فى عز الوجع الذى أحدثه منظر الطفل السورى الغريق خرج الرئيس الروسى فى استفزازه العادى ليعلن صفقة سلاح جديدة إلى نظام بشار الدموى القاتل.
إن حال أسرة «عبدالله الكردى» التى ابتلعها البحر لا يختلف كثيراً عن حال آلاف الأسر السورية التى هربت من نيران وإجرام «بشار» إلى البحر معتقدة وواهمة أنه سيكون أكثر رأفة ورحمة بهم، فإذا به يتحول إلى وحش يبتلع الجميع.
الطفل السورى الغريق «إيلان الكردى» وأخوه «غالب الكردى» وأمهما «ريحانة» كانوا يحلمون بالخلاص بالهروب من الموت فاكتشفوا أنه يتربص بهم.
فى عام 2006 حين كتبت روايتى «حالة سقوط» التى نشرت من الدار العربية للعلوم «ناشرون» فى بيروت قلت فى أحد فصولها:
«أية أوطان تلك التى يدفع أبناؤها أعمارهم ثمناً من أجل الهروب منها».
كنت أعلق وقتها على موجات الشباب العربى الذين يركبون قوارب الموت ليهربوا من أوطانهم التى ضاقت عليهم، وكان هذا الموت مفجعاً.
ما كنت أتصور جبروت ودموية حاكم عربى أو غير عربى ممكن أن يحول دماء شعبه إلى شراب يحتسيه صباح مساء، ويحول طراوة لحومة أطفال وطنه إلى وجبات سريعة.!
كما لم أكن يوماً أتخيل أن النظام العالمى كله فقد ضميره الإنسانى مقابل حسابات سياسية دائماً ما تكون خاسرة.
الروس منذ اندلاع الثورة السورية وقفوا لها بالمرصاد، تلك الثورة التى بدأت طاهرة كطهر أطفال درعا الذين خطوا بأناملهم على أسوار مدرستهم كلمات الثورة الأولى وبعدها اشتعلت، هؤلاء الروس تربصوا بها عبر سلسلة من المعاندات السياسية بينهم وبين الأمريكان.
لم يكن الأمر يتعلق بقاعدتهم التى سكنت مدينة طرطوس، وإنما كانت جشع المصالح فقد أراد الروس حلب البقرة الأمريكية للحصول على أكبر قدر من حليبها، من أوكرانيا وصولاً إلى مصر وغيرها.
إن حلف الشيطان المتربص بدماء السوريين وصلت شراسته إلى أقصى حدودها، هذا الحلف الذى تتبناه طهران وموسكو حلف دموى منذ زمن بعيد.
إن ميليشيات إيران فى سوريا متمثلة فى حزب الله، أو الفرق التى شكلها قاسم سليمانى، ما كان لها أن تتغول وتفترس الشعب السورى الطاهر لولا السلاح الروسى.
روسيا، التى قال الرئيس الأمريكى ذات لقاء جمعه مؤخراً مع الصحفيين فى البيت الأبيض الشهر الماضى إنهم تغيروا، أثبتت ممارساتهم أنهم ما زالوا كما هم.
«أوباما» قال وقتها «إن حلفاء بشار روسيا وإيران باتت لديهما الرغبة فى الوصول إلى حل»، بعدها مباشرة صدر قرار أممى بتوافق أمريكى روسى على ضرورة تشكيل لجنة للتحقيق فى استخدام الأسلحة الكيماوية، عندها كتبنا جميعاً وقلنا «بدأت الحلحلة فى هذه الورقة المخضبة بدماء أهلنا فى سوريا» لكن لم يمض وقت طويل حتى تكسر الأمل على صخرة وزير الخارجية الروسى حين صرح فى مؤتمر صحفى جمعه بوزير الخارجية السعودى فى موسكو بأن «بشار» باقٍ بل ويجب أن يقبل به الجميع.
لم يتردد وزير الخارجية السعودى فى رفض تلك التصريحات المستفزة، وأكد على الموقف الخليجى بأن «بشار» لن يكون جزءاً من سوريا المستقبل.
بعدها مباشرة لجأ «بوتين» بمكر ودهاء إلى دعوة العاهل الأردنى وولى عهد أبوظبى والرئيس المصرى إلى موسكو، والعنوان الكبير تشكيل حلف لمحاربة الإرهاب وخصوصاً داعش، ولكن المسكوت عنه والمخفى فى ثنايا الضمير الروسى الميت أنه كان يريد الالتفاف على وحدة الموقف الخليجى والعربى لإحداث اختراق فى الجدار العربى وتثبيت أنياب «بشار» فى لحوم السوريين.. لحوم تفتك بها الأسلحة الروسية وبراميل الموت فى الداخل وحين يريدون الهرب يبتلعهم البحر.