فى كل رحلة لعاصمة أوروبية.. لا بد من لقاءات وحوارات، مع أصدقاء وزملاء المهجر.. أُنصت لهم.. وأجيب عن كل استفساراتهم.. بحكم خبرتى (أكثر من عقد بينهم فى باريس، و13 سنة هنا) منذ عودتى «للعيشة» على أرض وطنى الأم!!.
اتفقنا على أن نلتقى بباريس صباح 14 يوليو (وهو إجازة رسمية احتفالاً بعيد الثورة الفرنسية).. ولأول مرة أحضر العرض العسكرى السنوى... فقد كنت دائماً أشاهده على شاشة التليفزيون!.
جلسنا فى شرفة أحد المقاهى، المطلة على الشانزليزيه بالدور الأول من 8 صباحاً، نتحدث عن الأحوال فى مصر اليوم ومستقبلاً.. نتحدث عن «خرفان مرسى»، بعد أن علَّق أحدهم علامة رابعة وصورة الجاسوس على باب مطعمه، وكيف قام بعض المصريين من الشباب المتحمسين بتحطيم واجهة المطعم وضربه علقة ساخنة، قبل أن يستنجد بالشرطة (ومبررهم: أنه يسُب المصريين بأنهم عبيد البيادة، ونساء مصر بأبشع التُهم)!!.
ساعتين ونصف، قبل بدء العرض العسكرى.. نتحدث عن مستقبل البلد، وحلمهم بالعودة للمشاركة فى بنائه، بخبراتهم ومدخراتهم، وما اكتسبوه فى بلدان المهجر من «قيم» وسلوكيات منضبطة، وتجويد فى العمل، وفهم لطبيعة الأسواق الخارجية. يمكِّنهم من غزوها بالمنتجات المصرية (وضربوا لى مثلاً بيهودى مغربى.. افتتح 220 فرعاً لمحلات اسمها «أبيض النيل BLANC du NIL» تبيع فقط قمصان - تى شيرتات- شورتات «رجالى وحريمى، لونها أبيض × أبيض.. توحى بأنها من «قطن النيل».. وهى من أقطان هندية - باكستانية - فسَّاوية.. ولكن طريقة العرض، وفنون التسويق، تجعل الزبون يتصوّر أنها (مصنوعة من أقطان مصرية)، فالقطن المصرى يُباع فى الصيدليات (10 جرام بـ 8 يورو) مما جعل الإقبال على الشراء من هذه المحلات بالطابور، وثمن القميص الـ «نصف كم» 39 يورو!!
تحدثنا عن غياب دور التمثيل التجارى.. وانشغال معظم أعضاء بعثاتنا الدبلوماسية بالشوبينج، واستقبال أبناء وزوجات كبار المسئولين (من المطار للمطار بسيارات دبلوماسية)، والدليل أن تسويق القطن المصرى بالخارج، فشل فشلاً ذريعاً لغياب وكسل وإهمال ملحقينا التجاريين، عكس كل الدول المنافسة، من الهند إلى بوركينا فاسو!!.
فى العاشرة والنصف تماماً، ظهرت 6 طائرات ترسم «علم فرنسا» بالدخان، فوق رؤوسنا، من قوس النصر حتى المسلة المصرية بميدان الكونكورد.. وظهر الرئيس «أولاند» على عربة مكشوفة رافعاً يده، تحية للجماهير التى ملأت أرصفة الشارع، وبجواره وزير الدفاع مُعظّماً للشعب.. والخيَّالة بالعشرات أمام وخلف السيارة.. أعقبته فرق متعددة من قطاعات الجيش والشرطة وحتى المطافئ.. وعند مرور فريق مكافحة الإرهاب، كان تصفيق الجماهير أعلى صوتاً من التصفيق للرئيس!!.
الرئيس يجلس وسط «المنصة» المنصوبة فى ظل «المسلة المصرية»، التى أهداها «محمد على» لفرنسا.. وظلًّت شامخة ترفع اسم مصر، بأهم ميادين عاصمة النور.
الطائرات الحربية (من كل نوع وبأشكال وأحجام) لا نعرفها، فهم أولى دول العالم فى إنتاج أحدث الطائرات العسكرية، من الميراج إلى الرافال، والشعب كله يرفع رأسه بفخر واعتزاز لمدة ساعتين، حتى انتهى العرض. وغادر الجميع!!.
ولكن للحق والإنصاف.. كان العرض الجوى ضعيفاً، وغير مُثير.. وأشهدُ أننى حضرت عرضاً جوياً بشرم الشيخ، أيام الفريق «أحمد شفيق»، وكنا جميعاً نقف على أطراف أصابعنا، من الإثارة والخوف، وطيارونا المصريون «يلعبون» بطائرات الميج والميراج، وبحركات بهلوانية يعجز اللسان عن وصفها.. وهذه «شهادة» يؤكدها كل العارفين والمتخصصين، بأن الطيار المصرى (الحربى والمدنى) إن لم يكن الأول فى العالم، من حيث التدريب والتأهيل والخبرة، فهو من الثلاثة الأوائل فى العالم.. ولهذا أرجو أن يكون العرض الجوى «يوم افتتاح قناة السويس الجديدة» هو المسيطر والواضح، أمام رؤساء العالم.. خاصة رؤساء الدول المصنَّـعة لهذه الطائرات.. ليروا كفاءة وقدرة وتميُّز نسورنا فى الجو!!.
التقليد فى فرنسا أنه بعد انتهاء العرض العسكرى، يعود الرئيس إلى الإليزيه، وتمام الواحدة والنصف، تجده فى مواجهة (2) من الصحفيين (امرأة ورجل) ليجيب عن أسئلة الشارع.. اخترت لكم عيَّـنة من الأسئلة:
س 1: لماذا يبدو للناس أنك ناجح بامتياز فى السياسة الخارجية.. ولكن ضعيف (ولن أقول فاشل) فى سياساتك بالداخل؟
س 2: بعد 3 حوادث إرهابية (قتل الصحفيين بجريدة إبدو، و.. و..) ألا ترى أن أجهزة الاستخبارات والمعلومات تحتاج إلى تغييرات هائلة؟
س 3: باقٍ على انتخابات الرئاسة عامان.. فهل ستترشح لمدة ثانية؟.
الإجابة:
جـ 1: كيف تنكرون لى أن نجاحى خارجياً حقق مبيعات وعقوداً بقيمة 26 مليار يورو، من سلاح لثلاث دول عربية، تم ضخها فى شرايين الاقتصاد الوطنى!.
جـ2 : أتفق أن أجهزة الاستخبارات، كانت فى حاجة إلى دعم مادى (وقد حدث).. ودعم تقنى مع رجال جُدد (وقد حدث).. وسنُصدر 3 تشريعات جديدة حالاً، لمحاصرة الإرهابيين تساعدهم فى القبض على كل مشتبه فيه بالإرهاب و....
جـ3 : نتائج خلق فرص عمل، وتقليل نسب البطالة، فى نهاية مدة رئاستى الأولى.. هى التى ستُحدِّد إعادة ترشحى للرئاسة من عدمه.. فلننتظر النتائج!!.
وانتهت المساحة.. ولم ينته الحوار!!
ونستكمل الثلاثاء المقبل