سيناريوهات الانفصال: الحل العسكرى مكلف.. والمسار السياسى يفرض نفسه
جنود أكراد أثناء تأمين أحد الطرق الرئيسية
يتجه مواطنو إقليم شمال العراق «كردستان»، الاثنين، إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم وتحديد مستقبل إقليمهم الذى يتمتع بالحكم الذاتى منذ عام 1991، ما بين الاستقلال أو أن يبقى الحال على ما هو عليه، وهى الخطوة التى لاقت معارضة شديدة من كثير من الدول المعنية بملف الكرد والأوضاع فى العراق، فضلاً بالتأكيد عن الرفض القاطع للحكومة المركزية فى «بغداد»، وتنوعت ردود أفعال الأطراف الرافضة بين من يلوّح باستخدام الخيار العسكرى، وأطراف تطرح حلولاً سياسية للأزمة.
«سبوتينيك»: الصراع مع كردستان يبدو فى الظاهر سياسياً.. لكن حرباً عسكرية ضروساً تطرق الأبواب
وصادق برلمان كردستان العراق، الجمعة قبل الماضى، على إجراء الاستفتاء على استقلال الإقليم الشمالى فى موعده المقرر فى 25 سبتمبر الجارى، فى حين تم رفض مقترحات عدة تدعو لتأجيل الاستفتاء والبحث عن خيارات بديلة.
على الصعيد المحلى طالبت حكومة العراق، الأكراد بإلغاء الاستفتاء، وأصدرت المحكمة الاتحادية العليا فى العراق، الاثنين الماضى، أمراً بإيقاف إجراءات الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان.
أما رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى فهدد بالتدخل العسكرى ضد إقليم كردستان، إذا استخدمت «أربيل» القوة لفرض نتائج الاستفتاء، وأدى الاستفتاء إلى الفوضى التى تضر بباقى العرقيات، كما جدد موقفه من مساعى استقلال كردستان، معتبراً أن تنظيم استفتاء الاستقلال قرار غير دستورى. وأكد أن «بغداد» لن تعترف بنتائج الاستفتاء، مضيفاً: «موقفنا هو أنه قرار غير دستورى، وغير شرعى، ولن يكون هناك شىء يؤخذ على محمل الجد من نتيجة الاستفتاء، إذا كانوا يريدون تحركاً يرضى الشارع، فلا مشكلة، كما لو أنه تعبير عن رأى عام، لكن بالنسبة لنا الاستفتاء غير شرعى». وشدد «العبادى» كذلك على أن الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان يعارض بوضوح الدستور، بالإضافة إلى أن هناك خلافات بين الأكراد أنفسهم حول الموضوع، وهو ما يمكن اعتباره أيضاً تلويحاً من جانب رئيس الوزراء العراقى بأنه فى حالة حدوث انقسام، فإن هناك قسماً من الدولة الكردية المزعومة سيكون فى صف الدولة العراقية، وبالتالى لن تكون لقيادات الإقليم الغلبة.
على الصعيد الدولى كانت تركيا وإيران أول القوى الدولية الرافضة لمشروع الاستفتاء الكردى العراقى، فى ظل مخاوف تلك الدول التى يتوزع الأكراد على جغرافيتها، من محاولة أكراد تلك الدول لاتخاذ خطوات مماثلة للانفصال. واستقبلت الولايات المتحدة عملية الاستفتاء بالقلق، وفى مسعى منها لإرجاء الاستفتاء، قدمت الولايات المتحدة ودول أخرى «مشروعاً» لبارزانى، يتضمن مقترحات لـ«بدائل» عن الاستفتاء، وفق ما صرح المبعوث الأمريكى لدى «التحالف الدولى» الذى تقوده «واشنطن» بريت ماكجورك. وقتها تعهد رئيس الإقليم مسعود بارزانى بالرد سريعاً على المقترحات، لكنه أعاد التأكيد خلال تجمع كبير فى شمال البلاد، على أن الاستقلال هو الخيار «الوحيد» المتبقى أمام الأكراد فى ظل غياب «الشراكة» مع «بغداد».
محلل عراقى: الاستفتاء ورقة ضغط بيد الولايات المتحدة على «بغداد» وإيران وتركيا.. و«واشنطن» لن تسمح بالاتجاه نحو الحرب
وكشف قيادى كردى مقرب من رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزانى، عن تفاصيل مقترح الدول العظمى بشأن تأجيل الاستفتاء، مشيراً إلى أن هذه الدول ستعمل على حل المشاكل بين أربيل وبغداد. وقال سكرتير الحزب الاشتراكى الكردستانى محمد حاجى محمود فى تصريح صحفى، يوم السبت الماضى، إن «الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والأمم المتحدة عرضت مناقشة أوضاع الإقليم، بما فى ذلك استفتاء الاستقلال فى الأمم المتحدة، مقابل إرجاء القيادة الكردستانية الاستفتاء عامين». وأضاف أن «المبعوث الأمريكى للتحالف الدولى لمكافحة داعش بريت ماكجورك، وسفراء الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ورئيس بعثة الأمم المتحدة فى العراق، قدموا هذا العرض إلى بارزانى أمس الأول»، لافتاً إلى أنهم «أكدوا أنه فى حال رفضه فإن على الإقليم تحمل التبعات».
وفق تلك التطورات فإن أزمة الاستفتاء حملت بعدين أحدهما سياسى، وآخر عسكرى. وقالت وكالة أنباء «سبوتينيك» الروسية، إنه بينما يبدو الصراع ظاهرياً سياسياً، بشأن إجراء استفتاء انفصال إقليم كردستان عن «بغداد» من عدمه، يمكن للمتابع بسهولة أن يدرك أن حرباً عسكرية ضروساً تطرق الأبواب، من عدة جهات، لضمان عدم اكتمال كيان أول دولة كردية فى العصر الحديث. وأضافت الوكالة، فى تقرير الاثنين الماضى، أن «الحل العسكرى بدأ يظهر فى الأفق خلال اليومين الماضيين، مع تلويح تركيا على استحياء، بتأكيدها أن الاستفتاء المزمع فى شمال العراق قضية أمن قومى، وعلى لسان رئيس وزرائها بن على يلدريم، فإن تركيا ستتخذ أى خطوات ضرورية، وبالطبع لا يحتاج أحد لتفسير الجملة. أما منظمة «الأمم المتحدة»، التى وجدت أن الأمور تسير إلى طريق السلاح، أرادت أن تتجنب هذا المصير، الذى سيؤدى إلى نفق مظلم، فقدمت مقترحاً لرئيس إقليم كردستان العراق يقضى بالعدول عن الاستفتاء المرتقب فى 25 سبتمبر الحالى، مقابل المساعدة على التوصل إلى اتفاق فى مدة أقصاها 3 سنوات.
من جهته، استبعد المحلل السياسى العراقى حازم العبيدى، فى اتصال لـ«الوطن»، الحل العسكرى فى هذه الأزمة، وقال إن «الولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح لحكومة بغداد وحكومة كردستان بالتصادم العسكرى، فكلتا الحكومتين حليفة لواشنطن، إلا أن الأخيرة تريد الضغط على حكومة بغداد بسبب السياسات الطائفية، هى بمثابة قنبلة دخان ترميها الولايات المتحدة من أجل الضغط على الحكومة العراقية والضغط على إيران وتركيا كذلك». وأضاف «العبيدى»: «كذلك فإن واشنطن لن تسمح بأى حرب فى هذه المنطقة، بسبب الحرب مع تنظيم داعش الإرهابى، إن انفصال إقليم كردستان العراق بمثابة الانتحار السياسى لهذا الإقليم». وتابع المحلل السياسى العراقى: «الأمور ستسير فى المسار السياسى بعيداً عن أى مسار عسكرى، وسيتم إجراء الاستفتاء، ولن يكون هناك انفصال للأكراد وإنما سيكون الأمر مجرد ورقة ضغط سياسى على حكومات بغداد وتركيا وإيران، لتحقيق المصالح الأمريكية».
.. وفى مواجهات عنيفة مع داعش