شكر الله فى اللغة هو: ذكر نعمته والثناء عليه، وقد وردت هذه اللفظة فى القرآن الكريم «75» مرة بمشتقاتها المختلفة ومنها قوله من سورة آل عمران آية 144: (وَسَيَجْزِى اللهُ الشَّاكِرِينَ)، ومقام الشكر من المقامات العليّة المعبرة عن سموّ المرء الروحى، هو إقرار وعرفان من العبد لله بسابق نعمه عليه وعظيم عطائه إليه، فهو يختزل دلالة اعتراف فعلية لما قُدِّم لنا سلفاً، وهو إحساس عميق وطوعى بمبادلة العطاء بالاعتراف، وبمبادلة المنَّة بالحمد، وبمبادلة النعمة بالشكر تصديقاً لقوله تعالى فى سورة النحل آية 78: (وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، وهو إقرار بأن «الْبَرَكَةُ وَالْمَجْدُ وَالْحِكْمَةُ وَ الشُّكْرُ وَالْكَرَامَةُ وَ الْقُدْرَةُ وَ الْقُوَّةُ لإِلهِنَا إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ!» رؤيا يوحنا (7: 12). يقول الدكتور والباحث فى الأديان عز الدين عناية: «وإن يكن قانون المقايضة يستدعى فعلاً مقابل فعل، عطية مقابلة أخرى، فإن الشكر هو منحة من تلقاء النفس الزكية تتخطى قانون المقايضة المادية، لتغدو فعلة متسامية عن الاعتبارات الدنيوية، وبالتالى فالشكر هو اعتراف خُلقى بخيرية الآخر وسموه وليس دَيْناً شرعياً تجاهه، وهكذا يكون عملاً عفوياً عميقاً نابعاً من عمق الذات للاعتراف للآخر، للغير، دون تحديد لهويته، وكذلك هو وعى ذاتى وإقرار بجميل الآخر... والشكر، بصفته عطية كريمة تخرج عن مستوجبات ما يربط الدائن بالمدين، ليس له إلزام بل هو نتاج المحبة الخالصة للآخر».
ورد فى معجم اللاهوت الكتابى فى تعريف مصطلح الشكر أن: عطايا الله المجانية تفيض وتنهمر على الجميع، والتى يقابلها من جانب الخَلق فعل الشكر، بصفته جواباً على نعم الله المتدفّقة والدائمة بما يفيد أن فعل الشكر هو:
- وعى بعطايا الله.
- امتثال طوعى للنفس التى غمرتها روعة الإقرار بجُود الله عليها.
- عرفان واعتراف بالجميل أمام العظمة الإلهية.
- ردّة فعل روحية عميقة للخليقة تقرّ بموجبها بعظمة الله ومجده.
يقول الإمام أحمد بن قدامة المقدسى: «درجات الشكر كثيرة: فإن حياء العبد من تتابع نعم الله عليه شكرٌ، ومعرفته بتقصيره عن الشكر شكرٌ، والمعرفة بعظيم حلم الله وستره شكرٌ، والاعتراف بأن النعم ابتداءً من الله بغير استحقاق شكرٌ، والعلم بأن الشكر نعمة من نعم الله شكرٌ، وحسن التواضع فى النعم والتذلل فيها شكرٌ، وشكر الوسائط شكرٌ لقوله النبى (لا يشكر الله من لا يشكر الناس)، وقلة الاعتراض وحسن الأدب بين يدى المنعم شكرٌ، وتلقى النعم بحسن القبول واستعظام صغيرها شكرٌ»، ويقول الإمام الغزالى: «الشكر هو أن يستعمل النعمة فى إتمام الحكمة التى أُريدت بها وهى طاعة الله».
يقول الشيخ الأكبر ابن عربى: «الشكر نعمته فإنه شاكر عليم، فما أحب من العبد إلا ما هو صفة له ونعت. والشكر لا يكون إلا على النعم لا على البلاء ما يزعم بعضهم مما لا علم له بالحقائق، لأنه تعالى أبطن نعمته فى نقمته، ونقمته فى نعمته، فالتبس على من لا علم له بحقائق الأمور، فتخيل أنه يشكر على البلاء وليس بصحيح، كشارب الدواء المكروه، وهو من جملة البلاء ولكن هو بلاء على من يهلك به وهو المرض الذى لأجله استعمله، فالألم عدو هذا الدواء إياه يطلب لما قام البلاء بهذا المحل الواجد للألم ورد عليه المنازع الذى يريد إزالته من الوجود وهو الدواء فوجد المحل لذلك كراهة، وعلم أنه فى طى ذلك المكروه نعمة، لأنه المزيل، فشكر الله تعالى على ما فيه من النعمة وصبر على ما يكره من استعماله لعلمه بأنه طالب لذلك الألم حتى يزيله، فما سعى إلا فى راحة المحل.. . فلما شكره على ما فى هذا المكروه من النعمة الباطنة زاده نعمة أخرى، وهى العافية وإزالة المرض وتصبره الدواء الكره عليه، ولذلك قال تعالى فى سورة إبراهيم آية 7: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) فزاده العافية»، وقد ورد فى الحديث (يُنادَى يوم القيامة: ليقم الحمّادون، فتقوم زمرة فينصب لهم لواء فيدخلون الجنة، قيل: ومن الحمّادون؟، قال: الذين يشكرون الله على كل حال)، وبالمثل نجد فى المسيحية معنى يلتقى مع معانى ذلك الحديث الشريف فى الرسائل: «رافعين الشكر كلَّ حين وعلى كلِّ شىء لله والآب باسم ربنا يسوع المسيح.. رسالة إلى مؤمنى أفسس (5: 20).