«الوطن» تنفرد بنشر فصول من الكتاب الأمريكى «القوة الذكية»: «أوباما» أدار ملف مصر بـ«غباء سياسى»
كان من الممكن أن يغفر المصريون للرئيس الأمريكى «باراك أوباما» دعمه لوصول الإخوان لحكم مصر بعد ثورة يناير، لو أنه لم يصر على فرض إعادتهم إلى الحكم مرة أخرى بعد ثورة يونيو. وكان من الممكن أن يعتبره المصريون بطيبتهم المعهودة، رجلا طيبا مثلهم، مخدوعا، مغررا به أو مضحوكا عليه من جماعة ظلت ٨٠ عاما تضحك على الشعب كله.
لكن الواقع، أن أحدا لم يخدع الرئيس أوباما، بل إنه هو الذى خدع نفسه بنفسه عندما تصور أنه من الممكن أن يدخل إلى رأس النظام المصرى، جماعة تصر على هدمه من أساسه. هو الذى راوغ الواقع، وقلب الحقائق، وأخل بكل الموازين، عندما اختار الرهان على الإخوان بعد سقوط مبارك، مصورا لنفسه أن تلك الجماعة هى القوة الوحيدة التى تملك تنظيما على الأرض، حتى وإن كانت عقيدتها تقف وبشراسة ضد كل حريات وحقوق الأفراد.[FirstQuote]
لقد فشلت إدارة أوباما فى التعامل مع الأحداث فى مصر منذ يناير ٢٠١١ وحتى ما بعد يونيو ٢٠١٣. فشلت فى التنبؤ بما حدث، وفشلت فى التعامل مع ما يحدث، فشلت فى تقدير حجم القوى الحقيقية على الأرض، وفشلت فى فهم الكيمياء التى ينبض بها المصريون ويقلبون بها التاريخ والجغرافيا بلا سابق إنذار. فقدت الإدارة الأمريكية الاتصال الحقيقى بالناس فى مصر، فأغلقت نفسها وعقلها وسياساتها الخارجية على تصورات وهمية، تؤكد بإصرار أنه لا قوة فى مصر غير الإخوان، وأنه لا يمكن استبدال الفساد المادى لنظام مبارك إلا بالفساد الدينى لجماعة الإخوان، كأن مصر لم يعد يحق لها أن تتنفس هواء نظيفا!
راهن أوباما على أسوأ ما فى المصريين فخذلهم، وأصر المصريون على التمسك بأفضل ما فيهم، فخذلوه! راهن على سكوت المصريين وقبولهم بفشل الإخوان وخيانتهم، خوفا من جنون وعنف وانفلات التيارات الإسلامية المناصرة لهم. وأصر المصريون على أن يتمسكوا بأنفسهم، وبحقهم فى مستقبل حر، بلا فساد ولا فاشية دينية. لقد كان أوباما يتمنى أن يستمر الإخوان فى حكم مصر، وما زالت إدارته تستميت لإبقائهم فى الحياة السياسية المصرية حتى لا يتكشف أمام الأمريكان حجم الغباء السياسى المرعب الذى تعاملت به إدارته مع مصر، ولكن، ليس كل ما يتمناه أوباما يدركه.
فى الأسابيع القادمة، تستعد الأسواق الأمريكية لاستقبال كتاب شديد الأهمية، وتنفرد «الوطن» بنشر أجزاء منه، ويكشف فشل الرئيس الأمريكى فى إدارة الأزمة فى مصر، ويعرى أمام الرأى العام، كم الأخطاء والحسابات السياسية الخاطئة التى ارتكبتها إدارة أوباما بكل أجهزتها، ومسئوليها، وحتى معارضيها من الجمهوريين، فى رهانهم على التواصل مع الإخوان ودعمهم فى مصر. الكتاب بعنوان «القوة الذكية: ما بين الديبلوماسية والحرب»، ومؤلفه هو «كريستيان وايتون»، أحد كبار المستشارين فى وزارة الخارجية الأمريكية فى عهد بوش الابن، وهو يعلن صراحة، أن هدفه من نشر كتابه هو كشف القصور فى السياسة الخارجية الأمريكية وقصر نظرها الذى أفقدها الكثير من ثقلها السياسى فى العالم كله.
هذا الكتاب هو الجلسة الأولى من محاكمة طويلة سيعقدها الرأى العام الأمريكى لرئيسه، محاكمة سيواجه فيها أوباما تهمة «الغباء السياسى» الذى تعامل به مع مصر، وأضاع بسببه معظم رصيد القوة والذكاء الذين ظلت أمريكا تتمتع بهما فى نظر العالم لوقت طويل.
يقول الكتاب الأمريكى: «لقد كانت سياسة أوباما فى مصر، تقوم على علاج الخطأ بخطأ أكبر، ومداراة المشكلة بكارثة أشد. إن تعجل إدارة الرئيس الأمريكى فى الإطاحة بالرئيس مبارك، وإصرارها على تركه للسلطة «الآن وفورا» دون تجهيز بديل ملائم له، كان خطأ فادحا أدى إلى فوضى عارمة فى المشهد السياسى المصرى. تخلى مبارك عن منصب رئاسة الجمهورية، فى الوقت الذى كانت فيه القوى المدنية، وقوى الشباب التى قامت ثورة يناير على أكتافها، مجرد قوى غير مكتملة سياسيا، لا يمكن أن تشكل بديلا فعليا لنظام حكم كامل كما كان الإخوان يقدمون أنفسهم لواشنطن. وهو ما جعل إدارة أوباما ترى أن الاعتماد على الإخوان لحكم مصر، حل يضمن لها استمرار نفوذها وسيطرتها على البلاد بعد انهيار نظام مبارك الحليف لها.
ويلفت الكتاب الانتباه إلى أن كلا من إدارة أوباما والإخوان يشتركان فى أمر واحد: كل منهما انتظر نتائج ثورة يناير قبل أن يتحرك، يقول: «فى ثورة يناير، تردد الإخوان فى المشاركة، ووقفوا على الخطوط الجانبية انتظارا لنتائج تحرك الثورة على الأرض، بينما أصيب كبار المسئولين فى إدارة أوباما وأجهزة المخابرات الأمريكية بالارتباك أمام اندفاع مئات الآلاف من الشباب إلى الشوارع رفضا لفساد نظام دعمته أمريكا لعشرات السنين».
ويتابع الكتاب: «لقد كان العالم كله يدرك أن دعم أمريكا لنظام مبارك، على الرغم من فساده وسلطويته، كان بهدف الحفاظ على مصالح واشنطن فى المنطقة، والتى كان من ضمنها منع وصول الإخوان وغيرهم من التيارات الإسلامية المتشددة للحكم. كان التزام مبارك بمعاهدة السلام مع إسرائيل سببا غير مباشر فى ضمان عدم تحكم الإسلاميين ولا حكمهم لمستقبل مصر، خاصة بعد أن رأى العالم كيف اغتالوا جزءا من تاريخها، ممثلا فى الرئيس السادات. وكان من الطبيعى أيضاً أن تحرص الإدارة الأمريكية على منع أى مشاركة للإخوان فى العملية السياسية المصرية، إذا أرادت منع وصول جماعة ترعى الإرهاب للحكم. إلا أن العكس هو ما حدث.
ويواصل، أنه: «بين مبارك والإخوان، كان هناك بديل ثالث من الممكن أن تدعمه واشنطن لو أنها كانت صادقة فى دعمها للديمقراطية والحريات فى مصر. لقد كان أمام إدارة أوباما أن تدعم الوجوه والقوى الحقيقية التى أطلقت ثورة يناير ضد فساد نظام مبارك. لقد كانت ثورة يناير فى الأساس ثورة مدنية، وليست ثورة لأصحاب تيارات الإسلام السياسى، وكانت الوجوه البارزة فيها، تلك الوجوه التى تسابقت وسائل الإعلام العالمية لالتقاطها ونقلها للعالم كله باعتبارها ممثلة للروح الجديدة فى مصر، هى وجوه الشباب المصرى، المتحضر، المتمدن، الذى ينفتح إسلامه على العالم ولا ينغلق عليه. وهى نفس الوجوه التى يكرهها الإسلاميون المتشددون، لأنها تقف ضد كل ما يمثلونه من تطرف وإرهاب، لذلك كان عدم دعم إدارة أوباما لتلك القوى، ولا مساندتها لها فى معركتها لنشر الحرية والعدالة الاجتماعية فى مصر، أكبر دليل على أن الإدارة الأمريكية صارت تتعامل بلا منطق ولا عقل».
ويتابع الكتاب: «ولم تكتف إدارة أوباما بعدم دعم الوجه المدنى المتحضر للثورة المصرية، لكنها رأت أنه من الأفضل، فى مرحلة ما بعد مبارك، أن تسعى وزارة الخارجية الأمريكية للتواصل مع جماعة الإخوان فى مصر، ويمكن القول إن عبارة وزيرة الخارجية الأمريكية وقتها «هيلارى كلينتون»، تلخص سياسة إدارة أوباما مع الإخوان عندما قالت فى يونيو 2011: ستواصل إدارة أوباما اتصالاتها (المحدودة) بجماعة الإخوان، التى استمرت بشكل متقطع على امتداد 5 سنوات. نحن نرى أنه مع التغير الذى طرأ على الساحة السياسية المصرية، فإن من مصلحة الولايات المتحدة أن تتواصل مع كل الأحزاب السلمية، ما دامت ملتزمة بعدم اللجوء للعنف، وما دامت تنوى المنافسة فى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لذلك فنحن نرحب بالحوار مع أعضاء جماعة الإخوان الذين يرغبون فى الكلام معنا».
ويواصل: «كانت ملاحظات كلينتون، وأسلوب التفكير الذى تعبر عنه فى التعامل مع جماعة الإخوان فى مصر، تكشف عن نقطة ضعف خطيرة فى إدارة أوباما، وهى أنها لا تملك استراتيجية جادة ولا خطوات محددة فى التعامل مع مستقبل مصر، ومستقبل الشرق الأوسط. والمذهل أن إدارة أوباما فى تلك اللحظة، قد رسمت سياستها الخارجية كلها على أساس أن أى شخص أو جماعة، تصلح للدخول والمشاركة فى العملية السياسية ما دامت لا تلجأ للعنف. أى أن إدارة أوباما لم تجد أى مشكلة فى التعامل مع جماعة الإخوان، التى تشترك فى أفكارها ومبادئها الأساسية مع فكر تنظيم القاعدة مثلا، ما دام الإخوان أظهروا لها أنهم لن يهاجموا الأمريكان».
وتكشف قراءة الكتاب الأمريكى، عن أن هذا الخلل فى الرؤية والتفكير، لم يكن مقصورا على وزارة الخارجية الأمريكية، لكنه ظهر واضحا فى تحركات البيت الأبيض، وحتى الأعضاء الجمهوريين من الحزب المعارض لأوباما فى الكونجرس الأمريكى. كلهم قرروا التعامل والتواصل مع الإخوان، على الرغم من عنفهم العقائدى والتطرف المغروس فى كل تعاليمهم، ما داموا يظهرون لهم حرصهم على «السلمية» والتزامهم بعدم اللجوء للعنف، يقول الكتاب: «إن قبول التعامل مع الإخوان فى مصر على الرغم من تطرفهم الفكرى لم يكن مقصورا على الخارجية الأمريكية فقط. ففى ربيع 2012، قام عدد من ممثلى جماعة الإخوان فى مصر بزيارة البيت الأبيض، والتقوا بمسئولين يشغلون مناصب «متوسطة» فيه. فى الوقت نفسه، ردت أمريكا بزيارة النائبين الجمهوريين جون ماكين وليندساى جراهام بعدد من الإخوان والإسلاميين خلال زيارة رسمية للقاهرة».[SecondQuote]
ولم يوضح الكتاب الأسباب التى دفعت النائبين الجمهوريين والإدارة الأمريكية كلها، للاستماتة فى الدفاع عن «مرسى» وجماعته على الرغم من عزلهم بإرادة شعبية كاسحة، ولا الأسباب التى جعلت نفس الإدارة التى تشترط عدم لجوء الإخوان للعنف مقابل التعاون معهم، تصر على الدفاع عنهم على الرغم من لجوئهم الفج إليه بعد ثورة يونيو. بل إن الكتاب يتوقف أمام تناقض عنيف آخر وقعت فيه الإدارة الأمريكية، هو تضحيتها بالتعاون مع كل التيارات المدنية والشعبية، فى سبيل حماية تحالفها مع جماعة الإخوان.
يواصل: «فى الوقت الذى كانت إدارة أوباما تتواصل فيه مع الإخوان على كل المستويات الرسمية، لم تتقدم واشنطن ولو خطوة واحدة فى اتجاه دعم المعارضة أو القوى المدنية الموجودة فى مصر من غير الإخوان، على الرغم من أن تلك القوى كانت تشكل بديلا قويا وفاعلا للإسلاميين. المشكلة كانت تكمن فى ممثلى تلك القوى والتيارات المدنية التى تعاملت مع الإدارة الأمريكية فى واشنطن، لم تكن تعرف طريقة التعامل الصحيح معها».
كيف؟ يتابع الكتاب: «لقد تعامل ممثلو القوى المدنية المصرية بعد ثورة يناير بطريقة خاطئة فى واشنطن، واصطدموا بالعديد من أعضاء الكونجرس الأمريكى. وكانت ملاحظة إدارة أوباما الأساسية فى تعاملها مع ممثلى التيارات المدنية المصرية، أن تعليقاتهم ورؤيتهم للواقع يشوبها الإحساس الزائف بالانتصار، وأن تصوراتهم للمستقبل خيالية وغير واقعية».
ويواصل «وايتون»: «لم يكن ممثلو التيارات المدنية المصرية فى أفضل حالاتهم وهم يسعون للحصول على دعم وتأييد واشنطن لهم، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. كانت وفودهم تطوف مبنى مجلس الشيوخ والكونجرس الأمريكى وهى تركز على ضرورة القصاص بدلا من التركيز على ضرورة حل المشكلات الملحة التى تواجهها مصر، وبناء التحالفات التى يحتاجون إليها فى المرحلة المقبلة. وفى لحظة ما، قال الإصلاحيون المصريون لأعضاء الكونجرس إنهم يريدون محاكمة أفراد من الجيش بسبب إدارتهم السابقة للحكم فى مصر. لقد كان موقف هؤلاء الإصلاحيين مفرطا فى أنانيته، كما أنه لم يكن حكيما إزاء الجيش الذى يمثل أهم المؤسسات المصرية، وأقدرها على وقف الإسلاميين عند حدهم، وهو ما لم يعجب رجال السياسة فى واشنطن بطبيعة الحال، خاصة بعد الانتخابات المصرية التى جرت فى 2012، والتى ظهرت التيارات المدنية فيها مشتتة بأعنف ما يكون، وإن كانت المفاجأة أيضاً، أن الإسلاميين لم يفوزوا فى انتخابات الرئاسة بفارق كبير عنهم، إذ أن مرسى وصل للحكم بنسبة 52% تقريبا مقابل 48% لمنافسه».
ويواصل الكتاب: «كان من الضرورى أن يتفهم المسئولون فى واشنطن أن الإصلاحيين فى مصر يحتاجون للدعم ويستحقونه، حتى إن لم يعرفوا الطريقة الصحيحة لطلب المساعدة. لم يأخذ أحد المسئولين فى اعتباره أن مثل هذه التصرفات والمشاعر المندفعة لدى التيارات المدنية المصرية، كلها أمور عادية ومألوفة بل ومتوقعة تماما من أى مجموعة الإصلاحيين، المؤمنين بالحرية، والذين لم ينظموا أنفسهم، ولا أفكارهم بعد خروجهم منذ فترة، كانوا واقعين فيها تحت حكم سلطوى وقمعى استمر لعشرات السنين. كما أن المتعارف عليه فى العالم كله، أن أى معارضة مدنية أو ليبرالية، تبدأ دائما أكثر تشتتا واقل تنظيما من منافسيها الشموليين. إن النظام والتنظيم الكبير سمات أساسية لا بد من توافرها فى أى نظام شمولى، بداية من الحركات الشيوعية فى القرن الماضى، حتى تيارات الإسلام الأصولى الموجودة حاليا. ويمكن القول إن كل الجماعات الإسلامية، وعلى رأسها جماعة الإخوان، هى بالفعل لا شىء من دون التنظيم الذى تتمتع به. أما القوى المدنية، فهى تعرف كيف تنظم فى نهاية الأمر حتما، لكنها تحتاج لمزيد من الوقت».
ويلفت «وايتون» النظر إلى مفارقة مثيرة للسخرية، هى أنه فى تلك المرحلة المفصلية من تاريخ مصر، اتفقت السياسة المعلنة للإدارة الأمريكية، مع أجهزة مخابراتها السرية على ضرورة إقحام الإخوان فى قلب الساحة السياسية المصرية. يقول: «كان من أهم مهام المخابرات المركزية الأمريكية فيما مضى، دعم القوى السياسية التى تطالب بالديمقراطية فى الدول الأخرى، وفى الثمانينات، أنشأت واشنطن الصندوق الوطنى للديمقراطية، الذى ترأسته فى مرحلة ما وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة «مادلين أولبرايت»، بهدف نشر وتعزيز الديمقراطية حول العالم، ومساعدة القوى المدنية فى الدول الأخرى على تنظيم نفسها لكى تنتصر فى المعركة السياسية فى بلادها. لكن كان هذا فيما مضى، اليوم تبعد المخابرات المركزية الأمريكية نفسها كثيرا عن هذا الهدف. والأدهى أن الأشرار فى هذا العالم قد تحولوا إلى الحكماء والعقلاء فى نظر الصندوق الوطنى للديمقراطية، ويرى رئيسه «كارل جيرشمان»، أنه من الممكن دفع الأحزاب والتيارات الإسلامية لدعم الديمقراطية الليبرالية لو تم إدماجهم وضمهم فى العملية السياسية نفسها. وهو نفس المنطق الذى يحكم السياسيين فى واشنطن من أوباما إلى ماكين».
لقد اختارت واشنطن الحل السهل فى مصر: اختارت دعم الإخوان حماية لمصالحها على حساب مصلحة الشعب المصرى، فى الوقت الذى تجاهلت فيها دعم التيارات المدنية التى تعبر عن مصلحة الشعب وهويته الحقيقية لأنها لا تعبر عن المصالح الأمريكية، ويتابع الكتاب: «لقد كان التحدى الحقيقى، لو كانت واشنطن جادة وصادقة بالفعل فى دعم الحرية والديمقراطية للشعب المصرى، هو أن تدعم أنصار هذه الحرية الحقيقيين. أن تساعد أنصار التيارات المدنية، وتساعدهم على تنظيم أنفسهم لدخول الساحة السياسية بكل ثقلهم وتأثيرهم، حتى لو لجأت للاتصال بهم بطرق وأساليب سرية، وحتى لو لجأت لوسائل غير معلنة لربطهم بأشخاص آخرين مروا بنفس أوضاعهم، وواجهوا نفس معاركهم عبر فترات انتقالية مشابهة لتلك الفترة التى تمر بها مصر. إلا أن كلا من مسئولى البيت الأبيض، ونواب الكونجرس، كلهم قرروا أن يراهنوا على الحصان الخطأ، وأن يخذلوا كل (الرجال الصالحين) فى مصر».
خذلت إدارة أوباما كل «الرجال الصالحين» بمن فيهم الشعب المصرى نفسه. والأسوأ أنها خذلته لحساب تيارات لا يمكن أبدا وصفها بالصلاح أو الطيبة. يواصل الكتاب الأمريكى: «فى واقع الأمر، لم يكن أبناء التيارات المدنية وحدهم هم من يحملون أفكارا وتصورات غير واقعية عن المستقبل، إدارة أوباما نفسها وقعت فى نفس الخطأ، وصار لديها تشكيلة كاملة من التصورات الخاطئة غير الواقعية عن الإخوان فى مصر. وطيلة تلك الفترة، لم يخرج أحد من مسئولى البيت الأبيض علنا لكى يقول صراحة ما يفكر فيه سرا: إن كل المسئولين فى إدارة أوباما أرادوا تصديق وهم أن الإخوان قد انصلح حالهم. كان هؤلاء المسئولون الكبار يخدعون أنفسهم بنظرية تقول إن الإخوان، الذين اخترعوا من الأساس كل أفكار وعقائد الإسلام السياسى، لن يكونوا جادين فى تطبيقها وفرضها عند وصولهم للسلطة، وهو نفس المنطق الذى يرى أن من فى المعارضة يختلف موقفه تماماً بعد وصوله إلى السلطة، حتى إن كان الإخوان قد دخلوا السجون وتحملوا ما هو أسوأ دفاعاً عن أفكارهم، التى سيتخلون عنها بمنتهى البساطة بعد وصولهم للحكم فى نظر إدارة أوباما».
ويتابع الكتاب تحليله للحسابات الخاطئة التى بنت إدارة أوباما حولها سياستها الخارجية مع الإخوان فى مصر، فيقول: «ما لم يعترف به المسئولون فى إدارة أوباما حتى لأنفسهم، أنه لم يكن هناك دليل واحد يمكن أن يشير إلى أن جماعة الإخوان قد صححت مسارها، أو أنها نبذت الأفكار التى تشجع على التطرف والإرهاب، لتصبح، فى صورتها المثالية التى رسمها مسئولو الإدارة الأمريكية لأنفسهم، بديلا عربيا مماثلا للحزب الديمقراطى المسيحى فى ألمانيا، ذلك الحزب الذى لا يحمل من المرجعية الدينية إلا الاسم، ويتعامل مثل أى حزب مدنى ديمقراطى آخر».
ويواصل: «ولم يقتصر الأمر على عدم وجود أى دليل لدى إدارة أوباما على صلاح حال ومسار الإخوان، بل تجاوزه إلى وجود دلائل أخرى تشير إلى العكس تماما: أن الإخوان يزدادون انغلاقا وتصلبا، وستزداد أفكارهم ضيقا لدى وصولهم للحكم وليس العكس. لكن الفكرة، أن إدارة أوباما اختارت أن تستمع لما يقوله لها قادة الإخوان بالإنجليزية فى زياراتهم للبيت الأبيض، دون أن يلقوا أذنا صاغية لما يقوله الإخوان لأنصارهم ولأهل مصر بلغتهم، وبمنطقهم، خلال تجهيزهم للحملات الانتخابية وتمهيدا لوصولهم للحكم فى مصر».
لقد كانت خطب ولقاءات الرئيس المعزول محمد مرسى، تعطى ما يكفى ويزيد لمن يريد أن يفهم حقيقة الإخوان، بعيدا عما «تريد» الإدارة الأمريكية أن تفهمه. يواصل الكتاب الأمريكى: «إن أى مراقب كان يحرص على متابعة خطب ولقاءات الإخوان باللغة العربية، وطريقتهم فى الحديث مع أهل مصر فى دعاياتهم وحملاتهم الانتخابية، كان يدرك وبسهولة بالغة، أن الإخوان لم يصل إليهم بعد لا فكر الإصلاح، ولا خطواته ولا برامجه. ويكفى إلقاء نظرة سريعة على الخطب التى كان يلقيها مرسى بالعربية خلال سباق ترشحه لانتخابات الرئاسة لندرك أن كل فكره وفكر جماعته، لم يكن يحتوى على عبارات وبرامج إصلاحية بالقدر الذى كان يعتمد فيه على ترديد عبارات من نوعية: القرآن كان وسيظل دستورنا، والجهاد سبيلنا، وأمة محمد لن تعرف التقدم والازدهار إلا من خلال الشريعة الإسلامية».
هنا، يصل الكتاب إلى نقطة شديدة الأهمية، هى فكرة استخدام الإخوان لمفهوم «الجهاد» فى خطبهم السياسية، بدلا من استخدامه فى سياقه الأصلى الذى يقوم على مجاهدة النفس أو المواجهة فى الحروب. ويتعقب «وايتون» معنى ودلالة أن يستخدم رجل السياسة توصيف «الجهاد» فى خطبه، وتأثير ذلك على سير الأحداث السياسية فيما بعد. يقول الكتاب: «على عكس ما قد يتصور البعض خاصة فى العالم الغربى، فإن الجهاد لا يعنى بالضرورة العنف، ولكنه مفهوم دينى فى الأساس له وجود فى المسيحية واليهودية بتفاصيل مختلفة، ولكن، عندما يلجأ رجل السياسة لاستخدام لفظ «الجهاد» فى خطاباته السياسية وحملاته الانتخابية، يكون لهذا معنى آخر؛ معنى يشير إلى الاستعداد والدعوة للصراع السياسى، حتى إن تحول هذا الصراع إلى العنف».
ويرى «وايتون» أن هناك مؤشرا آخر كان من المفترض أن يحذر إدارة أوباما من استعداد الإخوان للعنف، وعدم تغيير عقائدهم المتطرفة حتى بعد وصولهم للحكم، كان هذا المؤشر هو أنصار جماعة الإخوان، ومؤيدى مرسى الذين لم يترددوا فى التلويح بالعنف وفرض الأمر الواقع على السياسات المصرية حتى فى أعقد قضاياها، وكان نموذج صفوت حجازى هو أكثر النماذج التى لفتت انتباه «وايتون» فى كتابه بسبب النبرة المتشددة والغليظة السائدة فى خطبه وعباراته. يقول: «كان من الضرورى أن تنتبه الولايات المتحدة لكلام صفوت حجازى، عندما كان يدعو فى الحملات الانتخابية المؤيدة لمرسى إلى تشكيل «الولايات المتحدة العربية» مبشرا بأن عاصمتها ستكون القدس. وهو ما يعطى فكرة واضحة عن الطريقة التى تنوى بها الجماعة أن تتعامل مع واحدة من أكثر القضايا الشائكة فى السياسة الخارجية المصرية وهى علاقتها مع إسرائيل ومعاهدة السلام التى عقدت بين البلدين منذ أواخر السبعينات، خاصة أن تلك المعاهدة تقع فى قلب المصالح الاستراتيجية الأمريكية فى مصر، التى ظلت تحكم علاقتها بأنظمة الحكم فيها على اختلافها».
ويلفت «وايتون» فى كتابه، النظر إلى أن جماعة الإخوان لم تقدم أى دليل، ولا إشارة، على أنها قد غيرت فى منهجها وتفكيرها، ولا أن حكومتها فى حالة وصولها للحكم فى مصر، تنوى تطبيق الشريعة الإسلامية التى يريدها أنصارها بطريقة معتدلة، لا يشوبها التفسير المتشدد والضيق لأحكامها، الذى يمنح سلطات واسعة لرجال الدين. يقول: «لا أحد يمكنه أن ينكر مثلا، أن السعودية من أشد الدول مغالاة وتطرفا فى تطبيق الشريعة الإسلامية، وهو هدف تعلن تيارات الإسلام السياسى أن هدفها تطبيقه فى البلاد التى تصل للحكم فيها، وتستخدم ذلك الهدف فى حشد أنصارها والدعاية فى حملاتها وسياساتها. لكن المثير للدهشة، أن الأمر فى الفترة الأخيرة بدا وكأن السعودية تتقدم بعض خطوات للأمام، فى الوقت الذى تتراجع فيه مصر بعد الربيع العربى إلى الخلف. اتخذت السعودية مؤخرا عدة إجراءات قننت فيها تطبيق الشريعة الإسلامية، الأمر الذى قلل إلى حد ما من سلطة ونفوذ القيادات الدينية، وقدرتها على التأثير فى مجرى القانون من خلال تطبيق تفسيرات ذاتية للشريعة يقوم بعضها على الأهواء الشخصية. فى الوقت الذى لم يقدم فيه مرسى ولا جماعته أى تصور أو رؤية لإمكانية تطبيق الشريعة الإسلامية فى مصر بشكل معتدل بعد وصولهم للحكم».
ويرى «وايتون» أن أوباما فشل فى مصر منذ اللحظة التى اندلعت ثورة يناير فيها، وأنه كان يتحرك كرد فعل على تلاحق الأحداث فيها، وليس بناء على سياسة واضحة. يقول: «لقد تعامل أوباما مع الأزمة المصرية بأسلوب لا يختلف كثيرا عن تعامله فى أزمات أخرى لاحقت إدارته. لم يعرف أوباما ولا فريقه كيف يتصرفون مع الثورة التى اجتاحت مصر فى يناير 2011، كانوا يستجيبون لإيقاع الأحداث على الأرض، لكنهم لم يستطيعوا أن يعلنوا بطريقة واضحة ولا مقنعة ما الذى يريدونه فى مصر. وأضيف لارتباك إدارة أوباما فى التعامل مع الثورة المصرية فى يناير، قرارها بالتواصل مع جماعة الإخوان، والرهان عليهم فى الفترة المقبلة فى مصر، وهو ما أدى لانتزاع الهزيمة من بين فكى النصر بنجاح تام، بعد أن كانت أمام واشنطن فرصة ذهبية لدعم الديمقراطية الحقيقية فى مصر».
ويتابع: «لقد كان من المفترض أن تكون السياسة والمصالح الأمريكية فى مصر واضحة. كان على أمريكا أن ترى فى ثورة يناير فرصة لا تعوض لمساعدة مصر، لكى تحل الحكومات الديمقراطية محل الديكتاتورية التى ظلت تحكم مصر عقودا طويلة، فى نفس الوقت الذى يتم فيه تحييد الإسلاميين ووضعهم على الهامش. كان العالم سيصبح أكثر أمنا بالنسبة للمصريين وبالنسبة لمصالح الولايات المتحدة والعالم كله لو كان ذلك قد حدث».
ولا يتردد «وايتون» فى أن يحمل مسئولية الفشل الأمريكى فى مصر لكل التيارات السياسية فى واشنطن، من جمهوريين وديمقراطيين، وأجهزة أمن ورجال سياسة. يقول: «إن أحد الأسباب التى جعلت إدارة أوباما والبيت الأبيض تقف مشلولة أمام تطور الأحداث فى مصر، هو أن كل الأطراف المحيطة بها لم تكن تتخيل أنه من الممكن أن تنجح القوى المدنية المصرية فى نقل البلاد إلى مرحلة الديمقراطية. كان كل اللاعبين فى السياسة الخارجية الأمريكية سواء من المنتمين لحزب أوباما الديمقراطى أو معارضته من الحزب الجمهورى، لا يرون الوضع فى مصر بأى شكل آخر غير الذى اعتادوا عليه. لقد جرى العرف بالنسبة لهؤلاء أن الإسلاميين وتحديدا الإخوان هم البديل الوحيد المتاح والممكن لنظام سلطوى مثل نظام مبارك، ولم تستطع تلك العقول فى الإدارة الأمريكية أن تستوعب وجود آلاف المتظاهرين فى شوارع مصر، يطالبون بالحريات وبتكافؤ الفرص التى يتمتع بها الناس فى المجتمعات الغربية وعلى رأسها المجتمع الأمريكى، دون أن يطالبوا مثلا بإقامة دولة دينية وخلافة إسلامية على غرار ما حدث فى الثورة الإسلامية الإيرانية، ولا يحرقوا الأعلام الأمريكية ويطالبوا بإبادة إسرائيل. كان المصريون فى ثورة يناير يطالبون بحريتهم وبإصلاح حال مجتمعهم بلا تطرف ولا حكم دينى بديل لحكم مبارك السلطوى».
ويصف «وايتون» تعامل أوباما مع تلك الحالة المصرية الفريدة من نوعها قائلا: «بدا الأمر وكأنه من المستحيل أن يساند البيت الأبيض هذه الدعوة «الحقيقية» للديمقراطية فى مصر. إدارة أوباما كانت تتعامل مع الأزمات دون أن تشعر بضغط إلحاح المشكلة، وهى فاقدة الهدف. ولم يكن هناك سبب ولا تفسير لأن تقف وزيرة الخارجية الأمريكية وقتها هيلارى كلينتون فى ذروة مظاهرات يناير لتقول «إن مصر مستقرة»، ولا أن يخرج نائب أوباما «جو بايدن» بعدها بيومين، ليقدم المجاملات لمبارك ويقول عنه إنه ليس ديكتاتورا. ومع كل الاجتماعات التى كانت تعقد فى البيت الأبيض مع مستشار الأمن القومى طوم دونيلون، كانت هيلارى كلينتون تخرج فى اللقاءات التليفزيونية لتقول: «نحن لا نسعى لتحقيق نتيجة بعينها للأحداث فى مصر».. كيف يكون هذا صحيحا؟ من قال إن واشنطن لا يهمها الطريقة التى ستحكم بها مصر، هل ديبلوماسية الرئيس أوباما، كانت مستعدة فى تلك اللحظة لكى تضع يدها الممدودة فى يد الطغيان الإسلامى الأصولى بنفس الحماس الذى يمكن أن تصافح به يد ديمقراطية تحترم حقوق الأفراد؟».
ويتابع: «يتفاخر أنصار أوباما بأنه دعا الرئيس مبارك بعد اندلاع ثورة يناير لعدم ترشيح نفسه للرئاسة مرة أخرى، وأنه كان يردد دائما أن أمريكا ستواصل دعمها للديمقراطية وكل الحقوق التى يستحقها كل الناس فى كل مكان فى مصر وغيرها!. لكن كل هذه التصريحات، على بريقها، لم تكن ترقى لتصل إلى مستوى سياسة متماسكة وواضحة. بل إن تحركات إدارة أوباما، على بطئها ومحدوديتها فى الأزمة المصرية، كانت كلها خطوات تؤدى لنتائج خطيرة وكارثية، تكشف عن سذاجة واضحة للقائمين عليها. وكان أخطر هذه الخطوات وأكثرها سذاجة هو السعى للتعامل مع الإخوان فى مصر».[ThirdQuote]
ويواصل وايتون: «مع تعقد الأزمة المصرية فى ثورة يناير، خرج البيت الأبيض ليقول إنه يؤيد أن يكون هناك دور للإخوان فى الحكومة المصرية الجديدة. وكان هذا مشروطا كما هو واضح بالتزام الإخوان بنبذ العنف. وهى سياسة لا يمكن وصفها بالذكاء، إذ إن نفس هذا المنطق فى التصالح مع العدو أدى إلى الوضع الحالى فى لبنان مثلا، حيث يسيطر حزب الله وإيران على الحكومة المرتبكة فى بيروت. الأمر ببساطة لا علاقة له بانتهاج الجماعة للعنف أو نبذه، لكن منهج الإخوان الفكرى وعقيدتهم تقوم على فكرة تدمير النظام السياسى أصلا، فكيف يتم إدخالهم إلى قلب هذا النظام من الأساس؟».
هذه السياسة «التى لا يمكن وصفها بالذكاء» على حد وصف «وايتون» لم تكن قاصرة على إدارة أوباما فقط ولكنها امتدت لتشمل رجال الحزب الجمهورى المعارض له، يقول وايتون: «وزار السيناتور الجمهورى جون ماكين وزميله ليندساى جراهام القاهرة فى فبراير 2011، وعقدا لقاءات على أعلى مستوى مع جماعة الإخوان، مما ساهم فى منح الجماعة مزيدا من المصداقية. ووصل الأمر بالسيناتور جراهام إلى أن يقول وقتها: «بعد أن تحدثت مع جماعة الإخوان، فوجئت بمدى حرصهم والتزامهم بتغيير القوانين التى يرون أنها غير عادلة»، وبعدها فى أبريل 2012، أشار المتحدث باسم البيت الأبيض «جاى كارنى» للقاء ماكين وجراهام بالإخوان فى مصر، معتبرا إياه مبررا لإثبات سلامة موقف إدارة أوباما فى تعاملها مع الجماعة».
كان على إدارة أوباما أن تتعامل مع الوضع فى مصر بطريقة مختلفة، يتابع وايتون: «كان على واشنطن إذن أن تضغط لإقامة ديمقراطية حقيقية فى مصر بعد مبارك، ديمقراطية تفصل بين الدين والدولة وتكون تحركاتها ضد الإسلاميين فى المنطقة. خاصة أن الإخوان لم يكونوا جزءا حقيقيا من الثورة المصرية ضد مبارك، بل كانت استراتيجيتهم قائمة على ركوب موجة الاحتجاجات والبراعة فى قطف ثمار نتائجها فيما بعد. وعلى الرغم من أنهم لم يصلوا قط إلى الحصول على تأييد غالبية المصريين، إلا أنهم ظلوا يتمتعون بأفضلية التنظيم. لذلك كان لزاما علينا أن نساعد أنصار الديمقراطية المصريين على تنظيم أنفسهم والتجهيز للانتخابات. أن نسعى لدعم نظام يعمل ضد التيارات الإسلامية، وأن نتجنب تكرار نموذج العراق الذى أدى إلى زيادة قوة تيارات الأصولية الإسلامية».
ويتابع: «لكن اندلعت ثورة مصر الثانية فى يونيو 2013، وكررت إدارة أوباما للمرة الثانية نفس الأخطاء التى وقعت فيها خلال ثورة يناير، وقفت مفتوحة الفم فى دهشة أمام تدفق الناس إلى الشوارع، وتقف للمرة الثانية على الجانب الخطأ من التاريخ الذى سيسجل ما يحدث فى مصر. لكن، لم يعد من الممكن إلقاء اللوم على أوباما وحده فى وقوف واشنطن هذا الموقف الخاسر من الأحداث فى مصر. لقد تسبب الواقع المصرى فى إرباك صقور السياسة الخارجية الأمريكية من الجمهوريين، وأجهزة المخابرات الأمريكية البيروقراطية التى صارت تثبت انعدام كفاءتها ولا فعاليتها يوما بعد يوم. وهو ما يجعل قدرة أمريكا على رسم صورة، أو التأثير فى خط سير الأحداث فى مصر، أمرا شبه مستحيل».
وفى الثورتين، وفى المرتين، لم تكن القوى الحقيقية التى حركت تلك الأحداث حاضرة فى حسابات واشنطن، لم تعترف بوجود الشباب والقوى المدنية التى أطلقت ثورة يناير، ولم تعتقد حتى بوجود ولا تأثير تلك القطاعات العريضة من الشعب المصرى التى زلزلت الأرض بالملايين فى 30 يونيو. ويقول وايتون عن تلك القوى التى تتجاهلها إدارة أوباما: «هؤلاء الناس لا وجود لهم بالنسبة لواشنطن، ولا وجود لهم فى تقارير أجهزة مخابراتها التى تبلغ ميزانيتها 80 مليار دولار سنويا. كانت هذه التقارير تصر على أن الخيار فى مصر سيظل بين فساد نظام مثل أيام مبارك، أو قمع الإسلاميين مثل الإخوان. أما القوى المدنية، فهى لا تتمتع بتأييد شعبى واسع، ولا بقدرة على حشد الناس. أو هكذا كان أوباما يظن».