مواقف الميكروباص: كرامة وحياة المواطنين «تحت العَجَل».. والإدارة بـ«الكارتة والإتاوة»
![مواطنون أثناء عبور الطريق الدائرى لركوب الميكروباص من أحد المواقف العشوائية](https://watanimg.elwatannews.com/image_archive/840x473/5612979451464803845.jpg)
مواطنون أثناء عبور الطريق الدائرى لركوب الميكروباص من أحد المواقف العشوائية
نتوءات على نهر الطرق السريعة، صنعتها الفوضى وغياب الإدارة والرقابة والمساءلة، لتصنع من نفسها موقعاً مثالياً لحوادث جمة، مواقف عشوائية، ومقاه، وأكشاك خشبية، تزدحم بها الطرق السريعة، التى وجد فيها سكان الأماكن المحيطة ملاذاً للهروب من الزحام، ووجد فيها أصحاب السيارات الأجرة والمقاهى والأشكاك مكاناً لكسب الرزق، دون الالتفات إلى ما قد تتسبب به الجلبة التى أحدثوها على تلك الطرق من حوادث قاتلة تودى بحياة المواطنين، وبعيداً عن رقابة الدولة، التى ظهر غيابها جلياً فى مشاهد تظهر للعيان وعلى مسمع ومرأى من الجميع.
«فودة»: كدت أفقد حياتى فى حادث.. و«خالد»: موجودة حتى على الطرق السريعة.. وخبير: تؤدى إلى كوارث.. وسائق: أكشاك الشاى والسندوتشات تقدم لنا الخدمات
كان اختيار الطريق الدائرى الحل الوحيد فى محاولة حازم خالد، للعودة إلى إمبابة بسرعة بعيداً عن زحام العاصمة، حاول اختزال الوقت، ولكن فوجئ بخروج سيارة أجرة من أحد جوانب الطريق بسرعة منخفضة، حاول الضغط على مكابح السيارة لتفادى التصادم ولكن دون جدوى، حيث كانت المسافة أصغر من تفادى الاصطدام.
نجم عن الحادث خسارة جزء كبير من النصف الأمامى للسيارة، بخلاف بعض الكدمات التى طالت الشاب العشرينى، الذى عادة ما يلجأ إلى الطريق الدائرى لاختصار الوقت، ألقى الحادث بظلاله على نفسيته، حيث ظل لفترة طويلة يرفض قيادة السيارة، بعدما طاله من خسائر مادية.
لم تكن الخسارة فيما طال السيارة من دمار، ولكن أيضاً توقف عن عمله، فتلك السيارة الأجرة يقتات منها الشاب خريج كلية التجارة لقمة عيشه، ويقول: «مش كفاية الدولة مش موفرة لنا وظايف كمان إهمالها وصل تضرنا فى لقمة عيشنا اللى مالهاش علاقة بالتعليم اللى اتعلمناه كل السنين اللى فاتت ديه».
يلقى الشاب على عاتق الدولة الإهمال فى تأمين الطرق من تلك المخالفات، وأن المرور بعيد عن تلك الطرق السريعة، ولا يجده إلا على الطرق الداخلية لجمع أموال مخالفات: «بدل ما يدينى مخالفة عشان لون الإزاز ولا استيكر على السيارة ولا يتلكك على الأمن والمتانة كان ياخدوا بالهم شوية من الطرق اللى كل يوم عليها حادثة بسبب الإهمال فى المواقف العشوائية والتكاتك اللى بتطلع فوق الدائرى ولا القهاوى اللى ظهرت على جوانب الطريق».
كان «خالد» يمر دائماً على الكثير من الحوادث على الدائرى، لم يكن يعرف سبباً واضحاً لها، تثيره تلك المواقف العشوائية التى تنتشر وفقاً لمحطات أصبحت معروفة لسكان المناطق المتاخمة للطريق الدائرى، والتى تستخدمها باستمرار دون النظر لطبيعة الطريق السريع.
تظهر تلك المواقف العشوائية وهى تزدحم بالمواطنين المنتظرين للسيارات التى تقلهم إلى وجهتهم، أو فى شكل عربات أجرة تتزاحم لالتقاط نصيبها من الركاب، حتى تشغل ما يزيد على ربع مساحة نهر الطريق، وعندها يبدأ الطريق بالازدحام وفى بعض الأحيان تصنع زحاماً مرورياً على الطريق السريع، ورغم الكثير من الحوادث ولكن لا أحد يلتف إليها، فحسب خالد، قلما تجد ضابط مرور أو عسكرياً يقف على الدائرى، وإذا وجد فإنه لا يتحرك نحو تلك المواقف، وأما عن اللافتات، فيقول: «قليلة جداً وبعض المواقف لا توجد لها لافتات من الأساس».
لم يكن وحده الذى تضرر من تلك المواقف، ولكن سيد نبيه، شاب عشرينى، يقول إنه نجا من الموت بأعجوبة، حينما اصطدمت سيارة كانت تسير بسرعة عالية بإحدى سيارات الأجرة، وهو كان بالقرب من موقع الاصطدام، ويحمد ربه، أنه أنقذ من ذلك الحادث بعدما انزلق من أعلى الدائرى، ليخرج بعدد من الكدمات، ورغم أن الشاب يستخدم تلك المواقف بشكل يومى للذهاب لجامعته، أو العودة لمنزله فى إحدى قرى الجيزة، ويقول إنها توفر عليه الوقت ساعات يومياً، كان يقضيها فى الطرق العادية، لكنه يقول إن الدولة عليها أن تضع شكلاً أكثر تنظيماً لاستخدام تلك السيارات الأجرة التى أصبح وجودها ضرورياً على الطريق الدائرى بشكل خاص.
«العربيات مطلوبة بس حياتنا أهم»، كان هذا خيار «سيد»، مطالباً بوقف تلك المواقف لو كانت ستكلف الكثير حياتهم إن لم يجدوا لها نظاماً محدداً وأماكن على الطريق بشكل ثابت وتنظم وتراقب من الدولة ممثلة فى المرور، مشيراً إلى أن الطريق الدائرى بات دولة بعيداً عن الدولة نفسها تحكمها البلطجة وغياب الأمن والعشوائية، حتى أصبح الموت سمة سائدة.
نور السيد، سائق أجرة على الدائرى، يقول إنه لم يجد شيئاً يقتات منه لقمة عيشه سوى قيادة تلك السيارة الأجرة، التى لا يمتلكها، وإن خطوط المواصلات على الدائرى موجودة من زمن، وإنها تخدم آلاف المواطنين يومياً، بدلاً من «وقف حالنا ياريت الدولة تشيل التراب والدبش اللى موجود على الطريق وتعمل لنا بداله مواقف رسمية ومحطات ومش هنقول لا»، ويلقى باللوم على العشش والمقاهى التى ظهرت على الطريق، مؤكداً أنهم ليسوا وحدهم الذين يجب أن يتحملوا وزر الحوادث المتكررة على الدائرى.
ورصدت «الوطن» كثيراً من أعشاش وأكشاك خشبية تناثرت على جانبى الطريق الدائرى، تعمل على تقديم الخدمات لتلك المواقف، منها من يعمل كمقهى يقدم المشروبات، وبعضها لتصليح الأعطال و«الكاوتشوك».
يقول سيد أحمد، سائق عربة نصف نقل، إن هناك الكثير من أكشاك الشاى التى تقدم خدماتها للسائق، وتكون غالباً قريبة من المواقف وتصنع هى الأخرى الكثير من الأزمات، حيث يقيم أصحابها أكشاكاً خشبية فى جزء من نهر الطريق دون الالتفاف إلى ما يمكن أن تسببه من حوادث، ولا يتفاداها إلا من لديه خبرة ويمر باستمرار على الطريق.
ويعيب أحمد على، صاحب كشك، يقف بالقرب من منزل المريوطية، على مخطط الدائرى، الذى لم يوفر أماكن ومساحات للخدمات، معلقاً: «الدائرى طريق طويل، ويحتاج السائقون فيه للكثير من الخدمات والإصلاحات، وكان لا بد من وجودنا، لو كان هناك من الأساس محال ودكاكين بالقرب من الدائرى ومخصص لها مساحات بعيداً عن نهر الطريق ما ظهرنا فى تلك الأكشاك».
من جهته أكد الدكتور مجدى صلاح، أستاذ الطرق والمرور بجامعة القاهرة، أن المواقف العشوائية والأكشاك الموجودة أعلى كوبرى الدائرى من أهم الأسباب فى زيادة عدد الحوادث على الطريق، مطالباً بضرورة إزالة المواقف العشوائية من على هذا الطريق لأنها مخالفة للقانون ومخالفة لما تم التخطيط له منذ إنشاء الكوبرى، وأن هذا الطريق ليس من المفترض أن تكون عليه خدمات مباشرة.
وعن سبب عدم جواز وجود مواقف أو خدمات على الطريق بصورة منظمة من جانب الدولة، قال «صلاح» إنه لا يجب أن يكون على الطريق أى مواقف لسيارات الأجرة أو أكشاك تقدم خدمات، لأن الطريق تم إنشاؤه على أنه طريق سريع، وأن من يريد أى خدمات ينزل من عليه ليحصل على الخدمات التى يريدها ثم يصعد عليه مرة ثانية، وأنه يختلف عن الطريق الصحراوى لأن الطريق الصحراوى به مداخل ومخارج لمواقف السيارات أو الأماكن الخدمية أو محطات البنزين، ومواقع الخدمات ليست موجودة مباشرة على الطريق، محذراً من خطورة وجود أى خدمات مباشرة على الطريق أو عبور المشاة أو أى أنشطة، مناشداً الدولة التدخل وإزالة كل هذه المواقف العشوائية التى تتسبب فى الحوادث.