يمر الإعلام المصرى بأسوأ فتراته منذ ثورة 25 يناير. فكل ما نشهده الآن من خطاب إعلامى، على بعض المستويات، فى إدارة الأزمات التى تمر بها البلاد لا يليق بما جاءت به ثورة يناير المطالبة بحرية الرأى والحق فى التعبير.
فالإعلام له دور أساسى فى مراقبة الأحداث ونقلها إلى المشاهد من خلال وضعها فى إطارها الصحيح دون تضليل أو مبالغة أو تعتيم. لقد أخفق الإعلام المصرى الحكومى فى عهد مبارك وأثناء تغطيته ثورة يناير عندما تجاهل إرادة الشعب فى كسره للقيود، مؤرخاً بأنه قد انتهى عهد كبت الحريات.
وبالرغم من التغيير فى منصب وزير الإعلام مرات عدة، فإننا لم نلمس تغييراً حقيقياً فى تغطية أخبار الأحداث السياسية. وبالرغم من أن هناك كثيراً من البرامج التى تعمل جاهدة لتقديم وجهات نظر مختلفة، وبرامج أخرى توجه الانتقاد إلى حكومة رئيس الوزراء دون خوف، فإن كثيراً من الأحداث تتطلب تغطية أعمق وأشمل، خاصة فى ظل الأزمات التى تمر بها مصر الآن.
فبينما كانت تذيع القنوات الفضائية المصرية والعالمية ما يحدث من اشتباكات بين مؤيدى ومعارضى قرارات الرئيس، أذاعت القناة الأولى فيلماً تسجيلياً عن الحضارة المصرية، بينما اكتفت القناة الثانية بإذاعة برنامج ترفيهى وفقرات عن الساحر. ولكن إحقاقاً للحق عرضت القناة الأولى فترة من الاشتباكات، ولكن من زاوية بعيدة وغير واضحة وبدون صوت، لأنها كانت تذيع على النصف الآخر من الشاشة مشهداً عن معرض للوحات ورسومات فنية، مما يثير التساؤل عما إذا كانت الاشتباكات خبراً متساوياً فى أهميته للوحات الفنية؟
وإذا كان الحال كما يشير رئيس القناة الأولى، فى أن تغطية هذه الأحداث هى مسئولية قطاع الأخبار فقط، ولهذا السبب تمت تغطية الاشتباكات فى نشرة الأخبار، وإذا كانت هذه هى سياسة التليفزيون المصرى القومى (الذى من المفترض أن يكون أول من ينقل الخبر بمصداقية للمواطن)، وأن هذه التغطية ليست نتاجاً لقيود فُرضت، فأعتقد أنه من الأفضل تخصيص جزء أكبر من ذلك بكثير من نشرة الأخبار لتغطية أحداث الحراك الشعبى والشارع المصرى المشتعل، حتى يتمكن المواطن من فهم ما يحدث، وحتى يتمكن الإعلام من نقل الصورة بشكل مكتمل.
ولهذا السبب طالبنا، وما زلنا ننادى، بضروة فصل الملكية عن السياسة التحريرية (و هذا منطبق على كل وسائل الإعلام)، فلا يمكن تصنيف الإعلام على أنه ليبرالى أو إسلامى، فالإعلام له رسالة محددة فى التثقيف والتوعية، لأن المشاهد له الحق فى المعرفة، وعلى الوسائل الإعلامية المختلفة أن تلعب دورها فى ما يُسمى بخلق سوق الأفكار وانعكاس آراء مختلف الأحزاب والأيديولوجيات بطريقة محايدة، وفى النهاية يكون للمشاهد الحرية فى بناء آرائه واتجاهاته، ولكن ما يحدث الآن ليس إلا انعكاساً للحالة السياسية المتخبطة وغير المستقرة والتى تنعكس على وسائل الإعلام فى تغطيتها غير الدقيقة لمختلف الأحداث.