الفساد فى حماية القانون
الفساد فى حماية القانون
الفساد فى حماية القانون
لا شىء يكسر ظهور المواطنين أكثر من «الفساد».. الفقر مهين، والظلم موجع، والبطالة تسرق من الإنسان كرامته وجدارته بالحياة.. ولكنك كلما أمعنت التفكير فى كل هذه المآسى اكتشفت أن الفساد هو القاسم المشترك الأعظم بينها، وربما كان هو «أرض الجحيم» التى تضم غابة المظالم التى تكدر صفو حياتنا.
فى اليوم العالمى لمكافحة الظاهرة التى كسرت ظهور المصريين
بين وقت وآخر تتعالى الأصوات ضد «الفساد»، ويحتفل العالم كله فى مثل هذا اليوم من كل عام باليوم العالمى لمكافحة الفساد، وتصدر تصريحات من أعلى رأس فى الدولة عن البدء فى محاصرة «الفساد»، وتصدر قوانين وتشريعات لملاحقة «الفساد»، ولكننا فى كل مرة نكتشف أن هذه الآفة الجبارة أبقى وأصلب من كل أجهزة وقوانين الملاحقة، وأن «مافيا» الفساد تمكنت عبر العقود الأربعة الأخيرة من تحصين «ناتج فسادها» من أى ملاحقة أو مصادرة، وفى بلد تمتد أراضيه الخالية على حوالى مليون كيلومتر مربع، لا نشغل منها غير 7٪ على الأكثر، يصعب جداً، وربما يستحيل، على مواطن عادى أن يحصل على 200 متر يبنى عليها منزلاً، أو على 5 أفدنة يستصلحها ويعيش مستوراً من ريعها، بينما يسهل جداً أن يحصل «قرصان» على آلاف الأفدنة ليبنى فوقها مستعمرة سكنية، أو يحولها إلى مزرعة تنتج فقط ما يحتاجه الأغنياء فى الداخل والخارج. أين الخطأ إذن؟.. ومن أين نبدأ إذا كنا حقاً نمتلك إرادة البدء فى محاصرة الفساد؟! العارفون يشيرون فى يأس إلى صخرة «قوانين حماية الفساد» التى تتحطم فوقها كل الإرادات.. ويضعون أيدينا على قوانين وقرارات بقوانين أدت -وستؤدى- عملياً إلى استحالة الحساب أو المصادرة، وإذا كان هناك من يتساءل عن جدوى وضع الفاسدين فى السجون، ويطرح «المصالحة» بديلاً عن الحساب العادل، فإن هناك أيضاً من يرفض هذا الطرح، ويؤكد على أن أى تسوية مع الفاسدين ستسهم فى مزيد من إضعاف منظومة الردع العام، بل وستكون «المصالحة» مبرراً إضافياً لميلاد جيل جديد من الفاسدين، سيكبر ويتوحش وهو واثق من أن أقصى ما يمكن أن يلحقه هو أن يرمى للدولة ببعض الفتات مما كسبه.. فى مقابل الحصول على صك نهائى بمشروعية جرائمه.
بين هذا الرأى وذاك، تتعثر فى مكاتب قضاة التحقيق وجداول المحاكم، ملفات قضايا الكسب غير المشروع والتربح والنهب العام، وكلما اقترب القضاء من حسم قضية فساد، سارعت دائرة قضائية أخرى بإعادة القضية إلى المربع صفر.. حتى بدا للطامحين فى أدنى درجة من درجات العدالة الاجتماعية أننا ندور فى حلقة مفرغة، أو أننا ننتظر فى المحطة الخطأ.. لأن غابة الإجراءات وثغرات القوانين أكثر كثافة من أن يلوح منها ضوء شفيف فى نهاية النفق.