هل للأزمة الدستورية دستور؟

جرى النزاع والضجيج حول الدستور، ثم الاستفتاء على الدستور، وجرى النزاع حول الإعلان الدستورى، ثم حول إلغاء الإعلان الدستورى، ثم حول إصدار إعلان دستورى جديد، واحتدم النقاش بين أبناء الوطن حول الدستور، وما يحيط به من أزمات، حتى جرى التراشق، والسباب، والتهديد بالقتل، وبرزت نبرة العنف أو التهديد به من سائر الفرق، ونزل النقاش الوطنى إلى مستوى شديد السوء، بحيث صارت أزمة الدستور من أشد أزمات مصر فى تاريخها الحديث، وقد انقدح لى أن إدارة معركة الدستور تحتاج إلى دستور. نعم، معركة الدستور تحتاج إلى دستور أخلاقى راق، وعقد اجتماعى أخلاقى، يكفل لنا أن نختلف بدون تكفير، ولا تخوين، ولا تهديد، إلى دستور أخلاقى تظهر من خلاله محاسن الشريعة، وترى الدنيا من خلاله أنه هنا، فى هذه المنطقة من العالم، هناك بشر وآدميون يتحاورون ويبنون وطنهم، ويتحاورون حول دستورهم، نحتاج إلى دستور أخلاقى يطفئ غضب النفوس، ويحول النقاش حول دستور البلاد من شجار بين نفوس محمومة وملتهبة بالغضب، إلى حوار وطنى محترم بين عقول كبيرة، وإليكم مواد (دستور أزمة الدستور): 1- عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، رواه الحاكم فى المستدرك، وصححه، 2- عن سهل بن سعد الساعدى أنه سمع النبى -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن الله كريم يحب الكرم، ويحب معالى الأخلاق، ويكره سفسافها)، رواه البيهقى، وصحح الحافظ العراقى سنده، 3- عن عبدالله بن عمرو رضى الله عنه أنه كان يقول: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً، وإنه كان يقول: (إن خياركم أحاسنكم أخلاقاً)، رواه البخارى ومسلم، 4- عن أبى مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة: إذا لم تستح فاصنع ما شئت)، رواه البخارى فى صحيحه، 5- عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (يا عائشة!! إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطى على الرفق ما لا يعطى على العنف، وما لا يعطى على ما سواه)، رواه مسلم فى صحيحه، 6- عن أبى ثعلبة الخشنى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن أحبكم إلىّ، وأقربكم منى: أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إلىّ، وأبعدكم منى: مساوئكم أخلاقاً، الثرثارون المتشدقون المتفيهقون)، رواه ابن حبان فى صحيحه، 7- عن حذيفة رضى الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن ما أتخوف عليكم رجل قرأ القرآن، حتى رُئِيَتْ بهجته عليه، وكان رِدْئاً للإسلام، غَيَّره إلى ما شاء الله، فانسلخ منه، ونبذه وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف، ورماه بالشرك)، قال: قلت: يا نبى الله!! أيهما أولى بالشرك؟ المرمى أم الرامى؟ قال: (بل الرامى)، رواه ابن حبان فى صحيحه، 8- عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره)، وفى رواية: (اتقاء فحشه)، رواه البخارى ومسلم، 9- عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يزال المؤمن فى فُسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)، رواه البخارى فى صحيحه، وعن أبى سعيد الخدرى وأبى هريرة يذكران عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا فى دم مؤمن لأكبهم الله فى النار)، رواه الترمذى قى سننه، وكان سيدنا عبدالله بن عمر يقول: (إن من ورطات الأمور التى لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها: سفك الدم الحرام بغير حله). والخلاصة أن الأمم لا تحيا ولا تستمر بدون ميثاق أخلاقى، تتراضى الأطراف جميعاً على تحكيمه، والانطلاق منه، وقد قال أحمد شوقى رحمه الله: إنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيتْ *** فإنْ هُمُ ذهبتْ أخلاقُهمْ ذهبوا وإنى لأرجو أن ينزل هذا الدستور النبوى برداً وسلاماً على قلوب أبناء مصر جميعاً، وأن تكون هذه الكلمات النبوية المحمدية الهادية نبراساً، يستضىء الناس به فى ظلمات اختلاف الآراء، واحتدام الأزمات، وتعلو به بيننا القيمة الأخلاقية الإنسانية الوطنية، وأظن أننا جميعاً نتفق على شدة الحاجة إلى القيم الأخلاقية العليا فى كافة مراحل بناء الوطن، حقناً للدماء، وجمعاً للكلمة؛ إذ لا يمكن أن تدور عجلة الوطن أبداً ونفوس أبنائه موتورة ومشحونة وملتهبة، فتعالوا لنلتقى جميعاً حول هذا الدستور النبوى الأخلاقى، الذى يشيع به جو من قابلية التواصل، والتحاور، والتلاقى، وندعو لمصر أن يحفظها الله بحفظه الجميل.