«الحشو» أسلوب حياة.. من الفصول إلى العقول: أصل العلم يُكيَّل بحجم «شنطة المدرسة»
عشرات التلاميذ يكتظون فى فصول المدارس الحكومية والخاصة
«العلم لا يُكيّل بالمال» مقولة حولها الساخطون على أحوال التعليم إلى «العلم لا يُكيّل بالباذنجان» ثم ثبت بالتجربة أنه من الممكن أن يكيل العلم بالفعل ولكن بعدد الكتب التى يحملها كل طالب على ظهره وصولاً إلى إصابته بتشوهات فى عموده الفقرى أو نفسيته، أيهما أقرب.
«لدينا 20 مليون طالب ما قبل التعليم الجامعى، موزعين على 53 ألف مدرسة، وهناك فجوة بين عدد الطلاب وعدد الفصول بواقع 450 ألف فصل و2 مليون معلم وإدارى» اعتراف صريح بالعجز وقلة الحيلة جاء على لسان الدكتور الهلالى الشربينى، وزير التربية والتعليم، فى المؤتمر الأول للشباب بشرم الشيخ، وعلى الرغم من أن المدارس تلك يعمل بعضها على فترتين، إلا أنها لا توجد أماكن، يشهد على ذلك اليوم الأول فى المدرسة وعمليات الوثب فوق السور مع دقات الفجر من أجل «حجز مكان» على طريقة «اللى سبق أكل النبق» فى فصول كثيفة للغاية يدفع ثمنها طالب لا يرى سبورته جيداً، ولا يملك شجاعة الوقوف بين العشرات ليقول «مش فاهم». داخل مدرسة عمار بن ياسر الابتدائية بشبرا الخيمة، عشرات الطلاب الذين تكدسوا داخل الفصول، ثم فرغت منهم تماماً بعد انتهاء الفترة الصباحية لتستقبل الفترة المسائية مئات أخرى من الطلاب، يلتصق بعضهم جوار بعض ليجلس على كل «دكة» أربعة طلاب، داخل أحد فصول الصف الأول الابتدائى وقفت المعلمة مع الحصة الأولى لتشرح إلى تلاميذها الصغار الدرس الجديد، لكنها فجأة خرجت عن شعورها.
ولى أمر: «لما أربعة يقعدوا على دكة واحدة يبقى فيه احتمالية لانتشار الأمراض ومستوى تعليم متدنى»
«نادية» ولدة طالبة فى الصف الأول الابتدائى، وقفت على باب المدرسة تنتظر خروج طفلتها لتصحبها إلى البيت، تشير إلى أن كثافة الطلاب داخل الفصول «مخيفة» حسب وصفها، مضيفة «لما أربعة يقعدوا على دكة واحدة، يبقى فى احتمالية لأمراض هتنتشر، ومستوى تعليم متدنى، لأن بنتى لو حبت تسأل سؤال وغيرها يسأل سؤال المدرس مش هيعرف يلاحق على مين ولا مين».
بالقرب من مدرسة أخرى، وقفت طالبة ممسكة بيد والدها الذى حمل لها حقيبة الظهر بينما يصطحبها إلى البيت، وعلى الرغم من ضآلة جسدها الصغير إلا أن الحقيبة بدت ثقيلة للغاية، الأمر الذى برر تلك المساعدة اليومية التى يسديها الرجل لصغيرته «هى دى الحمولة الزايدة بعينها والله، مش بس الفصول والمدارس لأ الشنط كمان حملها زايد، بين كشاكيل وكتب وكراسات ومقالم، اللى ليه لازمة واللى مالهوش على ضهر العيل فى شنطة مابتكملش لآخر السنة، يعنى كل سنة شنطة جديدة عشان تتقطع».
صغيرته التى تجلس بين ثلاثة من أصدقائها على الدكة كثيراً ما اشتكت لوالدها من أجل مساعدتها على تغيير الموقع، «المكان ضيق أوى عليا ولما قلت للميس بتاعتى قالت لى معلش استحملى»، «مريم» طالبة الصف الثانى الابتدائى بمدرسة «بيجام» تعانى على صغر سنوات عمرها، من الحمولة الزائدة، حتى إن أمنيتها أصبحت غريبة للغاية «نفسى ماروحش المدرسة بالشنطة عشان تقيلة عليا أوى».
عواطف متولى، مدرسة سابقة بوزارة التربية والتعليم، أحيلت إلى المعاش، أشارت إلى أن عدد الطلاب داخل الفصل يصل أحياناً إلى 70 فى بعض الفصول، تعترف المعلمة المخضرمة أن الجهد الذى تبذله من أجل توصيل المعلومة والشرح هو الأقل، المشكلة بالكامل فى محاولة إسكات الطلبة والوفاء بمتطلبات الحصة كاملاً كالرد على أسئلتهم، مؤكدة أنها لم توفق فى ذلك على مدار سنوات تدريسها بأحد المدارس «الطالب من حقه يسألنى لو مش فاهم ومن واجبى إنى أشرح له، لكن الأعداد الكبيرة بتجبرك أحياناً إنك تتجاهل السؤال عشان وقت الحصة مايضيعش».