بعد أن رفض الشعب ومؤسساته القضائية والقوى السياسية الوطنية الإعلان «غير الدستورى» الذى أصدره رئيس الجمهورية فى 22 نوفمبر 2012، اضطر الرئيس إلى إلغاء ذلك الإعلان -مع بقاء كل آثاره نافذة ولا يمكن الطعن عليها- وهو أيضاً ما رفضه الشعب، اتجه الغضب الشعبى والسياسى إلى التركيز على رفض مشروع الدستور الذى حدد موعد الاستفتاء عليه يوم السبت 15 ديسمبر المقبل.
وبدراسة «مشروع دستور جمهورية مصر العربية»، فإننى أعلن رفضى له والمطالبة بإلغاء دعوة الشعب إلى الاستفتاء عليه، وهدفى من هذا المقال توضيح بعض أهم المواد المرفوضة فى مشروع الدستور للمواطنين وأدعوهم إلى رفضه والمطالبة بإلغاء الاستفتاء، مؤكداً أنه لا يعبر عن روح ثورة 25 يناير وأهدافها ومطالبها الأساسية «عيش، حرية، عدالة اجتماعية» إذ لم يشارك فى صنعه أى من شباب الثورة ولا ممثلى الأحزاب والقوى المجتمعية والسياسية المعبرة عن الثورة!
وبداية، فإننى أرفض ما جاء بالمادة [1] من وصف جمهورية مصر العربية بأنها دولة «.. .. . موحدة لا تقبل التجزئة» فإن هذا يثير الشك فى احتمال تجزئة الوطن وانفصال أجزاء منه، ونربأ بدستور الثورة الإشارة إلى احتمال تجزئة الوطن تصريحاً أو تلميحاً، كذلك من أهم دواعى رفض مشروع الدستور تسلل بدايات للدولة الدينية من خلال النص فى المادة [4] على أن «يؤخذ رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية»، ذلك أن هذا النص يفرض وصاية من تلك الهيئة على السلطة التشريعية والسلطة القضائية، وكان يجب الاكتفاء بما قررته المادة [2] من أن «مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع»، كذلك نرفض المادة 219 وما احتوته من تفسير لمبادئ الشريعة الإسلامية حيث إن المادة الثانية تكفى.
وتصف المادة [6] النظام السياسى بأنه يقوم على «مبادئ الديمقراطية والشورى» وهذا يثير كثيراً من الالتباس حول مفهوم «الشورى» بين أفراد الشعب الذين سيلتزمون بالثوابت الواردة فى هذا الدستور، خاصة أن ديباجة مشروع الدستور اهتمت بوصف نظام الحكم بأنه «نظام حكم ديمقراطى» بما يجعل إضافة وصف «الشورى» إلى صفة النظام السياسى تزيّداً مرفوضاً يشير إلى ملامح الدولة الدينية. فى نفس الوقت لم تنص المادة المذكورة على مطلب أساسى للقوى المدنية وهو منع إنشاء الأحزاب السياسية على «أساس دينى»، ومن ناحية أخرى، فالمادة رقم [10] تفتح الباب للتيارات الدينية ومروجى الإسلام السياسى وجماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بالتدخل فى أساس المجتمع حين نصت على أن «تحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية، وعلى تماسكها واستقرارها، وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها»، كما أرفض نص المادة [81] الذى يشترط لممارسة الحقوق والحريات الواردة فى الدستور عدم مخالفتها لمقومات الدولة والمجتمع الواردة فى الباب الأول منه، ومقتضى ذلك فتح الباب لتقييد حقوق المواطن وحريته، خاصة حرية الإبداع وحرية التعبير وحرية العقيدة وحرية التظاهر السلمى، فى ضوء المادة 4 التى تلزم بأخذ رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية.
وقد لوحظ أن المادة [7] لم تفصح عن «مسئولية الدولة» فى الحفاظ على الأمن القومى والدفاع عن الوطن وحماية أرضه، كذلك فقد تفادت المادة [8] التصريح بالتزام الدولة بتحقيق العدل والمساواة والحرية وهى من المطالب الأساسية للثورة!
وفى مجال العدالة الاجتماعية أرفض ما جاءت به المادة [14] من إقرار أى استثناء ولو بالقانون من الحد الأقصى للأجور فى أجهزة الدولة، كذلك جانب التوفيق نص المادة [27] من أن: «للعاملين نصيب فى إدارة المشروعات وفى أرباحها» من دون تخصيص أنواع المشروعات بما يفتح الباب لمشكلات هائلة بالنسبة لمشروعات القطاع الخاص والقطاع الاستثمارى، وكان يجب التخصيص فى هذه المادة بأنها تتعلق بالمشروعات العامة. كذلك كان غريباً أن تنص المادة [52] على حل النقابات والاتحادات والتعاونيات بحكم قضائى وليس فقط حل مجالس إداراتها.
ومن أخطر مواد مشروع الدستور ما جاء بالمادة [70] من جواز تشغيل الأطفال بعد تجاوزهم سن الإلزام التعليمى، وكان أجدر النص على تحريم تشغيل الأطفال على الإطلاق.
وفيما يتعلق بتشكيل البرلمان أرفض الاستمرار فى تكوين مجلس الشورى فاقد الفاعلية، ومن ثم نرفض ما جاء فى المادة [230] من الأحكام الانتقالية بأن «يتولى مجلس الشورى بتشكيله الحالى سلطة التشريع كاملة من تاريخ العمل بالدستور حتى انعقاد مجلس النواب الجديد»، وأرفض الإبقاء على حصانة أعضاء البرلمان وعدم جواز اتخاذ أى إجراء جنائى ضدهم إلا بإذن سابق من المجلس -فى غير حالة التلبس- كما جاء فى المادة [90].
وتمثل صلاحيات رئيس الجمهورية سبباً رئيساً فى رفض مشروع الدستور، فقد بلغ عددها تسعاً وعشرين صلاحية أخطرها تعيين النائب العام [مادة 173]، تعيين رئيس وقضاة المحكمة الدستورية العليا [مادة 176]، رئاسة مجلس الأمن القومى [مادة 193]، رئاسة مجلس الدفاع الوطنى [مادة 197]، رئاسة هيئة الشرطة [مادة 199]، وتعيين رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية [المادة 202].
وفى قمة أسباب رفض مشروع الدستور يأتى العوار الذى أصاب تشكيل المحكمة الدستورية العليا والانتقاص من اختصاصها فى الفصل فى منازعات التنفيذ [المواد176، 177، 178]، وقصر عدد قضاة المحكمة على رئيس وعشرة أعضاء يصدر بتعيينهم قرار من رئيس الجمهورية دون النص على موافقة الجمعية العمومية للمحكمة، مما يهدر استقلال المحكمة، كما لا يختلف النص الخاص بهيئة الشرطة كثيراً عن دستور 1971 وكأن الثورة لم تقع فى 25 يناير ولم يكن للشرطة دور فى محاولة قمعها، ونرفض عدم الإشارة إلى ضرورة إعادة هيكلة الشرطة وأجهزة الأمن [ المادة 199].
إن المطلوب هو إصرار الشعب على رفض هذا الدستور ابتداء وليس مجرد التصويت بـ«لا».