«والله المهنة بقت هلس وأى شغلانة تانى أشرف منها».. قالها وهو يقلّب مخزون السفالة من شتائم الشارع ويستدعى ما لا يحب أى لسان عف أن يسمعه من شخص مهما كان، «إزاى يعملوا كده.. إزاى المسألة وصلت للمستوى ده.. هوه فى كده فى الدنيا» بدا كسيل هادر يملؤه الغضب وينظر لى وكأننى مشارك فى الفعل، هكذا فعل معى أحد سكان مدينة الإنتاج الإعلامى عن واقعة الفضائيين «غراب ومهيب» على الهواء مباشرة، فأحدهما يسجل مع فتحى مبروك بعد فوزه المستحق على زمالك مرتضى، والآخر يناكف ويعافر ليضع مايكه ليحصل على تصريح احتفائى احتفالى، نظرية الكوع والحضن سيطرت على الموقف، الكوع ليمنع مايك الآخر والحضن ليحيط بذراعه على ضيفه فى تصرفات لا تراها سوى فى دكاكين الإعلام الرياضى الذى نراه أغرق فى الإسفاف منذ أن رأينا «لاعبى الكرة» الذين لم يكملوا تعليمهم يقودون الشاشات ويقسمون الجماهير ويمارسون التحريض ويبشرون بالكراهية ويقتصون بلا أخلاق من الآخر المختلف معهم، هذا الإعلام الذى كرّس للابتذال وصنع مساحة خلفية فى الفضائيات مثل المواخير وبيوت الحرام، إنها بيوت الإعلام اللارياضى التى أعطتنا خلال السنوات الأخيرة أسوأ ما شهدناه «دماء الملاعب» وأى منصف سيتحدث عن الماضى سيذكر أن هؤلاء أسهموا فى سفك دماء المصريين لمجرد أن أحدهم جلس أمام كاميرا أو ظن أنه كلما شتم وتصارع وتنافس واشتبك مع آخرين على خلفية الانتماء والمصالح، زاد جمهوره وارتفعت أسهمه، وليقل لى أى طفل ماشى فى الشارع «ماهى مقومات أى منهم؟» لنرخص لهم أن يدفعوا لبيوتنا سطحيتهم وخواءهم وجهلهم.
الفضائيان «غراب ومهيب» ثنائية تشير إلى أزمة الإعلام الذى لم تقترب منه قواعد أو تصوغه مواثيق أو تقف وراءه صناعة راسخة، فقط أردنا فضائيات فاشتعل هواؤنا ليلاً دون أن نخطط مساراً للعمل ونضبط سلوكاً أو نحقق رادعاً أو نؤمن باستقلالية أو نلتزم بمعايير، أزمة الإعلام انعكاس لفوضى مجتمع يكره النظام ويتوق إلى الفوضى، إعلام يعوزه عقل وحكمة وليس توجيهاً وسعياً سلطوياً للسيطرة، إعلام يحترم مجتمعه ويسعى للمهنة وقيم الإنصاف، إعلام يعلم أن المجد ليس لمن يسبق فقط بل لمن يعالج ويتناول الحياة بضمير والتزام بقيم لا يعرفها من يوجه «غراب» أو «مهيب»، نحن خجلى بما يفعله السفهاء منا لأنه لو أنصت أحدهم لصوت المهنة لترك الآخر يسجل حواره ثم التقى الضيف المغلوب على أمره ليسأله فى زوايا أخرى عن الحدث تضيف إلى شاشته، أما من أذاع المشادة على الهواء فهو مكايد بامتياز لا يختلف عن باقى الشلة التى تنادى دايماً على «الصدأ» «إحنا بتوعك»، هؤلاء وهؤلاء فى رباط الحظيرة، حظيرة القبح والمسخ.. اللهم نجّنا من إعلامهم وأخرجنا من بينهم مهنيين..!