمال الأمريكيين الذين يستفيدون حاليا من معظم عقود مبيعات الأسلحة التى تحصل عليها مصر بأموال المعونة، والأخطر أن عقود بعض هذه الشركات يمكنها من مطالبة الحكومة الأمريكية بتعويضات إن تأثرت مبيعاتها لمصر.