تعتبر البطالة من المظاهر العالمية، غير أن حجمها يتفاوت من بلد لآخر كما تتفاوت درجة المعاملة الإنسانية التى يتلقاها الفرد العاطل من مجتمعه، ونسبة العاطلين فى أى مجتمع تعتبر مقياساً مهماً لمستوى الصحة النفسية التى يعيشها السكان، ومن المعلوم أن البطالة من أخطر المشكلات التى تواجه المجتمع المصرى فهى تشكل إهداراً لعنصر العامل البشرى مع ما يتبع ذلك من آثار اقتصادية واجتماعية مدمرة، كما أنها تشكل بيئة خصبة لنمو الجريمة والتطرف وأعمال العنف وسبباً رئيسياً فى انخفاض مستوى معيشة الغالبية العظمى من المواطنين وفى تزايد أعداد من يقعون تحت خطر الفقر المطلق.
وطبقاً لمنظمة العمل الدولية فإن العاطل عن العمل هو: كل شخص قادر على العمل وراغب فيه ويبحث عنه ويقبله عند مستوى الأجر السائد ولكن دون جدوى، وإن البطالة بمعناها الواسع لا تعنى فقط حرمان الشخص من مصدر معيشته، وإنما تعنى أيضاً حرمانه من الشعور بجدوى وجوده، ولذلك فهى تشكل سبباً رئيسياً لمعظم الأمراض الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية فى أى مجتمع، ويمكن تلخيص هذه الآثار فى النقاط التالية:
■ تبرز لنا ظاهرة البطالة كتعبير عن سوء توزيع أو تقسيم العمل الاجتماعى، وسوء توزيع الدخل والثروة، على المستويين المحلى والوطنى، وعلى المستوى العالمى بين الدول الغنية والدول الفقيرة، ويترتب على ذلك مجموعة من الآثار الاجتماعية حيث يشعر العاطلون بالإحباط واليأس وعدم الانتماء للدولة، فتنتشر الجريمة بأنواعها، وخاصة فى صفوف العاطلين الذين لا يتلقون إعانة بطالة خلال فترة تعطلهم، أضف لذلك الانحرافات الفكرية وانتشار الشعور بالحقد والبغضاء نحو الطبقات التى تحيا فى بحبوحة من العيش، وتساعد البطالة على زيادة حالة ما يسمى بالتشرذم الاجتماعى، وتؤدى حالة التعطل الدائم والمؤقت عن العمل وما يصاحبها من مشكلات اجتماعية وضغوطات اقتصادية إلى إصابة غالبية الشباب المتعطل عن العمل بحالة من الإحباط الشديد المزمن وحالة من عدم الثقة بالنفس وخاصة لدى الشباب من حملة الشهادات المتوسطة والجامعية، ويدفعهم هذا الشعور إلى التفكير جدياً فى الانتقام من المجتمع الذى يرفض منحهم فرصة العيش الكريم، وتحسين أوضاعهم الاجتماعية، وتحقيق ذواتهم وتجسيد طموحاتهم، وأيضاً يدفعهم هذا الشعور إلى التفكير جدياً بالهجرة إلى مجتمعات أخرى.
■ كذلك تؤدى البطالة إلى التعرض لكثير من مظاهر عدم التوافق النفسى، حيث يتسم كثير من العاطلين بعدم السعادة وعدم الرضا والشعور بالعجز وعدم الكفاءة مما يؤدى إلى اعتلال فى الصحة النفسية، ومن أهم مظاهر الاعتلال النفسى التى قد يصاب بها العاطلون عن العمل:
- الاكتئاب: والذى يؤدى إلى الانعزالية والانسحاب نحو الذات، وتؤدى حالة الانعزال هذه إلى قيام الفرد العاطل بالبحث عن وسائل بديلة تعينه على الخروج من معايشة واقعه المؤلم، وكثيراً ما تتمثل هذه الوسائل فى تعاطى المخدرات أو الانتحار.
- تدنى اعتبار الذات: البطالة تؤدى بالفرد إلى حالة من العجز والضجر وعدم الرضا مما ينتج عنه حالة من الشعور بتدنى الذات وعدم احترامها.
■ إن الحالة النفسية والعزلة التى يعانيها كثير من العاطلين عن العمل تكون سبباً للإصابة بكثير من الأمراض وحالة الإعياء البدنى كارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكوليسترول، والذى من الممكن أن يؤدى إلى أمراض القلب أو الإصابة بالذبحة الصدرية، إضافة إلى معاناة سوء التغذية أو اكتساب عادات تغذية سيئة وغير صحية.
■ نلاحظ أحياناً أن بعض الفئات العاطلة لم تعد تؤمن بالوعود والآمال المعطاة لها من المسئولين والسياسيين، وبالتالى هى ترفع شعار التململ والتمرد والرفض والسخط الشعبى، مما يؤدى إلى التوترات والمخاطر السياسية، فمقابل مرارة ظروفهم هناك شواهد لفئات منغمسة فى ترف المادة، ومن الطبيعى أن ينطق لسان حالهم متسائلا: أين العدالة الاجتماعية والإنصاف؟، وبالتالى يجب على الحكومة احترام هذه الحقوق واتساع الصدر عند التعامل مع هذه الحالة، لأن المواطن فى نهاية المطاف لا يطالب إلا بحق العيش الكريم والحفاظ على كرامته وإنسانيته فى وطنه، وهى من جوهر حقوق المواطن والتى يجب على الحكومة أن تكفلها وتحرص عليها لا أن تتكالب عليها فتكون هى والقدر مجتمعيْن على المواطن المستضعف.
■ إحدى نتائج ظاهرة البطالة هى زيادة حجم الفقر، والذى يؤدى إلى عجز الفرد عن الإنفاق على نفسه أو على من تلزمهم نفقته، مما قد يدفعه إلى ارتكاب الجرائم من أجل الحصول على المال، لذلك فإن صلة البطالة بالإجرام صلة مباشرة وغير مباشرة.
■ إن مشكلة البطالة تحتاج منا إلى الوعى جيداً بخطورتها، والعمل على إيجاد الحلول الكفيلة بالقضاء عليها، ويجب أن يكون ذلك فى مقدمة أولويات الحكومة والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدنى.